تتخذ المفاوضات في قضية دارفور مسارات متعددة، فمن جهة تتفاوض الحكومة مع حركة العدل والمساواة قطع الطرفان شوطا مقدرا في الوصول الى اتفاق نهائي بعد توقيع الاتفاق الاطاري في فبراير الماضي، ومن الجهة الثانية تفاوض الحكومة الحركات المسلحة المتوحدة حديثا في حركة التحرير والعدالة تتعثر المفاوضات حينا وتتقدم أحيانا، ومن الجهة الثالثة تبذل الوساطة المشتركة جهودا لضم الحركات الأخرى وعلى رأسها حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور لطاولة المفاوضات تتباعد المسافات يوما بعد يوم، ومن الجهة الرابعة يقبع الابوجيون ممسكين بأوراقهم الموقعة بشهادة المجتمع الدولي حركة تحرير السودان جناح مناوي واللاحقون بابوجا في انتظار ما تسفر عنه الدوحة، والجديد هو الجهة الخامسة التي برزت الآن . ففي خبر صغير نشرته الصحف قبل ايام نقلا عن وكالة انباء شبه رسمية حديث عن تحرك ارتري لجمع قبائل افريقية وأخرى عربية من دارفور لتتباحث حول قضايا الاقليم، ويقول الخبر في جزء منه أن (وفدا من لجنة جمع صف قبيلة الفور سيتوجّه إلى العاصمة الأريترية أسمرا بدعوة من الرئيس أسياس أفورقي في إطار مجهوداته للدفع بعملية السلام في إقليم دارفور، وسيلتقي الوفد بالقبائل العربية المختلفة بأريتريا لتقريب وجهات النظر وبحث القضايا العالقة وإزالة الحواجز التي أحدثتها عوامل الصراعات والخلافات التي شهدها الإقليم اخيرا). واذا قرئ الخبر مصحوبا بقرائن أخرى نجد أننا ازاء الجهة الخامسة في القضية الدارفورية. أولى القرائن ارتفاع أصوات تمثل قبائل عربية تقول بتغييب وتهميش العرب في دارفور وأن سيطرة القبائل الأخرى على الحركات المسلحة يجعلها خارج اللعبة السياسية القادمة، وتطالب هذه الأصوات بتمثيل عادل وحسب نسبة السكان، إذ يقول هؤلاء أن نسبتهم في دارفور تتجاوز الستين بالمائة، وقد عبر عن ذلك صلاح أبو السرة رئيس جبهة القوى الثورية الديمقراطية في مايو من العام الماضي حين قال، هنالك وجود عربى فى دارفور لا يستطيع أحد إنكاره والعرب يقعون فى تهميش مشترك من المركز الذى يدعى التحالف معهم ومن الحركات المسلحة الأخرى التى تعتبرهم ضالعين فى النزاع ضدها. ويقول، (نحن موجودون فى هذا الملف شاء الآخرين أم أبوا باعتبار وجودنا فى الأرض ونمثل قوى اجتماعية، حتى إذا كنا جنجويد يجب أن يجلس معنا الآخرون لأننا جزء من الصراع، فيجب أن نكون جزءا من الحل نحن لا نهتم كثيراً بالإعلام والوجود ليس أسلحة وهى موجودة لدينا والآخرين يعلمونها جيداً). هذا مصحوبا بقول المفكر الأمريكي من أصل يوغندي محمود محمداني، أستاذ العلوم السياسية والأنثروبولجيا ومدير معهد الدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا بنيويورك فى ندوة فكرية نظمتها المؤسسة العربية للديمقراطية بتاريخ 1/11/2009م بفندق جراند ريجنسي بالخرطوم بعنوان قضية دارفور - رؤية للحل (انه فى الوقت االذى تشارك فيه حركات وفصائل التمرد فى مفاوضات السلام ، لم يمثل فيها «الجنجويد» العنصر العربى فى دارفور)، وتشديده على ان القبائل العربية فى دارفور مهمشة اكثر من غيرها مهما كانت الاحصاءات ف اكثر الناس تهميشا فى دارفور هم العرب كما يقول محمداني ف (لذلك تمكنت الحكومة من استقطاب الجنجويد، دارفور مهمشة، والعرب مهمشون فى دارفور). وكان قد فهم من قول الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مسئول ملف دارفور عقب توقيع الاتفاق الأخير مع العدل والمساواة بانجمينا قبل الانتقال الى الدوحة أنه لا يأتي خصماً علي مفاوضات الدوحة أو تخلياً عن أي (مجموعات دارفورية موجودة بالداخل أو الخارج)، فهم منه ضمنيا ايلاء اهتمام بطرف المعادلة الداخلية في دارفور وهو القبائل العربية والمجتمع المدني، وكنت صادفت زيارة الدكتور غازي الى الجنينة منتصف العام الماضي بعد امساكه بالملف وشاهدت لقاءاته وحرصه على الجلوس الى كل المكونات الداخلية بدارفور ومن ضمنها القبائل العربية التي استمع اليها بتأن، ورصدت رده على القائلين بان ما نفذ من ابوجا لا يتجاوز الخمسة في المائة، بأن (علينا الا نتجاوز المعقولية)، وبحسب محللين فإن المعقولية لا تجيز تجاوز القبائل العربية. ثاني القرائن، الدور الارتري في المسألة، اذ يرصد الباحثون وجودا ارتريا في كل ملفات التفاوض السودانية ?السودانية بصورة سرية او مباشرة سواء كان ذلك في مقررات اسمر أو اتفاقية سلام نيفاشا ونداء الوطن والقاهرة وابوجا واسمرا وكان لها دور أكثر بروزا في اتفاق سلام الشرق، وما فتئ الرئيس الارتري اسياسي افورقي يتحدث في الفترات الأخيرة عن عرب دارفور وقال في حوار بثه التلفزيون القومي السوداني خواتيم شهر يناير الماضي ان القبائل العربية مغيبة في دارفور وطالب بإشراك القبائل العربية في الاقليم في تسوية القضية، ورأى ان كل المبادرات السابقة تجاوزتهم وقال (ينبغي عدم تهميشهم في قضيتهم)، وكرر مطالبته بصورة مواربة ابان التوقيع على الاتفاق الاطاري بين الحكومة والعدل والمساواة، مما يشي أن افورقي يضع وزنا اضافيا على ميزان المعادلة الدارفورية. اذن قد ينفتح المجال الى التكهن بقدوم دارفور الى فصل جديد من فصولها الساخنة منذ سنوات، فالدلائل بحسب مراقبين تشير الى قوة دفع آخذة في التنامي تقود الى فتح صفحات أخرى في القضية الدارفورية لم توف حقها من المطالعة والنظر والتدبر أو على الاقل اضافة أسطر الى ما يكتب الآن، الا ان رئيس وفد حركة العدل والمساواة بمفاوضات الدوحة أحمد تقد لسان لا يتردد في وصف ما يجري بأنه (محاولة لتأطير القضية في إطار قبلي) ويقول أنه (حديث في غير موضعه) مشيرا في حديثه ل الصحافة من العاصمة القطرية عبر الهاتف الى أن المجموعات العربية ممثلة في كل الحركات المسلحة وأيضا في الحكومة (حيث تشارك في المفاوضات اما مع هذا الطرف او ذاك، فهي غير مغيبة بل منقسمة بين الطرفين). ويجزم تقد بأنه لا وجود لمساحة أخرى لمشاركة أطراف أخرى في العملية التفاوضية الجارية الآن، ويقول (هذا اتجاه لا يفيد) مطالبا بالتركيز على الوضع القائم الآن. وحين أتوجه بالسؤال الى البروفيسور حسن مكي حول الدور الارتري وما اذا كان حميدا أم غير ذلك في رعايته لمفاوضات أو مباحثات بين أطراف دارفورية يقول في اجابته عبر الهاتف أن ذلك امتداد لتدويل القضية ويؤكد أن تعدد المنابر هو (فقط مزيد من تشتيت القضية) مشددا على أن المطلوب حوار دارفوري دارفوري لا يلغي أحدا ويناقش القضايا التي تهم انسان دارفور، بينما يجيبني على ذات السؤال المفاوض تقد بالقول انه لا يريد أن يتكهن بدوافع القيادة الأرترية ويضيف (لا اتوقع أن تسعى ارتريا لفتح جبهة ثورية جديدة في مواجهة الحكومة السودانية مع مجموعات جديدة غير موجودة في الساحة، ومن السابق لأوانه معرفة دوافع ومنطلقات القيادة الارترية). اذن تختلف قراءة القرائن، ويختلف ربطها من طرف الى آخر، وعلينا أن ننتظر حتى تسفر الأيام عن الخفي، ويأتينا بالأنباء من لم نزود، فاما موازنات على خيول عربية جاءت من الشرق المجاور (أسمرا) واما سلام شامل على صهوات (القطرية) جاء من الشرق الأدنى (الدوحة).