٭ فيما يبدو فإننا في ولاية الخرطوم بتنا على موعد جديد مضروب بالثانية والدقيقة مع الحلقة الخبيثة التي ظل اهل المؤتمر الوطني يدورون حولها لما يزيد علي عقد من الزمان! ٭ والحلقة الخبيثة التي نحن بصدد الحديث عنها هي حلقة الانتخابات «المضروبة» التي تنعدم فيها ابسط قواعد الديمقراطية والشفافية والنزاهة كما حدث في الانتخابات الاخيرة التي شهدتها بلادنا والتي حكم عليها العالم بأنها تفتقر الى المعايير الدولية ومع ذلك فقد تم السكوت عليها من قبل الجهات التي قامت بمراقبتها «لحاجة في نفس يعقوب قضاها» بدليل قيام الاستفتاء الذي نصت عليه نيفاشا بسلام وانتهى بفصل الجنوب وفقا للمخطط الصهيوني اللئيم! ٭ فالسيد والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر اصدر قرارا مفاجئا بحل اللجان الشعبية بولاية الخرطوم ودعا الى اجراء انتخابات في ظرف شهر من تاريخ اصدار القرار لانتخاب لجان شعبية جديدة تشارك فيها الاحزاب ، وكأنما اراد السيد الوالي بقراره هذا ان يسوق احزاب المعارضة الى الموت وهم ينظرون! ٭ وقال القرار ان اللجان الشعبية التي سيتم انتخابها لن يكون لها دور سياسي او امني وينحصر دورها في الجانب الخدمي فقط ودعا كل الاحزاب للمشاركة فيها!! ٭ وحتى لا يحدث فراغ فقد كلف القرار الضباط الثلاثة في كل لجنة بتسيير اعمالها لحين الفراغ من انتخاب اللجان الجديدة! ٭ هذا القرار غير المتوقع وغير المنتظر جاء اشبه بالهدف المباغت الذي يحرزه اللاعب في شباك الفريق المنافس من مسافة خرافية مستفيدا من حالة الشرود الذهني التي تنتاب حارس المرمى وخط دفاعه، فالاحزاب وجماهيرها لم تكن تتوقع مثل هذا القرار ولا اعتقد انها جاهزة لخوض معركة انتخابات اللجان الشعبية ولا احسب انها ستغامر في خوض معارك خاسرة محكوم على نتائجها مسبقا بعد ما حدث في الانتخابات الاخيرة من غش وخداع وتدليس وذهاب كل الكيكة المسروقة للمؤتمر الوطني وحده في ظاهرة لا مثيل لها في العالم ولا وجود لها في احلام اكثر الاحزاب شعبية وجماهيرية!! ٭ ان دور اللجان الشعبية منذ ان جاءت بها الانقاذ مع بواكير ايامها انحصر في الجوانب السياسية والامنية حيث احكمت قبضتها في كل الاحياء وقامت بحبس انفاس من يعتقد بأنهم من معارضي النظام وذلك تنفيذا لما يعرف بشعار التمكين وتثبيت دعائم الحكم وظلت تعقد اجتماعاتها السرية لاقرار انجع السبل للتنكيل بالمعارضين والزج بهم في السجون والمعتقلات وفق تقارير ترفع لجهات الاختصاص ولم تنس دورها في مراقبة توزيع السلع الاستهلاكية من خلال ما يعرف بالبطاقة التموينية وترويع التجار والجزارين والخضرجية وكل من يقوم باغلاق متجره او اخفاء سيارته حيث ان مصيره المحتوم هو مصير من اراد ان تثكله امه او يؤتم اطفاله!! ٭ ثم ظلت هذه اللجان حكرا على المؤتمر الوطني لا يشاركه فيها معارض ولا ينافسه عليها منافس ولا يعرف الناس كيف ومتى تنعقد مؤتمراتها لانتخاب قياداتها وظل الحي الواحد مقسما على عدد خرافي من اللجان تحت شعارات الوهم والتضليل مثل شعار تقصير الظل الاداري والهدف من تعدد اللجان الشعبية في الحي الواحد هو ايجاد مواقع لاكبر عدد من الناس حتى يتكاثر عدد انصار النظام وبالتالي يتزايد عدد المدافعين عنه على الاقل من باب الدفاع عن مواقعهم ومصالحهم ومكتسباتهم ووجاهاتهم الاجتماعية المكتسبة! ٭ ولا يوجد مواطن سوداني واحد يجهل الدور الخطير الذي لعبته اللجان الشعبية في ما لحق بالانتخابات الاخيرة من غش وتدليس من خلال استخراج شهادات السكن «المضروبة» التي يتم تحريرها امام ابواب مراكز الاقتراع حيث يتسلمها الشخص ويتوجه مباشرة لصناديق الاقتراع للادلاء بصوته! ٭ أبعد كل هذه الاسهامات الكبيرة والخطيرة والمؤثرة التي اسهمت بها هل يعقل ان يتخلى المؤتمر الوطني عن لجانه الشعبية وعن ساعده المفتول والرئة التي يتنفس بها؟؟ ٭ أ في مثل هذا الوقت الذي تهب فيه رياح الثورات وتقلب الطاولة في وجوه الانظمة الشمولية والدكتاتورية هل يمكن ان يتخلى الحبيب عن حبيبه والعاشق عن عشيقه؟ وهل يمكن ان يسلمه للردى وللقوى المعارضة ام انه المكر والدهاء ودس السم في الدسم بذات الصورة والطريقة التي دس بها في الانتخابات الاخيرة؟؟ ٭ وان اتصفت احزاب المعارضة «بالايمان» وهي مؤمنة بالله والوطن فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟ وهل يمكن ان تقع في نفس الشرك و«الغلوتية» التي تشبه تلك التي كنا نصطاد بها العصافير على ايام الطفولة البريئة!! ٭ قال الخليفة الراشد العادل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه «لست خبا والخب لا يخدعني» فهل يمكن ان تكون الاحزاب خبا يخدعها الآخرون ويمررون عليها اللعبة المكشوفة! ٭ هل يمكن لاحزاب المعارضة ان تشمر عن سواعدها وتعد عدتها لخوض تجربة انتخابية جديدة كما فعل بعضها في الانتخابات الاخيرة ثم تخرج في النهاية خاسرة مدحورة تجرجر اذيال الخيبة والفشل وتوصم بقصر النظر او انها يمكن ان تغرق في «شبر ميه»!! ٭ لقد ظلت اللجان الشعبية في كافة احياء العاصمة في الاونة الاخيرة نسيا منسيا وكماً مهملاً لا يعرف المواطن عنها شيئا الا عندما يحتاج لشهادة سكن لاستخراج وثيقة ثبوتية او الافادة عن معلومة متعلقة بورثة تحتاجها الاجهزة القضائية اما دون ذلك فلا وجود للجان الشعبية ولا اثر لها وهي والعدم سواء والسبب في كل ذلك انها لا تملك الحد الادنى من الامكانات التي تعينها على تقديم اي خدمة للمواطن! ٭ ولا احد يلوم هذه اللجان المغلوبة على امرها لان المحليات هي التي تقوم بجباية الضرائب والعوائد والاتوات ورسوم النفايات ورسوم الرخص التجارية للبقالات والكناتين والافران ومحلات بيع اللحوم والخضر والفواكه وورش الحدادة والتجارة الموجودة بالاحياء وملاحقة البكاسي التي تبيع الخضر واصدار الجزاءات المالية عليهم فان لم يدفعوا تم اخذ موازينهم. ٭ ورغم كل هذه المبالغ الهائلة التي تذهب لخزينة المحلية او الى غير «خزائن المحلية» تظل الاحياء تشكو لطوب الارض من تدهور صحة البيئة وانتشار الناموس والباعوض وتكدس اكياس الاوساخ امام ابواب المنازل وتتحول الاحياء الى برك ومستنقعات في فصل الخريف يحدث كل ذلك واللجان الشعبية تظل «كالاطرش في الزفة» حيث تنعدم الصلة تماما بين هذه اللجان والمحليات ولا ندري ان كان مرد ذلك لقصور سياسي حيث من المفترض ان تكون اللجان الشعبية والمحلية وجهين لعملة واحدة اسمها حكومة «المؤتمر الوطني» ام لقصور في القوانين واللوائح المنظمة لعلاقة المحلية باللجان الشعبية او علاقة اللجان الشعبية بالمحلية!! ٭ وان كان المعتمد من ابناء المؤتمر الوطني واعضاء مجلس تشريعي المحلية يتم انتخابهم من انصار المؤتمر الوطني وبصورة لا يعرف الناس عنها شيئا واعضاء اللجان الشعبية بالاحياء هم من انصار المؤتمر الوطني فما هي الاسباب والمسببات التي تمنعهم من ان يكونوا يدا واحدة وقلب واحد وفكر واحد لخدمة المواطن المسكين؟؟ ٭ ولماذا تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى عندما يتعلق الامر بخدمة الناس رغم ان هذه الخدمة لا تتم بالمجان ولا لوجه الله تعالى ولكنها خدمات يجبر المواطن على اقتطاعها من قوت عياله! ٭ ننتقل لزاوية اخرى ونترك توجساتنا حول مغزى قرار السيد والي الخرطوم بحل اللجان الشعبية واعادة انتخابها في ظرف شهر من تاريخ الحل لنناقش الكيفية التي بموجبها يتم انتخاب لجان جديدة طالما ان هناك دعوة «كريمة» موجهة للاحزاب للمشاركة في هذه العملية؟ ٭ ونتساءل في المقام الاول هل يوجد قانون ينظم امر هذه اللجان الشعبية؟ وهل توجد لوائح صادرة بموجب هذا القانون؟ ولماذا لم يتم توعية المواطن بهذا القانون حتى تأتي مشاركته في انتخاب هذه اللجان على بينة من امره وحتى يقف على حقوقه وواجباته التي يقررها هذا القانون؟ ٭ وما هي الجهة المخول لها قانونا الاشراف على هذه الانتخابات واستلام الترشيحات وقبول الطعون والبت فيها واصدار الكشوفات النهائية للناخبين والمرشحين وكيفية التعرف على الناخبين وفرز الاصوات واعلان النتائج واعتمادها؟! ٭ ومن الذي يتكفل بميزانية هذه الانتخابات وهل ستكون سرية ام علنية؟ وما هي الكيفية التي ستتم بها. هل من خلال مراكز انتخابية ام يتم اجراؤها على الهواء الطلق وبالطريقة البلدية المتعارف عليها؟ ٭ وهل يحق للاحزاب التي دعيت لهذه الانتخابات ان تقيم ندوات سياسية لتوعية الجماهير ومخاطبتها وتقييم تجربة اللجان الشعبية المحلولة من خلال هذه الندوات وفي حضور الجماهير ام ان قوات الشرطة والامن لا يمكن ان تسمح بهذه الندوات حتى قد يستغلها شباب الفيس بوك للوصول لاهدافهم؟ ٭ وتنداح الاسئلة المشروعة الحائرة ونتساءل ان كان السيد والي الخرطوم المحترم يمكن ان يتعهد بتوفير الحد الادنى من الامكانات المادية والمعنوية التي تمكن اللجان الجديدة المنتخبة من تعديل الصورة المقلوبة للجان الشعبية المحلولة ام يتركها مثل «اختها» بلا امكانات وقدرات خاصة اذا اكتسحتها الاحزاب حتى لا يعطي هذه الاحزاب كرتا رابحا وحتى يبرهن بيانا بالعمل ان الفشل والاحزاب هما فرسا رهان خاسر!! ٭ ومن بين الاسئلة الحائرة سؤال يقول لماذا فوض السيد الوالي مسؤولية تصريف مهام اللجان المحلولة للضباط الثلاثة الا يعد ذلك مؤشرا واضحا للاحزاب يدعوها الى عدم الاقتراب من هذه «المسألة» وان كان السيد الوالي حريصا على حيدة ونزاهة وشفافية الانتخابات فلماذا لم يقم بتعيين لجان تسيير محايدة لتشرف على اعمال اللجان المحلولة وعلى اعادة تكوينها حتى تتوفر لانتخاباتها ولو نسبة 5% من الشفافية التي يحلم الناس بها في مثل هذه الانتخابات!؟ ٭ لقد جاء قرار الوالي بحل هذه اللجان في وقت حرج عصيب تعيشه كل الانظمة الشمولية في العالم العربي ومن بينها السودان حيث ظلت شعوب ليبيا واليمن وسوريا في الميدان وهي تقود نضالا سلميا من اجل القضاء على هذه النظم. وربما كان الهدف من اصدار هذا القرار في هذا التوقيت هو خفض حالة الاحتقان في نفوس الجماهير حتى لا تصاب بداء انفلونزا الثورات الذي لم يعد يحتاج لاذن او تأشيرات دخول ولا اظن ان الاحزاب التي تمت دعوتها للمشاركة ستلبي هذه الدعوة وتشغل نفسها بانتخابات لا تقدم ولا تؤخر واختيار لجان شعبية «لا تودي ولا تجيب» و«لا تحل ولا تربط»!! ٭ وربما كان الرد المتوقع لقيادات هذه الاحزاب يا اهل المشروع الحضاري «لجانكم الشعبية مبروكة عليكم وتعيش في عزكم»!! ٭ مسك ختام هذه المقالة بيتان من الشعر للشاعر العربي المبدع د. شهاب غانم من قصيدة له بعنوان هيكل الصين: كل شيء في هيكل الصين يفنى بل يفنى ما خلدته الفنون فلماذا هذا التعلق بالدنيا وعمر انسان فيها سنون ٭ لماذا التعلق بالسلطة والحكم يا اهل المشروع الحضاري وعمر الحكم والانسان في هذه الدنيا سنون؟ لماذا؟