«كردفان الغرة أم خيراً جوه وبره» قول مأثور اقترن بكردفان منذ زمن بعيد، ويمكن أن نقول إن القول انطبق تماما عليها حتى منتصف الثمانينيات، ومنذ ذلك التاريخ وأثر تعرض الولاية لموجة الجفاف والتصحر والذي ضرب أجزاءً كبيرة من الولاية مما تسبب في تدهور حال الولاية وأدى الى هجرة أعداد كبيرة من أبنائها الى مدن السودان المختلفة زاد الطين بلة. وظلت كردفان تعاني فجوات غذائية دائمة ومتكررة. ولمعرفة تداعيات هذه المشكلة وكيفية علاجها التقت «الصحافة» بوزير الزراعة والثروة الحيوانية الفريق أول ركن/محمد بشير سليمان، ليوضح الأسباب والجهود المبذولة لسد الفجوة الغذائية والعمل على عدم تكرارها. قبل أن تلتقي «الصحافة» بالوزير كان لا بد من أخذ نموذج من أحد المواطنين من منطقة المزروب، وهي إحدى المناطق التي تعاني من الفجوة الغذائية، والذي تحدث عن مؤشرات الفجوة الغذائية التي تتمثل في أن هذه الفترة من السنة تعتبر فترة موسم انتاج، ومن المفترض أن تنخفض فيها اسعار الغلال لأدنى حد، ولكن الآن أسعار الغلال تماثل أسعارها في شهر يونيو الفترة المعروفة «بمفرق الحبتين» وهي فترة يكون فيه نقص في الغذاء مما يؤدي إلى ارتفاع اسعاره. كما أن كمية الحبوب التي يأتي بها المواطنون للطاحونة والتي لا تتعدى ربع الملوة للمواطن هي مؤشر للفجوة. وعرض المواطنين لحيوانات لا يمكن بيعها الا بعد ضائقة، مثل الماعز الحلوب والدجاج، مؤشر خطير، اضافة الى بيع الاثاث المنزلي المستعمل مع هبوط القوة الشرائية لأدنى مستوى، حيث لا يبيع صاحب المتجر باكثر من «50» جنيهاً في اليوم. والشيء الأكثر خطورة خلو الفرقان والأحياء الا من النساء والأطفال والمسنين، نتيجة هجرة الشباب والرجال للبحث عن وضع أفضل. والمؤشر الأشد خطورة هو توقع أن يقوم المواطنون بالهجوم على الشاحنات العابرة وانزال بضاعتها اذا لم تتدارك الحكومة الأمر. وزير الزراعة والثروة الحيوانية استهل حديثه «للصحافة» بقوله انهم بوصفهم وزارة لم يألوا جهداً في المتابعة الدقيقة، منذ بداية الموسم الزراعي بدءاً من مكافحة الآفات القبلية والبعدية، وذلك منذ يناير 2010م. وقال رغم ذلك الا ان هنالك أشياءً خارج سيطرتنا، فنحن لا نمتلك أن ننزل الغيث على الناس، فهو أمر بيد الله سبحانه وتعالى، اضافة الى هشاشة الأرض وعدم خصوبتها، فهي تحتاج لمعالجات علمية كثيرة جداً. وقال انه عند تكليفه بالوزارة وجد ان خطة الوزارة قد وضعت، وبالتالي ليس هنالك مجال لاضافة اي شيء يمكن أن يساعد في الارتقاء بخصوبة الأرض، وأكد بأنه لا توجد قوانين تمكنهم من السيطرة على المزارع، ولا توجد سياسات زراعية تبين الميزات النسبية لكل منطقة في الولاية لمعرفة ما يمكن أن يزرع في كل منطقة. وقال ان وصول التقاوى متأخراً بعد هطول الامطار قد كان له أثر سالب، كما ان عدم وجود قانون لاستخدامات الأراضي أثر على الانتاج والانتاجية. وأشار الى تذبذب الأمطار وضعفها في كثير من المناطق مثل ود بندة والأضية وغبيش، مع توقفها لفترة طويلة، مما أثر على نمو المحصول حتى بعد معاودتها الهطول. وهذا يحتاج ومن خلال البحث العلمي الى زراعة محصولات لا تتأثر بضعف الأمطار أو انقطاعها لفترة. وأبان الوزير أن هجرة المواطنين الى مناطق الذهب وعودة الجنوبيين الى الجنوب كان له أثر واضح في العملية الزراعية. وقال الوزير إنه نتيجة لكل هذه العوامل تدنت انتاجية الموسم الزراعي، حيث كانت انتاجية الفدان في بعض المناطق صفرية، وبلغ أقصى انتاج للفدان ما يعادل 360 كيلوجراما، وهو انتاج ضعيف بحساب المساحات الكبيرة التي زرعت. ونتيجة لذلك قامت حكومة الولاية بخطوة استباقية لمحاصرة المشكلة، حيث تم اجراء المسح الزراعي الأول في شهري اكتوبر ونوفمبر من عام 2010م الذي يوضح المؤشرات الأساسية لموقف الأمن الغذائي بالولاية، وفي ديسمبر 2010م ثم المسح الزراعي الثاني، وتم تحديد حجم الفجوة الغذائية، وتم عرضه على مجلس الوزراء. وفي فبراير تم تشكيل لجنة عليا برئاسة وزراء الزراعة، وتضم وزير المالية ووزير الشؤون الاجتماعية وآخرين. وتوصلت اللجنة الى حجم الفجوة بالولاية، حيث بلغت جملة الانتاج المباشر بالولاية «ذرة + دخن» وهي الغذاء الرئيسي 146.137 طنا، وتغطي نسبة 36% من استهلاك الولاية البالغ 426.465 طنا بمعدل 400 جرام للفرد، اضافة الى الانتاج غير المباشر حيث مثلث الثروة الحيوانية 5% بالرغم من حجمها الكبير، والمحاصيل النقدية الأخرى «كركدي / سمسم / فول/ حب بطيخ/ سنمكة ..الخ مثلت 10%، والمحاصيل الغابية 5%، والقمح الوارد للولاية 20%، لتصبح جملة الانتاج الكلي للأمن الغذائي بالولاية 231.465 طنا، وعند خصمه من المطلوب الكلي للولاية البالغ 426.465 طنا يكون الباقي 44.863 طنا تمثل 10.5% من الفجوة الغذائية. وقال الوزير بالرغم من أن هنالك محليات بها فائض إلا أن بها مناطق تعاني نقص الغذاء، مثل الرهد كان بها فائض 18% وبارا 4% وأم روابة 14% والأبيض 4%، أما ترتيب الغذاء على مستوى المحليات فكان كالآتي: غبيش تليها ود بندة، شيكان، أم كريدم، النهود، غرب بارا، سودري، بارا، الأبيض، حمرة الوز، أرمل، حمرة الشيخ، أبو راي، المزروب، كجمر، ام قرفة، ود عشانا، ريفي بارا، ريفي الخوي، محلية أم دم. وقال الوزير إن المعالجات الأولية بدأت بقيام ديوان الزكاة بشراء مخزون استراتيجي بلغ 2000 طن متري، وبرنامج الغذاء العالمي 7104 أطنان مترية، والجملة تعادل 25% من احتياج الولاية لسد الفجوة حتى بداية فصل الحصاد الأولية، اضافة إلى جهود أخرى من خلال المنظمات المجتمعية والانسانية. وأكد أن الغذاء المدرسي تم تأمينه وكذلك الغذاء للمؤسسات الصحية. وقال إننا خاطبنا المركز لشراء باقي المطلوب، وكل هذا العمل تم عبر لجنة الأمن الغذائي العليا التي شكلت غرفة عمليات تتابع وبدقة عملية الترحيل والتوزيع عبر المعتمدين، وأية مطلوبات أخرى في اطار الأمن الغذائي، وأن ما تم توزيعه حتى الآن كالآتي: شيكان 805 أطنان، ام روابة 409 أطنان، بارا 591 طنا، سودري 1141 طنا، النهود 416 طنا، ابو زبد 1057 طنا، الخوي 274 طنا، غبيش 546 طنا، ود بندة 231 طنا، غرب بارا 790 طنا، جبرة الشيخ 215 طنا، أم دم 335 طنا والرهد 173 طنا. وقال الوزير إنهم قد قطعوا شوطا بعيدا في سد الفجوة بعد أن احاطت الولاية بالقضية الكلية. وشكا الوزير من السلوك الخاطئ لبعض المواطنين الذين يملكون ثروة من الضأن ومع ذلك يطالبون بالغذاء، وقال إن هذا أمر يحتاج لتغيير المفاهيم عبر الإحصاء والمسح الزراعي والاحصاء الاجتماعي لمعرفة من هم الذين يستحقون فعلاً دعمهم غذائياً. وأكد على العمل على تجاوز سلبيات الزراعة من خلال خطة زراعية توضع فيها سياسات واضحة للزراعة، وفق مقاييس محددة وميز نسبية لكل محلية. وتمنى أن يتم تأمين مطلوبات الموسم الزراعي مبكراً كالسماد والتقاوى. وقال: الآن لدينا خطة بمشاركة البنوك وبعض الجهات الأخرى، حتى لا تتكرر مشكلة الفجوة الغذائية مرة أخرى في الولاية.