استضاف منبر الصحافة الدوري بالتعاون مع الجمعية السودانية لخريجي الجامعات المغربية ونخبة من المهتمين بالشأن المغاربي ليتحدثوا تحت عنوان «التحولات في المشهد المغربي» في محاولة للاقتراب مما يدور في جزء مهم من العالم العربي الذي يمور بالثورات والتحولات .. وهنا نعرض بعضا مما جاء في المنبر من حديث لسفير المملكة المغربية محمد ماء العينين وغسان علي عثمان والدكتور عبد الله صالح: . عقلنة السلطة السفير المغربي بالخرطوم محمد ماء العينين استهل حديثه بالتأكيد على الصفة التي اطلقها مدير المنبر حسن البطري على العلاقة بين السودان والمغرب وقال انها فعلاً (علاقة صفاء) بنيت على مدى قرون عبر الصحراء التي يطلق عليها المغاربة طريق الايمان وعبدتها مجموعة من العلماء الاجلاء الذين استقروا في السودان اذ طاب لهم المقام مؤسسين بمجهودات العلماء ورجال الدين عطاء لا ينضب يضاف الى ذلك انتشار افراد قبيلة المغاربة في ربوع السودان وهم كثر وعددهم يتجاوز المليون نسمة يضاف إليهم المرجعية الموحِدة والموّحدة هي مرجعية المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية والتصوف بأبهى صوره وأقوى مضامينه، ويقول السفير ان العلاقات المغربية السودانية هي علاقات جيدة على الصعيد السياسي فمنذ استقلال المغرب وكذلك السودان وحتى في ايام المحنة الاستعمارية استطاع كل من الشعبين وقيادة البلدين ان يؤازرا أحدهما الآخر وان يسمع صوت الآخر حتى تم الاستقلال في عام 1956م.. وينتقل ماء العينين الى تناول التطورات التي شهدها المغرب ويتوقف في عدة محطات منها محطة دسترة القوانين ويقول ان العاهل والملك المغربي حفظه الله يرى ان ليس هناك بناء يتم دون بناء قانوني ووضع أرضية خصبة لاصلاحات قانونية فكان أول دستور مكتوب للمغرب عام 1962 ثم جاء من بعده دستور 1970 ثم جاء دستور 1971 ثم جاء دستور 1996م ويقول ان هذه الدساتير تصب في خانة الملكية الدستورية، ويلقي السفير الضوء على الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس في التاسع من مارس 2011 ويقول انه يمثل نموذجاً اصلاحياً ديمقراطياً جيداً ويشكل ضمانة راسخة جديدة بين العرش والشعب وأساسه منظومة فكرية راسخة، مشيرا الى ان الاصلاحات الدستورية لم تكن غائبة عن ذهن الملك الحسن الثاني والملك محمد الخامس ولكن كانت هذه النصوص القانونية التي ابتدأت 1962 تتأثر حسب الزمان والمكان بالاحداث التي عاشها المغرب ويقول ان الاصلاحات التي نادى بها الملك محمد السادس اليوم جاءت نتيجة لمجموعة من اعلانات حقوق المواطنة والمساعي للوفاق والاتفاق، ويشير الى ان الخطاب ركز على الثوابت التي هي محط اشباع وطني والتي تشكل اطاراً مرجعياً ثابتاً حيث يستند التعديل الدستوري الشامل إلى الأسس الحضارية والروحية المتمثلة في الاسلام وقيمه وترسيخ الهوية المغربية الموحدة الغنية بجميع روافدها وتدعيم دولة الحق والمؤسسات وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وتعزيز منظومة حقوق الانسان بكل ابعادها وتوطيد مبدأ فصل السلطات وتوازنه وتحقيق الديمقراطية، ويضيف (عندما نتمعن في المرتكزات الاساسية التي ركز عليها خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله نتذكر انه ما من حدث هام في مسار هذه النهضة التي يقودها الملك إلا وارتكز على الاسس الاخلاقية والروحية المتمثلة في امارة المؤمنين فأمير المؤمنين هو الممثل الأسمى للأمة وهو نبض وحدتها وهو حامي حمى الملة والدين ووارث السيادة على مدى العصور منذ ان بايع المغاربة آباءه وأجداده) ويتحدث السفير عن الاصلاحات الدستورية التي اقترحها جلالة الملك بعقلنة السلطة وسن قواعد ملزمة لتنظيم عمل الدولة ويقول انها تبدو في رؤيتها الهادفة والطموحة بمثابة الميثاق الجديد بين الدولة والأمة لضبط العلاقة بين الحاكمين والمحكومين بناء على سيادة القانون، ويستشهد باحد كبار فقهاء القانون الفرنسيين وهو الفقيه برنارد لوبيه الذي يقول (انه اذا كان التعديل الدستوري قد أدى مهمته في مضامينه وفي ابعاده سيكون بمثابة ولادة دولة جديدة وميثاق جديد) وهو ما أراده جلالة الملك، ويقول ان الملك محمد السادس أعلن لأول مرة عن محاور اساسية للتعديل الدستوري في خطابه التاريخي في 9 مارس 2011 مما يعد منعطفاً اصلاحياً فريداً ويكون جلالة الملك قد كرس من خلاله سيادة الشعب لاقامة نظام ديمقراطي قيم يحصن المكتسبات ويقوم الاختلالات، ويقول السفير ان ما تضمنه الخطاب التاريخي من أهداف ومبادئ سامية سيبقى مناراً متقداً في ضمير أمتنا المغربية التي تنفرد بان يكون لها ملكاً عادلاً ملكاً ثائراً وملكاً مصلحاً وملكاً رؤوفاً رحيما مقتدياً بنهج جده النبي الأمين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. دولة مؤسسات في حديثه قال غسان علي عثمان ان المشهد المغربي مبعد أو بعيد في العقل السياسي العربي وقال ان أهم نتيجة لهذا الابعاد والابتعاد هو عدم المعرفة الحقيقية لطبيعة المشروع الثقافي والاجتماعي والسياسي للمغرب، مشيرا الى ان تعبير المغرب الاقصى صادر من المشرق إذ كانت الخلافة العباسية تحكم المشرق العربي بينما كانت دولة الادارسة بالمغرب دولة مستقلة، لينتقل الى الحديث عن خطاب الملك المغربي ويقول ان جلالة الملك حين يبدأ خطابه بالقول بالطابع التعددي في المغرب الموحدة وان يقول ان الامازيغية من روافد الوحدة المغربية فهذا مدخل فيه اعتراف ورد إعتبار حقيقي لطبيعة وحقيقة الهوية المغربية، مشيرا الى ان هذا يمثل انتقالاً من مرحلة الاستيعاب الى مرحلة التجاوز حيث استطاع الموروث القديم المغربي ان يستوعب الداخل اليها ولعل هذا ما دعا لملك للقول: ( ان الامازيقي هى وسيط لجميع المغاربة) لأنه يعلم تماماً بأنه من الضروري حسم قضية الهوية، مشيرا الى ميزة مهمة جداً وهى القدرة على الاستيعاب الداخلي، فليس مطلوبا ان يطرد الداخل ماهو موجود، ويقول عثمان ان دولا كثيرة وثقافات كثيرة جداً تعاني من هذه القضية، ففي السودان هذه المشكلة موجودة وحاول البعض في ستينيات القرن الماضي الحديث عن ثنائية ثقافية في السودان بين غابة وصحراء وفي مصر ظهرت دعوات فرعونية ودعوات اسلامية وكثير جداً من الدول ليقول ان مدخل الملك باقرار ان الامازيغية وسيط لجميع المغاربة دون إستثناء اعطى الإعتبار للهوية المغربية الجامعة. ويقدم عثمان تتبعا تاريخيا لمسيرة طارق بن زياد وعبد الرحمن الداخل والادريسي ليخلص الى ان التأكيد على مبدأ تحديد الهوية هو مدخل هام وواقعي وحقيقي ومدخل صادق حتى تكون هناك بحق دولة مؤسسات وان يكون هناك عقلنة وذلك مستحيل دون تحديد من انت، نتحدث عن مثل هذه الاصلاحات مؤكدا على انه مدخل غاية في الذكاء والصدق، (وكم نحتاجه في دولتنا في المشرق)، ويقول ان مما لفت انتباهه في قضية الهوية المغربية الثقافية ان الثقافة العربية كثيراً ما تتهم بأنها تمارس دوراً من الهيمنة السلبية على باقي الثقافات (لكن انا في اعتقادي ان الوضع في المغرب كان مختلفا، الثقافة العربية وصلت باعتبار ان جغرافيا المغرب وسكان المغرب هم اعضاء في جمعية الثقافة العربية، العضوية حددها الاسلام والثقافة ان تصير عربياً يعني ان تثري باللغة العربية بمعنى ان ترتدي ذاكرة عربية)، مشيرا الى ان المغرب قدم شكلاً مختلفاً في تعاطي الثقافة العربية بأن ادمجت الثقافة في موروثها القديم مع هذه الثقافة الداخلة و القوة لاى موروث قديم في قدرته على ان يأخذ من الوافد الجديد اليه ما يعزز وجوده ويطوره، منبها الى ان الرسالة الاسلامية قامت على اكتاف من هم ليسوا من الجزيرة العربية. ويقول عثمان ان الملك محمد السادس بدأ مشروعه الاصلاحي قبل ان يعتلي العرش عام 1998 بان يكون زعيم المعارضة الاستاذ عبد الرحمن اليوسف رئيساً للحكومة، وهذا دليل دون الوقوع في خطأ كبير ان المغرب اكثر البلدان الديمقراطية في الوطن العربي، ويوضح (القصد انها ديمقراطية ان المشهد العربي هو مشهد يتصف بالاستمرارية والتطور اقول ان هذا التطور والاستمرارية والصيرورة افتقدتها بلدان المشرق العربي وليس في رأيي اختناق العقل في المشرق العربي انا اقول ان العقل في الشرق العربي تم تكريسه يعني صار غارقاً في التراث والدليل ان جملة ما يعانيه من مشاكل سياسية وثقافية هى مستلفة من ذلك التاريخ القديم)، ويقول ان العقلانية الموجودة في المغرب هى تلك العقلانية التي بدأها ابن رشد حيث كان دائماً يقول (بأن لا قدر ولا صوت ولكن الاستيعاب المتجدد والموت المتجدد) وهذا ما يميز العقل المغربي المتجدد، مشيرا الى ان الديمقراطية في محيط المغرب استفادت من القول (لا سبيل للديمقراطية إلا باستمرار الديمقراطية)، ويقول ان هذه الاستمرارية وهذه الحيوية والانصات لصوت الشعب والوقوف مرات ومرات عند مشاكل متجددة تجعلنا نقرر اننا نحتاج لكل هذه الدينامية حتى تتناغم مع هذا الشكل في الديمقراطية ويقول عثمان ان البعض يعتقد ان الديمقراطية نصوص توضع دون ان يضع في الاعتبار الحقل الذي نضع او نزرع فيه هذه الديمقراطية وكل التعديلات التي حدثت في الدساتير المغربية لعلها دليل او دليل حقيقي على ان الديمقراطية تحتاج الى المزيد من اختيارها الى المزيد من تجربتها الى المزيد من اختيار الحقل الذي تزرع فيه. ويلخص حديثه في ان حسم قضية الهوية مدخل اساسي للحديث عن اي اصلاحات سياسية وان الاستجابة لطبيعة المشروع المغربي عبر طارق بن زياد وعبدالرحمن الداخل وايضا الادريسي وبعده هذا دليل على الاستمرار في النسق الذي يعبر عن صدق وطبيعة المشروع الاسلامي والعربي. الفيس بوك القاتل الدكتور عبدالله صالح قال ان القاسم المشترك الاعظم في ما جرى في الوطن العربي هو الحرب على الارهاب، تلك الحرب التي شاركت فيها موريتانيا والمملكة المغربية والجزائروتونس وليبيا ومصر وامتدادا حتى بلاد اليمن وسوريا والعراق وافغانستان ويشدد على ان هذا هو القاسم المشترك الاعظم الذي فرض فرضا على الانظمة العربية والافريقية وهو احد المحركات والمسببات في الثورات الاجتماعية التي حدثت، ولم يكن القاسم المشترك في الثورات الخبز او البحث عن الحرية ومساحة الحرية في المغرب لم تكن كبيرة وفي السودان وفي تونس كانت لا بأس بها وفي مصر ايضا، مشددا على ان المسألة لم تكن مسألة خبز او حرية بقدر ما كانت مسألة انتفاضة على قيود تكبل الانظمة وتتنزل في انظمة بعصا غليظة على الشعوب وعلى الشوارع وعلى الجماهير وعلى الكتاب وعلى الصحفيين. ويشير صالح الى مسألة اخرى ويقول ان هناك عاملا استجد في عصرنا في الربع الاخير من القرن العشرين هو ثورة الملتيميديا ثورة الاعلام والعولمة ويقول ان هذه الثورة التي لم توفر عرشا ولا قلما ولا سلطانا ولا سلطة إلا مستها .. قيل ان جمال عبدالناصر سئل كيف مت؟! قال سكتة قلبية ، السادات قال منصة، حسني مبارك قال الفيس بوك هو الذي قتلني، ويقول ان الملتيميديا وثورة الاعلام استجدت في عصرنا في حياتنا وكان انعكاسه ايجابيا في نظري فنحن في حاجة الى اعادة النظر في منظور القانون الدستوري للعقل الاجتماعي في كل الدول العربية والاسلامية. ويمضي صالح الى القول ان الهوية في المغرب لا تحتاج لحسم لأنها مرتبة والمغرب لا يعاني من مشكلة هوية ولا في تونس ولا في الجزائر (نعاني منها نحن الذين يتنزل علينا الحصار السياسي وطمس هوية السودان).. لينتقل الى الحديث عن ما استجد من عنصر جديد هو القوانين الدولية والسيادة الدولية والشرعية الدولية التي تنزلت كمطرقة وانتقصت في سيادة العراق واليوم تنتقص من كرامة ليبيا وانتقصت ايضا من سيادة السودان بوجود القوات الدولية.. ويقول ان المسألة شبيهة بالزلزال وتوابع الزلزال في النظرية العالمية الجيولوجية (وقع زلزل في مصر وتونس الآن نحن بصدد دراسة التحولات الجارية في الشرق العربي ، لأن توابع الزلزال في الجيولوجيا اخطر من الزلزال وهذا ما حدسه حدساً ذكياً بحس جيد ملك المغرب، ملك المغرب حدسه حدسا فلسفيا استراتيجيا، ملك المغرب بحسه الملكي التاريخي وبجيش المستشارين وبتراثه الملكي وباحساسه الاكاديمي كملك وتربع ملكا وعاش ملكا) ويقول ان ما يجري في الساحة المغربية وفي المشهد المغربي الآن غير قابل لتحديد نهائي تجاوب الملك مع ما يجري لكن للمجتمع المدني كله وللشباب كلمة للفيس بوك كلمة لتويتر كلمة، مؤكدا على انه لا يمكن تسيطر كلمة نهائية لما يجري في المشهد... ويتناول صالح تجربة الحقيقة والمصالحة ويقول ان هذه التجربة المتفردة في جنوب افريقيا وقف عليها نلسون مانديلا كاسطورة والمصالحة والحقيقة في المغرب وقف عليها ملك المغرب محمد السادس حفظه الله، مشيرا الى ان هذه التجربة فريدة ومتفردة و (كمجتمع مدني، نحن نوصي انفسنا لأن نتمثل هذه التجربة جيدا بتجربة الحقيقة والمصالحة في جنوب افريقيا وفي المغرب وان نحاول ما امكن في هكذا حوار وهكذا منبر ان ننزل هذه التجربة على المشهد السوداني لأنها تجربة رائدة واقية ما دام المجتمع السوداني يعاني على مستوى الهوية وعلى مستوى انتقاص سيادة القانون الدستوري وعلى مستوى المعيشة اليومية وعلى مستوى ما يجري في دارفور وهذا جرح انساني أليم قبل ان يكون جرحا سياسيا ، قضية دارفور لا يمكن ان تعالج بأية حال من الاحوال وغيرها من الملفات الشائكة الحساسة الا اذا تمثلنا التجربة المغربية واستطعنا ان نفتح حولها حوارا واسعا ونقيم ورشة كبيرة لكي نستخلص التجربة ونحاول ان ننقل ماكينزماتها ومبادئها وقيمها الى المجتمع المدني السوداني، وهذا دور فريد ومتفرد نرشح انفسنا له نحن جميعا ونرجو ان يساهم سعادة السفير مع الجمعية مع المجتمع المدني السوداني مع المثقفين السودانيين في كيفية نقل هذه التجربة).