دخل المشهد السياسي بجنوب كردفان مرحلة حاسمة، مع بدء الحملة الانتخابية لوالي جنوب كردفان والمجلس التشريعي بالولاية، لانتخايات تتجاوز اهميتها المقاعد المتنافس عليها بين المرشحين، الى تحديد مصير الولاية المنتظر عبر المشورة الشعبية التي اقرتها اتفاقية السلام الشامل، لذا تكتسب انتخابات جنوب كردفان التي يجري الاقتراع عليها في الثاني من مايو القادم أهميتها، الامر الذي يزيد من حدة التنافس فيها، تنافس ربما لا يخلو من اللعب النظيف، وهو «الاتهام» الذي بدأت تتبادله الاطراف المتنافسه في الانتخابات، حيث غدا كل فريق يتهم الآخر بمحاولات تزوير العملية الانتخابية المقبلة. وبمثل ما شهدت إنتخابات أبريل الماضية توجيه أصابع الإتهام صوب المؤتمر الوطني من القوى السياسية الاخرى، تتهمه بالتزوير وتحمله مسؤولية ما شاب العملية الإنتخابية برمتها من تشوهات، ابتداءً من التعداد السكاني مرورا بالسجل الإنتخابي وتوزيع الدوائر وعملية الاقتراع وانتهاءً بالنتيجة، وفي تلك الانتخابات كان الحزب الحاكم هو الجاني حسب الأحزاب التي وضعت نفسها في خانة المجني عليه، هذا ماكان عليه المشهد السياسي قبل عام، بيد أنه يختلف تماما في ولاية جنوب كردفان التي سيتوجه أكثر من 600 ألف ناخب، للادلاء باصواتهم في إنتخابات الثاني من مايو القادم، ويأتي وجه الإختلاف في أن كل القويى السياسية المتنافسة على منصب الوالي وعضوية المجلس التشريعي تتخوف من حدوث خروقات وعمليات تزوير تصاحب الإنتخابات، وهو أمر يبدو بحسب متابعين غريبا وغير مألوف في الإنتخابات بدول العالم الثالث ،فالوطني المتهم الأول والدائم بممارسة التزوير يتخوف من قيام الحركة الشعبية بعمليات تزوير في مناطق نفوذها المعروفة وغيرها من دوائر، وذات الأمر ينطبق على الوطني المتهم من قبل شريكه في الحكم باستغلال إمكانيات الدولة والتأثير على موظفي المفوضية وإنتهاج أساليب تزوير مختلفة، أما الأحزاب الأخرى والمستقلون وعلى رأسهم تلفون كوكو ،يتخوفون من الشريكين ويتهمانهما بالتزوير، إذن الجميع يتخوف، والجميع في قفص الاتهام، ليبرز السؤال لماذا هذه التخوفات، الإجابة تكمن في أن ولاية جنوب كردفان هي الأكثر تعاطيا وتداولا لمفردة تزوير وذلك بناءً على شواهد كثيرة، وطفت مفردة تزوير على السطح عقب التعداد السكاني الذي أجري قبل عامين وتم رفض نتيجته من قبل الحركة الشعبية وقوى الاجماع الوطني والتي نجحت مساعيها في إعادة التعداد مجددا بعد شد وجذب وتأكيد على أن هناك تزويراً شاب التعداد الاول، واستمر تداول مفردة تزوير في إنتخابات المجلس الوطني بالولاية الماضية التي فاز فيها ثمانية من مرشحي الوطني من مجموع عشر دوائر ،ليصاحب اتهام التزوير تلك الإنتخابات، وبعد نشر السجل الإنتخابي الاخير اتهمت قوى الإجماع الوطني المفوضية بحدوث تلاعب وتزوير في كشوفات وسجلات الناخبين، وحسب المذكرة التي دفعت بها قوى الاجماع الوطني اشارت الى أن هناك تزويراً في السجل يتمثل في أن الكشف المبدئي للمفوضية القومية للإنتخابات حوى 651,859 ناخب، وان السجل الموازي الذي كان بحوزة الحركة الشعبية التي قامت باعداده للحيلولة دون التلاعب هو: 613,485 ناخب،وتم الاشارة في المذكرة الى الزيادة التي وصفت بغير المبررة والتي بلغت 58,880 ناخب ،وكشفت المذكرة عن نقص السجل الانتخابي في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية جماهيرياً بعدد يقدر 20,509سجل. وان هناك زيادة كبيرة في السجل الانتخابي بالقطاع الغربي، وتواصلت أخيرا أزمة عدم الثقة بين المتنافسين وانتقلت هذه الروح الى الشارع بالولاية الذي يبدي توجسا من وقوع خروقات وتزوير في إرادة الناخبين ،ويرجع الناطق باسم الحركة الشعبية بالولاية محمدين ابراهيم تخوفاتهم من وقوع تزوير الى ماحدث في التعداد السكاني والسجل وإنتخابات أبريل الماضية ،ودمغ موظفي المفوضية بالتواطؤا لصالح المؤتمر الوطني ،وأشار الى أن الزيادة والنقصان الذي حدث في السجل الإنتخابي الأخير والفصل الذي تعرض له عدد كبير من موظفي المفوضية بالولاية أكد وقوع تزوير ،وكشف عن تدريب الحركة لستة ألف مراقب ووكيل لمتابعة عملية الاقتراع في كل المراكز وذلك للحيلولة دون التزوير ،ويشير وكيل المرشح المستقل تلفون كوكو،عمر فضل الى أن التخوفات مشروعة ومبررة لجهة حدوثه تزوير من قبل ووجود شواهد وبينات تؤكده آخرها السجل الإنتخابي ،وقال إن الانتخابات القادمة ذات أهمية قصويى وذلك لأنها تتعلق بالمشورة الشعبية لذا سيحرص كل حزب على الفوز ليكون لديه ممثلين في تشريعي الولاية القادم ،وطالب فضل الشريكين بعدم إستغلال امكانيات الدولة ونفوذها للتأثير على الناخبين وإستمالة أصواتهم وذلك حتى يتمكن كل مواطن الادلاء بصوته بكل حرية وبشفافية تامة. اما أبرز صور التزوير التي تخشى الاحزاب المختلفة بما فيها الشريكان من وقوعها في الانتخابات القادمة تتمثل في، اقتراع اشخاص باسماء آخرين غير موجودين، عدم نشر السجل في بعض المراكز، نشر بعض السجلات في المراكز بالخطأ عن عمد، تجاهل لجان المفوضية لكافة الاعتراضات والطعون التي تقدم اليها، تعمد كتابة الأسماء بصورة خاطئة في السجل الإنتخابي،تزوير السجل بإضافة أسماء وهمية ،إستغلال السلطات وامكانيات الدولة،تبديل الصناديق ،الترغيب والترهيب وغيرها من أساليب ،وكان رئيس حزب العدالة الدكتور مكي علي بلايل قد شدد في حديث سابق للصحافة على ضرورة ان تأتي الإنتخابات القادمة شفافة وبعيدة عن التجاوزات والخروقات وذلك للخصوصية التي تتمتع بها الولاية والتقاطعات السياسية وحالة الإحتقان التي تظلل اجواءها وأضاف:أي شخص يأنس في نفسه الكفاءة ولديه الثقة بالفوزمن مصلحته ان تجرى الانتخابات في اعلى درجات الشفافية حتى لا يكون هنالك تشكيك في نتائجها، وانتخابات ابريل الماضية لم تعبر عن الارادة الشعبية، وكان هناك حديث كثير عن تبديل للصناديق وممارسات خاطئة شابتها، ونحن قلنا ان انتخابات جنوب كردفان استثنائية نظرا للظروف السياسية المحيطة بهذه الولاية، وفي يوليو الماضي رفعنا مذكرة بالاشتراك مع مرشح حزب الامة لمنصب الوالي للمفوضية القومية للانتخابات بالمطالب التي يمكن ان نتدارك بها الاخفاقات التي حدثت في انتخابات ابريل، وكانت اهمها الفرز الفوري للصناديق وضرورة حيدة الادارة الانتخابية في الولاية وابعاد كل من حوله شكوك بالانتماء لحزب سياسي وان لا تستخرج اوراق اثبات الهوية بواسطة اللجان الشعبية وانما بواسطة لجنة تمثل الاحزاب في المركز المعيّن، وتقديم ضمانات بحرية تنقل وطواف المرشحين وانصارهم في كل ارجاء الولاية وهذا المطلب مرتبط باماكن سيطرة الحركة الشعبية كما طالبنا باصدار مبكر لجدول الانتخابات،وأشار الى رفعهم مذكرة في هذا الصدد الى المفوضية ولكن لم يتلقوا إستجابة، وأضاف:قررنا المضي قدما في المعركة الانتخابية رغم تحفظاتنا على مجمل المناخ السياسي، فقد وطّنا انفسنا على التعامل مع سلبيات الساحة السياسية كأمر واقع، وان ندير معركتنا الانتخابية بناء على ادراكنا لهذه المسائل. وحول الاتهامات التي توجه للمؤتمر الوطني بممارسة التزوير أوضح والي جنوب كردفان ومرشح الحزب الحاكم لمنصب الوالي أحمد هارون في تصريحات صحفية قائلا: هذا عدم فطنة في تقدير الأمور، وكثيراً ما يستخدم البعض في الحركة مفردة تزوير خارج سياقها ومدلولها، ولهذه المفردة مدلولها وتكييفها القانوني ولها عناصرها، ومن الخطأ والعبث السياسي والقانوني إستخدامها خارج سياقها حتى لا تفقد معناها.. ومن حق أي زول «يشكِّر زولو» بما يراه مناسباً، لكن لابد من أن نتفق على قواعد اللعبة وماذا نعني عندما نقول تزويراً، أو ما نعنيه عندما نقول ممارسة إنتخابية فاسدة وهذا إتفقنا عليه في قانون الإنتخابات الذي كان نتاج توافق سياسي بين الوطني والحركة، اما نائب رئيس لجنة الإنتخابات العليا بالولاية عبد الجبار ابراهيم فقد عبر عن بالغ تعجبه من تخوف الأحزاب من وقوع تزوير لجهة وجود وكلاء ومناديب للأحزاب يراقبون ويتابعون العملية الإنتخابية في كل مراحلها، ونفي تواطؤ المفوضية مع أي حزب وقال انهم سيديرون العملية الانتخابية القادمة بكل شفافية وحيادية ،وسيبددون كل الظنون والمخاوف والخروج بالعملية الانتخابية الى بر الأمان دون شوائب تؤثر على نزاهتها. من جانبه يرجع الكاتب الصحفي والمتخصص في شؤون كردفان الدكتور صديق تاور بروز ظاهرة التزوير الى ما اسماه بالتخريب الذي طال الممارسة السياسية خلال العشرين عاماً الماضية ،وأشار الى ان النموذج السائد للممارسة السياسية بات قائماً على المصالح الشخصية وعدم الإهتمام بقضايا الوطن والمواطن ،وأن المنصب الوزاري والتشريعي تحول الى نوع من الاغتراب الداخلي يغري الكثيرين للوصول اليه بشتى ومختلف السبل المشروعه وغيرها ،وقال إن هذا قاد الى الظواهر السالبة كالتزوير الذي دمغ به المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،وقال:المؤتمر الوطني درج على أساليب الترهيب والترغيب في الإنتخابات ،وهو لايتورع عن ممارسة التزوير الذي بات صفة مرتبطه به في أية إنتخابات سياسية او نقابية ،ويسعى من وراء ذلك الى التمسك بالسلطة ،ويضيف تاور: أما الحركة الشعبية فهي لاتختلف عن الوطني كثيرا خاصة في طريقة التفكير والنهج الاقصائي ،وتزوير الحركة ليس من باب الفساد ولكنه يأتي من باب التسلط والغاء الآخر وإتباع نهج الغاية تبرر الوسيلة وذلك عبر ممارسة الطرق المشروعة وغير القانونية للوصول الى هدفها وشعار النجمة او الهجمة يوضح نهجها الذي لايختلف عن المؤتمر الوطني في شئ.