٭ كنا ضمن الوفد الذي رافق جثمان الراحل ايداهو لبلاده نيجيريا ونحمد الله على سلامة العودة لأرض الوطن بعد أن قمنا بالواجب وأدينا الأمانة وبلغنا رسالة المريخ العميقة والمؤثرة والايجابية التي بعث بها لكافة شعوب العالم والشعب النيجيري على وجه الخصوص وعكست هذه الرسالة وجها مشرقا للسودن ولشعبه وأكدت للعالمين كيف يتعامل الانسان السوداني مع الأجنبي حتى وإن فارق الحياة. ٭ مردود ما قام به المريخ تجاه النيجيري ايداهو (سوداني الجنسية) بعد وفاته هو أمر غير عادي وعندما نقول المريخ فنقصد هنا مجتمع المريخ بأكمله مجلس ادارة - اقطابا - لاعبين - مشجعين - اعلاما - فقد جاء تعامل المريخ راقياً وحضارياً تجسدت خلاله كل معاني الوفاء والانسانية والاخلاص. وقد حظيت خطوة المريخ تجاه نقل جثمان ايداهو بطائرة خاصة تحمل وفداً ضم ستة واربعين شخصاً باهتمام كبير لدرجة ان النيجيريين استغربوا لهذا الموقف وعبروا عنه بالبسمات وهذا ما يجعلنا نصفه بأنه موقف غير عادي تجاه حدث ليس بعادي. ٭ صحيح ان الرحلة كانت طويلة وشاقة جداً ولا تخلو من الخطورة ولكن لأن هدفها كان أسمى ونبيلا وانسانيا ولأنها كانت في مجملها بمثابة رسالة وفاء من شعب السودان فقد تلاشت كل مخاطر الرحلة من ارهاق ومشقة سفر (ومطبات جوية). تنقلنا ما بين مدينتي ابوجا العاصمة السياسية ومدينة بنين عاصمة ولاية (ايدو) جنوب نيجيريا.. وفي مسقط رأس اللاعب شهدنا مدى الحزن العميق والدموع الصادقة. فبرغم ان تقاليدهم في مثل هذه الحالات (كما يقولون هم) تأتي عادية والموت عندهم أمر محزن ولكنه لا يتجاوز مرحلة العادية إلا انهم تخلوا عن عاداتهم وكانوا أكثر انفعالاً وبكاء وحزناً. كانوا يعبرون عن حزنهم لفراق ايداهو بطريقة مختلفة وجاء التفسير ان الراحل كان يمثل عندهم ركيزة وأحد رموز مجتمعهم وكان يقدم الكثير لأهله ووطنه وكان مفخرة لهم ولهذا فقد جاء تعبيرهم عن موته مختلفاً عن عاداتهم فهم من قبيلة (الأيبو) احدى القبائل التي تقيم في جنوب نيجيريا حيث السافنا الغنية وطبيعتها من (غابات وأحراش). ٭ تستحق رحلة وفد المريخ الذي غادر بطائرة خاصة مستأجرة من شركة (فورتي ايت أفيشن) ان نطلق عليها رحلة الاحزان النبيلة والتحدي ورد الوفاء) لانسان قدم للمريخ وكرة القدم السودانية وهو حياً درجة التكريم والوفاء وهو ميتاً. كانت رحلة حزينة بدأت بانهمار الدموع لحظة وصول الجثمان من مشرحة أم درمان لمطار الخرطوم على عربة اسعاف داخلها صندوق مغطى بعلم المريخ داخله جثة لانسان كان محبوباً ومعشوقاً لدى جمهور المريخ وزملائه اللاعبين ورئيس النادي واعضاء مجلس الادارة ومن بعد ذلك كان التوجه نحو الطائرة التي تأخرت عن موعد اقلاعها لأكثر من ثلاث ساعات لتقلع بعدها وسط هواجس وتخوفات وتوتر.. فالطائرة كانت روسية ماركة (يوشن) تسع لأكثر من مئة وخمسون راكباً وكان بداخلها ستة واربعون شخصاً - اقلعت الطائرة وكان الصمت سيداً للموقف لقرابة الساعة ومن بعدها عاد الاستقرار النفسي لاعضاء الوفد. كانت محطة الوقوف الأولى في مدينة أبوجا أحدى المدن الرئيسة في نيجيريا وهي المدينة التي شهدت سلام دارفور الأول وبها اكمل الوفد اجراءات الدخول لنيجيريا وبعد مشاورات واتصالات جاء قرار رئيس البعثة الأخ متوكل أحمد علي بالسفر إلى ولاية ايدو حيث مسقط رأس الراحل بمدينة بنين وبرغم صعوبة الهبوط في ذاك المطار لأسباب مختلفة (أمنية - اضاءة) إلا ان القرار تم تنفيذه ووصلنا بعد سبعين دقيقة لمدينة بنين وهناك كان الحشد لاستقبال جثمان أحد مواطني المدينة وشاءت الاقدار ان يغادرها على قدميه ويعود إليها وهو داخل تابوت ولهذا فقد كان حجم أحزانهم كبيراً. ٭ عاد الوفد مرة أخرى بعد أن قضى أكثر من ساعة بمدينة بنين إلى أبوجا في وقت متأخر ليقضي الليلة في أحد فنادق ابوجا ليغادر إلى الخرطوم في الخامسة مساء أمس الأول ويعود في العاشرة والنصف والحمد لله على سلامة الوصول. ٭ ما قام به المريخ تجاه لاعبه الراحل ايداهو بعد مماته هو ليس مجرد موقف طبيعي بل هو موقف تاريخي لا يحسب للمريخ فقط بل لكافة الشعب السوداني وأوضح للعالم أجمع وللشعب النيجيري بصفة خاصة كيف يتعامل السودانيون مع ضيوفهم وكيف انهم يحترمون الانسان حياً كان أم ميتاً واننا لا نأكل اللحم ونقذف بالعظم وانهم قادرون على رد الوفاء بأكثر منه فقد شكل موقف المريخ (إضاءة) لدى الشعب النيجيري الشقيق ويكفي الاعتراف الذي نطق به كل من شقيق الراحل ايداهو وكلتشي ووارغو وأرملة ايداهو، فقد قالوا ان ما قام به المريخ تجاه الراحل ايداهو خلال حياته وبعد مماته خفف عليهم حجم الألم والاحزان. وذكرت أرملة الراحل انها ستفخر بأن زوجها وجد تعظيماً وتقديراً من المريخ ورئيسه وهو ميتاً وقد عبرت بالدموع على انتهاء مسيرة زوجها وفراقها للسودان وقالت انها كانت تتمنى أن تكون حياتها في السودان. كانت تحكي وتنظر لطفليها والدموع تنهمر من عيونها وجاء حديثها مؤثرا ومليئا بالحسرة. ٭ سيحسب التاريخ للمريخ انه لم يقصر في حق أحد الذين اسهموا في تطويره ورفع شأنه وسيبقى موقف المريخ سابقة وحسنة ونقطة ايجابية تحسب لرئيسه جمال الوالي الذي كان أكثر حماساً وانفعالاً مع الحدث وكان مصراً على تكريم ايداهو وهو جثماناً. ٭ انتهى مشوار لاعب مقاتل - مخلص - وفي ومنضبط بطريقة استثنائية. ٭ له الرحمة...