الاتحاد يفوز على الأهلي في دوري الابيض    المدير التنفيذى لمحلية حلفا الجديدة يؤمن على أهمية تأهيل الأستاد    رئيس اتحاد المصارعة وعضو الاولمبية السودانية يضع النقاط علي الحروف..الله جابو سليمان: انعقاد الجمعية حق كفله القانون وتأجيل انتخابات الاولمبية يظل نقطة سوداء لايمكن تجاوزها    images (23)    شاهد بالصورة والفيديو.. خجل وحياء عروس سودانية من عريسها في ليلة زفافهما يثير اهتمام جمهور مواقع التواصل    494357492_1041486798116280_562566754585908973_n (1)    شاهد بالصورة والفيديو.. خجل وحياء عروس سودانية من عريسها في ليلة زفافهما يثير اهتمام جمهور مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. قائد قوات درع الشمال "كيكل" يدخل في وصلة رقص "عفوية" مع (البنيات التلاتة)    شاهد بالصور.. المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق "مارينا" ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق    شاهد بالفيديو.. القيادي بالدعم السريع إبراهيم بقال يظهر بأحد الملاعب العالمية ويتابع مباراة كرة قدم.. تعرف على الحقيقة!!    بهدفين مقابل هدف.. باريس يقهر آرسنال ويتأهل لمواجهة إنتر في نهائي دوري الأبطال    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    عندما كان المصلون في مساجد بورتسودان يؤدون صلاة الصبح.. كانت المضادات الأرضية تتعامل مع المسيّرات    سقوط مقاتلة أمريكية من طراز F-18 في البحر الأحمر    ريال مدريد وأنشيلوتي يحددان موعد الانفصال    محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. الحق فى استخدام المادة 51    أمريكا: الهجمات بالمسيرات على البنية التحتية الحيوية تصعيد خطير في الصراع بالسودان    المضادات الأرضية التابعة للجيش تصدّت لهجوم بالطيران المسيّر على مواقع في مدينة بورتسودان    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    في مباراة جنونية.. إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار قضايا السلام... بين الدين والدولة
السودان على حافة تقرير المصير أو الوحدة (4)
نشر في الصحافة يوم 14 - 04 - 2011


ترجمة:سيف الدين عبد الحميد
أصدر الدكتور فرانسيس دينق مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية،ووزير الدولة للخارجية الأسبق مؤخرا كتابا جديدا موسوم ب «السودان على الحافة» يحمل رؤى حول مشاكل الوحدة والانفصال والهوية السودانية ، وقضايا المهمشين، وتترجم «الصحافة» الاصدارة وتنشرها تعميما للفائدة..
قضايا الحوار القومي:
دعوني الآن أعالج بعض القضايا المتنازع عليها، ففي كل الجهود التي تجاوزناها بحثاً عن السلام تم تحديد قضايا معينة وأن الناس متفقون على أنها القضايا الخلافية. ولن أمر عليها بالتفصيل بل سأذكرها بإيجاز: تشمل القضايا الخلافية أو الشقاقية قسمة السلطة وقسمة الموارد أو الثروة القومية وطبيعة الحكم والدولة والعلاقة بين الدين والدولة ومشاكل الهوية القومية والقضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية. وربما كان العامل الأكثر خطورة والذي يقع في لب النقاش حتى الآن هو قضية الدين وترتبط بهذه القضية مسألة الهوية والتي لا تلمس الجانب العرقي فقط بل تلمس أيضاً الثقافة والهوية القومية. واعتقد أن من الأمانة القول بأن الاهتمام الذي أولى للدين يميل إلى تبسيط صورة معقدة جداً في طبيعة الدين الحساسة والتي تذهب إلى لبّ قضايا الهوية.
عندما نتحدث عن العلاقة بين الدين والدولة إنما نتحدث عن الدين باعتباره رمزاً للصورة الأكبر التي قد تحدد هوية المرء وهوية الأمة. ويشمل هذا القضايا المتعلقة بمَنْ الذي يشغل أي منصب في البلاد أو في المجتمع علاوة على القضايا المتعلقة بالكيفية التي تتأثر بها قسمة السلطة بل وقسمة الموارد بالهوية الدينية. فلا يمكن أن نتجنب تبسيط المشكلة عندما نصف الدين بأنه عامل أساس في هذا الوضع المعقد إلا إذا أخذنا في البال أن الدين أصبح رمزاً لشئ أكبر كثيراً. فعندما ننظر إلى قضية الدين يجب أن نأخذ في البال عدداً من القضايا المعقدة والمتشابكة. وطالما أننا جعلنا ديناً من الأديان أساساً لتحديد هويتنا وهوية الأمة ولتحديد مَن الذي يشغل أي منصب في هيكل السلطة وقسمة الموارد، فإننا بلا شك لا يمكن أن نحقق المساواة الكاملة للأديان والأفراد والمجموعات المنتمية للأديان المختلفة. وطالما أنه لم تكن هنالك مساواة كاملة بين المواطنين فلا يمكن أن يكون هناك سلام راكز لأن نظاماً كهذا سيحّول مجموعات بعينها إلى درجة ثانية أو ثالثة بفضل انتمائهم الديني. من ناحية أخرى، وطالما أن الدين يقول لأتباعه أنه لا فصل بين الدين والدولة ويطالبهم بالالتزام بتصور مختلف للعلاقة بين الدين والدولة فذلك أمر يشكك في معتقداتهم وحقوقهم الدينية، فمطلب كهذا سيثير ردَّ فعل مهدد للتسوية المشتركة. وهنا لدينا معضلة، فمن ناحية من الضروري أن نؤكد على مساواة المواطنين بانسجام كامل مع الدولة وأن نضمن مشاركتهم المتساوية في عملية السلطة وفي قسمة الموارد بدون تمييز قائم على الدين. ومن ناحية أخرى هناك حاجة مشتركة للتأكيد على الحرية لتحقيق الغايات الدينية للمرء كما يراها هو لائقة به، وإذا كانت العلاقة بين الدين والدولة جزءاً من تلك الغايات فمن حق الشخص ألا يطالب بالخروج عن مبادئ عقيدته. وأقول صراحة إنه موقف صعب جداً، ولكن اعتقد أنه وضع يدعو إلى إعادة تقييم الأولويات، فهو موقف يرغمنا أن نسأل أنفسنا: ما هو التسلسل الهرمي للأولويات كما نراها؟ فهل الشكل أو النص الرسالي الذي يقوله لي ديني هو النص الذي اأعل منه أولوية قصوى؟ أم أن التسوية المشتركة وبناء الدولة على أساس المساواة الكاملة هو الأولوية القصوى؟ بعض الناس يؤمنون بالسؤال الأول، فلقد تحدثت مع واحد من الذين يتخذون ذاك الموقف وكان بيننا نقاش طويل انتهى بأن أكد لي مع احترامه الكامل لآرائي بأنه يفهم فهماً كاملاً وجهة نظر غير المسلمين ولكن باعتباره مسلماً فإن دينه يقول له ألا فصل بين الدين والدولة وبالطبع ليس هناك شك يخامره في أن الأولوية لدينه. لقد كانت أولويته من الواضح أولوية دينية مع الاحترام المطلوب للآراء المخالفة حيث أكد تأكيداً واضحاً أن دينه أكثر أهمية من دولته. وربما كانت هذه وجهة نظر رجل واحد، وربما يقول آخرون إنه في الوقت الذي اعتبر فيه ديني أكثر أهمية من دولتي لكن يمكنني أن أوفق في ذات الوقت بين مبادئ ديني مع مبادئ دولتي وبذلك استطيع أن أزيل الصراع، ولكن هناك من يقولون إن هذه المواقف غير قابلة للتسوية وفي هذه الحالة ستكون لدينا لسوء الحظ حرب الإرادة وستستمر المأساة حتى تحسم بطريقة أو بأخرى. ولكنني في الحقيقة اعتقد أن الأغلبية الكبيرة من الشعب السوداني يؤمنون بوحدة أمتنا باعتبارها أولوية قصوى، فالوحدة من حيث المبدأ أمر مرغوب فهي مصدر الثراء المشترك والقوة والأمن، أما الخلاف فيشكل تهديداً خطيراً. فبغض النظر عن أن تجزئة البلدان أمر غير مرغوب في العالم الذي نعيش فيه اليوم، هناك أيضاً أسباب واقعية للكيفية التي تشكل بها أساليبنا المختلفة تهديداً لأمننا المشترك. لذا إذا كانت وحدة أمتنا هي أولويتنا آخذين في البال الحاجة إلى حترام قيمنا وأدياننا الخاصة، فهل من المستحيل علينا أن نجد أرضية للتوفيق بين هذه الاعتبارات؟ فأنا أؤكد أننا يمكن أن ننظر إلى تجارب زماننا الماضي لنرى ما إذا كنا آنذاك أقل اعتقاداً في الدين عندما كنا نتبع إجراءاتٍ بديلة وبالتالي ما إذا كان لتلك التجارب أن تعيننا في بناء المستقبل. ويمكن أن ننظر إلى تجارب الآخرين ونرى كيف يمكن لتلكم التجارب والمناهج والاستراتيجيات التي تبناها أولئك الآخرون أن تعيننا في تسوية خلافاتنا، فأنا اعتقد أنه أينما كانت هناك إرادة مشتركة لبناء أمة موحدة ستكون هناك وسيلة لتسوية الخلافات.
وبالمجئ إلى قضية الهوية التي كما قلت أنها مرتبطة ارتباطاً لصيقاً بالدين والثقافة، فقد كانت قناعتي الشخصية نتيجة مهنتيَّ الاكاديمية والدراسية أننا اتجهنا لأسباب تاريخية لبناء هوياتنا وتصوراتنا - عمّن نحنُ شعباً وأمةً - على الأساطير. وقد تطورت تلك الأساطير لفترة طويلة خضعنا خلالها لسلسلة من الأوضاع المبنية على العرق والعنصر والثقافة واللغة والدين، لقد أصبحنا نؤمن بأن هذا وضيع وذاك شريف بل أن ذاك أفضل. وأصبحنا نسبياً نعبُر من هذا إلى ذاك بعملية مرنة، لقد أصبحنا نحدد مفاهيم هويتنا بطريقة ربما تكون مقنعة لنا سايكلوجياً بيد أنها لا تقوم كثيراً على حقائق هويتنا كما لم تقم على ما تم تشكيلنا عليه لنؤمن بأننا هُمْ [نحنُ]. وصراحةً إن واحداً من تلك المفاهيم هو تحديد أنفسنا بأننا عرب أو أفارقة أو سود، وقطعاً هناك عنصر من الحقيقة في كل ذلك وإلا أنها ما كانت موجودة. ولكن هناك عنصراً محدداً من التشويه والمبالغة في تلك النعوت التي تفرّقنا لتصبح الأساطير بطريقة ما حقائق ولكن الأساطير تأتي نتيجة لقولبة الحقائق وهي عملية ستستمر وفقاً لأولويات المرء. فإذا أعطيت نظاماً يسمح لي بتحديد هوية نفسي بطريقة ليبرالية بكل ما يمنحني إحساساً بالكرامة وتعزيز المنزلة فسأحدد هويتي بالطبع بما يعزز منزلتي. وهذا شئ جميل طالما أنه لا يخلق مشاكل للآخرين، وأقصد أننا إذا كنا في بلاد يمكن لنا فيها جميعاً أن نحدد أنفسنا بأننا عرب أو مسلمون وليس لدينا مشاكل تنوع تهدد بتقسيمنا فلن تكون هناك مشكلة، فالأزمة تأتي عندما نحدد هويتنا وهوية أمتنا بطريقة تصبح شِقاقية وتهدد وحدة الدولة التي نريد بناءها. لقد كان افتراضي الموجَّه سياسياً هو أن الألقاب والنعوت التي تفرّقنا هي نتيجة الأساطير التي قسمت عناصرنا وثقافاتنا ولغاتنا وأدياننا إلى طبقات، وإن كان لنا أن نمحو تلك الأساطير فسنكتشف الحقائق التي ظلت توحد كل السودانيين ومازالت توحدهم، فكلنا نفتخر بأننا سودانيون عندما نكون في خارج السودان وسرعان ما نكتشف العناصر التي تجعلنا سودانيين، ولكن عندما نأتي إلى إطارنا الضيق تعمينا هذه الأساطير التي تعطينا الوضعية والمنزلة بيد أنها تميل أيضاً إلى تقسيمنا. وحتى لا يُساء فهمي فإن حجتي لا تقول إنه بإزالة الأساطير التي تفرق السودانيين فإننا نمحو وننبذ ونهمل تلك العناصر عناصر الهوية التي باتت جزءاً من هوياتنا المختلطة. وكما قلت إن الأسطورة في حد ذاتها قد وفقت بين الحقائق أو جسَّدتها لذا فهي جزء من حقائقنا، ولكننا إذا قمنا بترتيب منزلنا وأصبحنا راضين عن كينونتنا معاً بحسباننا سودانيين اعتقد أننا يمكن أن نتقدم بثقة كاملة ونكون مؤثرين في تلك الدوائر الخارجية التي نحدد بها هويتنا. وبحسباني كنت سفيراً للسودان ووزير دولة بوزارة الشؤون الخارجية في وقت كنا فيه متحدين ونتحدث بصوت واحد كنت وقتذاك فخوراً بأن أمثِّل السودان في الدوائر العربية وكثيراً ما كان السفراء العرب والوزراء العرب يختارونني أن أكون ناطقاً باسمهم. ولم أجد أي تناقض أياً كان في دوري، ولكنني إذا لم أحس بشعور من المعيَّة داخل نفسي باعتباري سودانياً يعرف من هو وفخور بماهيَّته فلن يكون مريحاً أن أمثّل بلادي باعتزاز وكرامة وبالتالي بفاعلية، ولا يمكن أن أكون مقنعاً.
هدف الحوار القومي:
دعوني الآن أدلف إلى القضايا المتعلقة بعمل هذا المؤتمر وأبدى بعض الملاحظات الإجرائية حول العملية والهدف. لا شك في اعتقادي أن فكرة هذا الحوار وأهدافه هي فكرة نبيلة حيث رحب بها معظم الناس الذين تحدثت إليهم وهم الناس الملتزمون بمصالح هذه البلاد. فالفكرة تبشر قطعاً بتحريك عملية السلام إلى الأمام اعتماداً على كيفية تصورنا لها وعلى الكيفية التي ننفذ بها أهدافها وعلى الكيفية التي نعالج بها القضايا الجوهرية ذات الصلة. وحيثما كانت هناك انقاسامات عميقة من النوع الذي ظللنا نشاهده يكون هناك مجال لسوء الفهم وسوء التأويل، وهذا شئ يجب أن ندافعه بكل حذر لكيلا نعطي أي شخص فرصة لتحويل خطوة ايجابية إلى خطوة سلبية. ويجب أن نعترف بأن دعوة الحركة الشعبية والجيش الشعبي للمشاركة في هذا المؤتمر لا يمكن الانتباه إليها لأسباب عملية، وأرى أننا يمكن أن ننجز أكثر كثيراً بربط التوجه الإيجابي بدرجة من الواقعية، فيجب أن نتصور عمل هذا المؤتمر لا بكونه حواراً بين الأطراف المتقاتلة ولكن بكونه مناقشة داخل جبهة واحدة، أي الإطار الداخلي. فالمدخل الأفضل هو أن تستغل القوى الداخلية هذا الحوار لتوحيد رؤيتها وخلق أرضية مشتركة حول القضايا المعقدة في الصراع والتحديات التي تواجه الأمة وأن تقرر كيفية معالجتها. وبنتائج عمل الحوار ودرجة الإجماع التي يتم التوصل إليها يمكن للحكومة بعد ذلك أن تقترب من الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتطرح تلك الآراء بحسبانها رأياً استشارياً ودليلاً أو مرشداً يعين الحكومة على تفاوض الحل. وبتلك الطريقة سنقلل من حجم الموازنات إلى ثنائية أكثر سلاسة من شأنها أن تساعد على تعزيز السلام. وطالما يمكن أن نتصور مشاركة الحركة الشعبية والجيش الشعبي في هذه المناقشات فإنها ستصبح جزءاً من العملية الداخلية. ولكن طالما نظرنا إلى هذا الحوار بأنه عملية داخلية يمكن أن تساعد في إنارة الطريق وتسهيله في المناقشات اللاحقة مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي فإنه قد يكون خطوة بنّاءة. وهذا يعني أن نتائج هذا الحوار لا يمكن تصورها إرادة قومية وحلاً للمشكلة مهما أثبتت نجاحها، فالحرب ليست وسط الاطراف الجالسة في هذه الغرفة، كلا إنها مع الأطراف خارج هذه الغرفة. هذا الحوار يمكن فقط أن يساعد على التجسير بين الأطراف داخل هذه الغرفة - أي الحكومة أو الأمة في الداخل - والأمة في الخارج. وطالما أننا نتحدث هنا بصراحة فإنني أقول إنه في الوقت الذي رفضت فيه ثورة الانقاذ الوطني الجهود الماضية المرتبطة بالأحزاب السياسية ذات الأهداف الحزبية، فقد كان هناك أيضاً وجه آخر بناء من أوجه البناء على الماضي. لقد كانت لدينا تجربة كبيرة في البحث عن السلام وأن بعض الأفراد كانوا مرتبطين بعملية السلام، فالمرء يأمل في أن يستفاد من تجربتهم ومن الحكمة التي استقوها من تلك التجربة في هذا الحوار. وطالما أن الجدول الزمني للَّجنة طويل بحيث يسمح باستيعاب المساهمات المختلفة، فالمرء يأمل في أن تتم الاستفادة من بعض الأشخاص وأن يتم البناء على أي دروس تعلّموها في العملية.
وفي هذا الصدد من المشروع أيضاً أن نقول إننا لا يمكن أن نتوقع تحقيق سلام واستقرار دائمين إلا بإيجاد حلول تكون في النهاية مقبولة لكل السودانيين. لذا يجب أن نأخذ في البال الدائرة الجماهيرية القومية الأوسع باعتبارها جزءاً من عمل هذا المؤتمر وربما في مرحلة مبكرة وبالطبع في مرحلة المفاوضات مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي. فما لم يقبل الشعب السوداني بالحلول الموسعة فإننا سنحدث أعمالاً معاكسة تهدد أي إنجازات أحرزت، لذا مهما كان جدول الحوار يجب أن نأخذ في البال أنه يجب علينا في النهاية أن نشرك كل الشعب السوداني لكي نصبح موحدين أمة واحدة.
ملاحظات ختامية:
اسمحوا لي أن أنهي الكلام بملاحظات ختامية قليلة. إن السؤال كثيراً ما يُشكَّل وقد سألني أحدهم قبل أيام: ماذا يريد إخواننا في الجنوب حقيقة؟ وأنا لا يمكن أن أتحدث نيابة عن إخواننا في الجنوب، لكن يمكن أن أقول إن ما يريده أي مواطن هو أن يعطي الفرصة لأن يكون متساوياً مع الآخرين ومرتبطاً ارتباطاً كاملاً بأمته ومعتزاً بمواطنته وأن يكون له شعور بالانتماء وأن يشارك على قدم المساواة في شؤون بلاده. فإذا توصلنا حقيقة إلى أن هذا هو هدف أي فرد سوداني اعتقد أننا سنحرر أنفسنا لنبحث بحثاً بنّاءً عن أنواع الحلول التي تعزز ذاك الهدف.
في مناقشاتي مع الناظر الراحل بابو نمر ناظر عرب المسيرية سألته عن أهم مبدأ في زعامته باعتباره زعيماً قبلياً؟ فكان جوهر الإجابة التي أعطاني إياها هي بالضبط الإجابة التي نشأت على معرفتها في المنزل بأنها جزء من القيم القيادية: ففي حالة الصراع يجب عليك زعيماً أن تتماهى مع الشخص الذي أخذ منك بعيداً، فأنت يمكن أن تخلق جسراً بين ذاك الشخص وبين مجموعتك بالانحياز فقط إلى جانب ذاك الشخص البعيد منك. وفي النهاية لن تصبح هذه الطريقة طريقة شهمة وإيثارية لإقرار العدالة فحسب بل تكون أيضاً طريقة لخدمة مصالح أولئك القريبين منك وبالتالي خدمة نفسك. هذا هو التحدي الذي يواجه القيادة في السودان، فالقادة القوميون يجب أن يتساموا على الحزبية، فقد ظلت قيادتنا لمدة طويلة ينظر إليها باعتبارها تعكس الأوجه الحزبية بدلاً عن الكل. فيمكن للقيادة فقط أن تنجح في توليفنا معاً وفي جعل السودانيين يرون هدفاً مشتركاً وشعوراً بالأخوة الحقيقية، أي بمعنى آخر يشعرون بالوحدة والتماهي المشترك، ولا يتأتى هذا إلا بالتسامي على الحزبية وأن ينظر إليها أي سوداني باعتبارها تجسيداً لمثل القيادة التي يمكن أن نتماهى معها جميعاً وأن نشعر بأن الشخص الذي على القمة يمثلنا جميعاً وأن نكون معتزين بأن ذاك الشخص يعكس صورتنا جميعاً.
دعوني في الختام مرة أخرى أن أقول كم أنا ممتنٍّ للطريقة التي استقبلت بها وقد أتيت هنا مواطناً عادياً يريد أن يعود باعتباره باحثاً أو منهمكاً في البحوث ويشاهد ما يحدث. وكما قلت في البداية إني وجدت أكثر مما توقعت، فواحدة من إشراقات عودتي إلى هنا هو الشرف الذي قلَّدتموني إياه اليوم لأخاطب هؤلاء المستمعين في شهر أغسطس هذا ونحن على مفترق الطرق في بناء أمتنا. فكلما يمكن أن أقوله الآن إنني شاكر لكم على هذه الفرصة، وأتمنى لكم كل نجاح وتوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.