يقف سوق أبو جهل الشهير والتاريخى بمدينة الابيض عروس الرمال شامخا عزيزا كجبال دامبير والداير وجبل كردفان لفترة تجاوزت المائة وستة أعوام، يحكى ويخلد عراقة المدينة ذات التاريخ الضارب فى عمق جذور الاصالة والمجد التليد.. هذا السوق الذى لو وجد قليلاً من الاهتمام لاصبح مصدر دخل سياحي يجلب كل الزوار، شريطة عدم المساس بتاريخه والخيرات التى يقدمها، ويتسابق عليها كل زائر لديار كردفان وعلى رأسها التبلدى، الكركدى، القضيم، العرديب، السنمكة، الفول السودانى، السمن الاصلي، العسل الاصلي، النبق، اللالوب، حب البطيخ، الدخن وكل خيرات ريف كردفان. وسوق أبو جهل سوق عتيق وفيه عبق التاريخ مثل مدينة لندن، وتدخله فى الصباح الآلاف من اهالي القرى ويغادرونه قبل أن ترخى الشمس سدولها. وقد وجمع السوق بين الأصالة والحداثة، حيث به اكثر من «786» دكاناً تعمل في أكثر من ثلاثة وستين منشطا، وبه حوالى «2400» عامل يكفلون أكثر من «700» أسرة كما انه وجهة ابناء المدينة واهل الريف الذين يبيعون ويشترون فى حركة دؤوبة كخلية النحل، ناهيك عن اصحاب عربات الكارو التى تنقل البضائع جيئةً وذهاباً، ومحلات السوق تم توارثها أباً عن جد عبر المستندات الرسمية، وكانت تتوسطه فى ماضي الزمان خلوة الشيخ الفكى مدنى والد الاعلامى عبد الله الفكى باذاعة الابيض، وهدفت الخلوة الى تعليم ابناء العاملين بالسوق القرآن والفقه، وهناك دروس محو الامية لنساء السوق. ولأن السوق يمثل إرث كل أهل كردفان والسودان، فقد تداعت كوكبة من شباب وابناء الابيض للاحتفال باليوبيل الماسى للسوق، وفق رؤية وفهم متقدم اشارت له «الصحافة» من قبل عبر مقال هلل له اهل السوق الذين ذرف بعضهم الدمع السخين لعراقة السوق، ولأنهم شعروا بأن لديهم أهلاً وابناءً من خارج السوق يفرحون لفرحهم ويتألمون لآلامهم التى لا يشعر بها غيرهم.. ووسط هذه الاجواء الاحتفائية ينبرى لنا نفر يتحدثون بمرارة عما يجرى تحت الجسور من مياه هدفت لهدم هذا الإرث العريق. والهمس تحول الى حديث جهر يقول بأن السوق فى طريقه للزوال بحجة التحديث، والتحديث براءة من ذلك، في وقت أشار فيه البعض الى أن مساحات من السوق قد بيعت لمستثمرين، وان معارض للسيارات ستتوسط سوق أبو جهل بدلا من الويكة والشطة والتوابل. ان السوق يواجه مؤامرة شبيهة بمؤامرة اسواق الازبكية والسيدة زينب والعتبة بمصر وسوق واقف بقطر وباب شريف بجدة وسوق ابو روف بام درمان، وغيرها من الاسواق العتيقة في العالم وإذا كانت تلك الأسواق قد صمدت أمام التغيير وعمدت الحكومات الى رصفها بالبلاط والانترلوك لوقف الاتربة.. فها هم اهل السوق يعلنون نفيرا لاعادة تأهيله واتصلوا بالصحيفة يشكون ما يُحاك ضد السوق. وابتدر الحديث الامين حسن الحاج قائلا بأنه عمل بالتعليم لاكثر من «32» عاما داخل وخارج السودان، وقام من حصاد الغربة بشراء دكان بأكثر من «12» ألف دولار قبل أكثر من عشرة أعوام من الجهات الرسمية، مبديا اعتراضه على فكرة التحديث، لأن الناس يشتمون سوء نية. وكشف عن دفعهم لمبلغ «203» جنيهات شهريا للمحلية للدكاكين الكبيرة، و «56» جنيهاً للصغيرة و «15» جنيهاً رسوم نفايات، و «250» جنيها كل عيد رسوم عرض و «150» جنيهاً سنويا للمقاييس، فضلا عن العوائد والزكاة. التاجر عمر على الحاج الذى يحفظ تاريخ السوق جيدا وزميله عبد القادر الطاهر «قدورة»، استنكرا ما يجرى بحجة تحديث السوق. واشادا بالمعتمد الذى اكد لهم ان معاش وحياة الاسر العريقة التى تعتمد على السوق والتى تتجاوز ال «10000» اسرة أمر يهمه جدا، وعبرا عن سعادتهما باهتمام المعتمد، وقالا ان عراقة السوق وسمعته العالمية جعلت من أبرز زواره السفراء الاميركى والفرنسى والسعودى والكويتى والبريطانى، والملكة اليزابيث ملكة بريطانيا العظمى، والشاعر نزار قبانى، والزعيم الازهرى، ونائب الرئيس علي عثمان محمد طه ومحمد أحمد المحجوب، وكثيرون من المبدعين والفنانين ولاعبى الفرق الرياضية، أمثال جكسا وبشارة وسبت دودو وعلي قاقارين وسانتو والدحيش وغيرهم.