لم يكن إنقاذ السودانيين العالقين بالجماهيرية الليبية بعد اندلاع الثورة نهاية المطاف، فبعد وصولهم الى السودان وجدوا انفسهم في مفترق طرق، وتشابهت عليهم المعالم وتبدلت الأحوال، فلا مصدر رزق او مأوى، بالاضافة الى ما تركوه خلفهم من ممتلكات واموال، بيد أن الأوضاع المعيشية في السودان يصعب التأقلم معها، فكل ما يتعلق بالحياة يحتاج الى المال. فكيف لاشخاص لايملكون شيئاً ان يتمكنوا من الصمود امام هذه التيارات؟ وهل سيتمكنون من الانسياب مع التيار أم سيسبحون في الاتجاه المعاكس؟ وهل تنقذهم الجهات المسؤولة ام تدعهم يتشكلون كما تشاء ظروفهم؟ فهناك أعداد ليست بالقليلة تعاني من البطالة داخل السودان قبل أن تأتي هذه الاعداد من ليبيا. إذن من المتوقع ان يسوء الوضع في ظل هذه الاوضاع، وقد يلجأ هؤلاء إلى الطريق المختصر لكسب المال ولكن على من تقع المسؤولية حينها؟ وبلغت أعداد السودانيين في الجماهيرية الليبية بحسب الجهات المختصة «500» الف سوداني تقريبا، والذين تم اجلاؤهم اثناء الثورة الليبية وصل الى «35» الف، منهم «3900» فوجوا الى دارفور و«300» آخرين الى جنوب السودان، وبقية العدد تم توزيعه على باقي الولايات. وتوالت شكاوى العائدين من الجماهيرية الليبية، من تدهور اوضاعهم المعيشية بعد عودتهم الى البلاد، التي وصفوها «بالمأساة الحقيقية»، وحصر العائدون مشكلاتهم في التعليم والصحة والاعاشة، وقد نفوا بشدة مشاركتهم في الاحداث او اي من افراد الجالية السودانية. وقالوا إنهم لا يريدون أن يتكرر التعامل الذي وجدوه من قبل السفارة السودانية في ليبيا التي لم توفر لهم ادنى مساعدة، «حتى ولو جرعة ماء»، بل اعتمدوا على ما تبقى لهم من اموال، وانهم بصدد تكوين جسم لحل قضايا العائدين من الجماهيرية، وسيخاطب الجسم كل الجهات ذات الصلة بالأمر ومنظمات المجتمع المدني، فهل تستجيب الجهات لمطالبهم؟ بعد أن فقدوا ممتلكاتهم اثناء الثورة الليبية، ولا يمكنهم الاستمرار هكذا «عالة على الآخرين»، وقال المتحدث باسم العائدين صديق عطا المنان، انهم فقدوا كل ممتلكاتهم، ويعيشون في حالة احباط، ومازالت هنالك اعداد تنتظر على الحدود للعودة الى البلاد في ظل اوضاع انسانية سيئة. وخلال الايام الفائتة اغلق متظاهرون عائدون من ليبيا، الطريق القومي الخرطومود مدني والطرق الفرعية المؤدية الى داخل الخرطوم، واضرموا النيران في اطارات السيارات بقارعة الطريق احتجاجا على عدم وصول امتعتهم التي تركوها قرب الحدود التونسية مع ليبيا، اذاً امتعتهم مهددة بالضياع، وهم الآن بلا عمل، فماذا تتوقع الجهات المسؤولة عن العائدين في ظل اوضاعهم الحالية؟ وقال احد المتظاهرين ل «الصحافة» ان المتظاهرين عادوا من الجماهيرية الليبية بعد الاحداث الاخيره، تاركين امتعتهم خلفهم في الحدود التونسية الليبية، واضاف ان السلطات وعدتهم بتسليم الامتعة بالخرطوم لكنها لم تلتزم بعهدها، وزاد «منذ ان وصلنا اقمنا في ارض المعسكرات بسوبا ما يقارب «20» يوما دون ان تصلنا امتعتنا»، وشكا من عدم تقديم السلطات اي نوع من الدعم للعائدين، وتابع «بعض العائدين ترك كل امواله خلفه»، وطالب الحكومة بالنظر في قضية العائدين وحلها في اقرب وقت ممكن. فيما قدم المجلس السوداني للمنظمات التطوعية «إسكوفا» مقترحاً بإنشاء صندوق لدعم العائدين من ليبيا يمول من المواطنين باستقطاع جنيه من رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، وطالب بتشكيل لجنة وزارية عليا للطوارئ لمعالجة مشكلات العائدين الإنسانية والنفسية، تضم في عضويتها كل الوزارات المعنية لمعالجة مشكلات العائدين وعدم حصر المسألة في إعادتهم للبلاد، والعمل على توفير إيواء، ومصدر رزق وتعليم لأبناء العائدين. ولاحظنا من خلال لقاءاتنا مع العائدين من الجماهيرية، انهم يشكون من فقدانهم لممتلكاتهم، وفي حديثنا مع مجموعة من العائدين عبر مطار الخرطوم من تونسوطرابلس، كانت تبدو عليهم عليهم علامات التخوف مما هو آت، فما مروا به قد مضى رغم انه كلفهم كثيرا، ولكن ما الذي ينتظرهم في وطنهم، الذي يعتقدون انه ملاذ آمن من ضربات الحياة التي لا معايير لها، خاصة أنهم عادوا بعد ان تبدل الحال وانقسم الوطن الى نصفين واحتياجات الحياة تضاعفت مرتين عن ذي قبل، وأخبرتنا مجموعة بأن السودانيين يعانون من أوضاع معيشية صعبة، ويعيشون في حالة رعب وعدم اطمئنان تام، بحيث يتوقعون ان يهجم عليهم في أي وقت. وذكروا لنا انه ما من احد اعتدى عليهم داخل منازلهم الا الذين يخرجون الى الشارع، وقالوا ان حركتهم كانت محدودة لا تتعدى محاولة إحضار بعض ما يسدون به رمقهم، واخبرنا لطفي فيصل ان الاوضاع في طرابلس اهدأ من المناطق الاخرى، ولكنه توقع ألا تستمر هكذا، وربما يصير العكس تماما خلال الايام القادمات، لذا قدم الى السودان قبل أن يشتد عليه الخناق في مدينة طرابلس. وقال إنه نصح بعض السودانيين بالمغادرة الى السودان بجانبه، الا انهم مازالوا مترددين في اتخاذ القرار بالبقاء هناك او العودة، وربما يرجحون البقاء الى جانب مصالحهم هناك، وقال آدم ابراهيم إنه ترك كل ما يملك خلفه «دكاكين ومحلات»، وهو مستاء جدا من الوضع الحالي، فالأوضاع هناك لم تشجعه على البقاء ومواصلة مسيرته العملية، فقد أُجبر على العودة بسبب الظروف هناك، ولم يختر أن يعود ولكنه فضل العودة الى وطنه بدلا من ان يموت هناك ولا يعرف له احد طريقا، وسيتوجه الى منطقة كردفان بعد أن يرتاح من عناء السفر. واختتم حديثه بأنه لن يفكر في العودة مرة اخرى وسيحتسب ما يملكه ان استمرت الاوضاع هكذا. وعبر عن شكرهم لاهتمام الاعلام بهم عن قرب ومتابعة قضاياهم بصورة لصيقة مع الجهات المسؤولة التي التزمت باجلائهم من المناطق التي كانوا موجودين فيها. وقال نتمنى ان تكمل الحكومة جهودها وتخرجنا من دائرة العطالة، وقال إن الاشخاص الذين يمارسون مهناً حرفية من المتوقع ألا تواجههم مشكلات. ولكنه تساءل عن اوضاع الذين يحملون شهادات، فماذا سيفعلون بها بعد ان علم ان هنالك مجموعات كبيرة من الخريجين السودانيين يفترشون الارض تحت اشعة الشمس الحارقة، ومضى قائلاً إنه حتى وان فكروا في هذا الحل فمن أين لهم رأس المال؟ ولكي تصبح الصورة أكثر وضوحاً، تحدثنا الى وزير الدولة بوزارة مجلس الوزراء ورئيس اللجنة الوزارية العليا لإجلاء السودانيين العالقين بليبيا أحمد كرمنو، الذي قال إن الأولوية الآن لإجلاء السودانيين الذين يرغبون في العودة من الجماهيرية، ولكن في المستقبل قد ندرس هذا الأمر ونجلس معهم لحل هذه المشكلات. وأضاف إن هناك من يزايد بقضية العائدين، وعندما أجلت السلطات هذه الأعداد الهائلة التي وصلت «35» ألف عائد لم يتم ذلك بواسطة الأحزاب، وقد تم توزيع هذه الاعداد على الاقاليم. وتساءل كيف للحكومة أن توفر وظائف ل «35» الف من العائدين؟ وعاد وكرر قوله إنه من الممكن مناقشة هذه المشكلات. وبصعوبة شديدة تمكنا من الوصول إلى الأمين العام لجهاز المغتربين الدكتور كرارالتهامي الذي أفادنا بأنه مستقبلاً ستهيأ سبل الاستقرار لكل العائدين، وهنالك خطة صندوق دعم العودة الطوعية بحسب خطاب رئيس الجمهورية. وهذا الصندوق سيرعى كل هذه الحالات لإعادة إدماجها في المجتمع من جديد.