في وقت مضى ، اتجهت أنظار السودانيين إلى ليبيا ، فشق بعضهم طريق الصحراء ، الذي ابتلع نصف آمالهم ، فالجوع والعطش على تلك الرمال الساخنة ، كتب النهاية للبعض ، فيما مضى البعض الآخر بأجسادهم المنهكة ، إلى أراضى ليبيا ... ظل إيقاع الرحلة ل (ليبيا) على هذا المنوال إلى أن تضخمت أعداد السودانيين ، ووصلت حد الامتلاء ، فلفظتهم حكومة (القذافي) ، في وقت سابق قبل أن تلفظ هي أنفاسها على أيدي الثوار ، ففتح باب العودة الطوعية للسودانيين فتدفقوا عبره ، وهم لا يحملون من حصاد غربتهم سوى الحنين للوطن الذي عادوا إليه (يد وراء ويد قدام) ، إلا أن بعضهم تشبث بالبقاء ، حتى اندلاع ثورة الغضب في ليبيا ، ليكون مصيرهم العودة طوعاً ، حفاظاً على أرواحهم من غضب الصحراء ، الذي اسقط نظام (القذافي) ... هدأت عاصفة الصحراء وسكنت معها أنفاس (القذافي) ونظامه إلى الأبد ... فبعد ذلك الهدوء حزم عدد من السودانيين الذين فوجوا في العودة الطوعية عقب الأحداث، حقائبهم للعودة إلى ليبيا بأمنيات جديدة ، رغم عتمة الموقف ... (الرأي العام ) سلطت الضوء على تلك العودة للإجابة عن سؤال هل ستغضب الصحراء أي (ليبيا) على السودانيين مرة أخرى ؟؟ (فلاش باك) في العام 2009م مارست الحكومة الليبية ضغطاً ،على حكومة السودان بشأن رعاياها المقيمين بصفة غير شرعية هناك، خاصة الذين تكدست بهم سجون ليبيا ، مما دعا حكومة السودان ، تشكيل لجنة مكونة من عدة جهات بينها جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين في الخارج ، وعلى الفور شرعت اللجنة في إجراءات دراسة أوضاع السودانيين ، حيث كانت الأوضاع غاية في السوء ، شرعت تلك الجهات في إطلاق برنامج العودة الطوعية ، لكل السودانيين الموجودين هناك ، وانخرط فيها عدد مقدر منهم ، حيث كان مطار الخرطوم شاهداً على تلك العودة التي رصدتها (الرأي العام) في ذلك الوقت ، بعد أن قضوا سنوات اغتراب طويلة ... فمنهم من قضى (30) عاماً أو أكثر... استمر تدفق السودانيين العائدين خلال الفترة التي حددت لهم من قبل الجهات المعنية (جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج)، فقد عبر عدد منهم عن سعادتهم بالعودة لأحضان الوطن ، وخيبة الأمل في تحقيق هدفهم من السفر إلى ليبيا . فبرغم برنامج العودة الطوعية ، الذي فتح إلا أن أعدادا من السودانيين فضلوا البقاء ، خوفاً من الرجوع (يد وراء ويد قدام) بحسب تعبير العائدين في ذلك الوقت . غضب الصحراء ليبيا غضبت على السودانيين مرتين ، مرة بسبب الوجود غير الشرعي الذي اشرنا إليه مسبقا ً، وآخر اثر اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام (القذافي) ، مما اضطر كثيراً من الدول إجلاء رعاياها من المنطقة ، حفاظاً على أرواحهم، وكان السودان واحداً من تلك الدول ، التي أجلت رعاياها ، وبما أن له نصيب الأسد من أعداد منسوبيه المقيمين هناك ، ما جعل عملية الإجلاء تواجه بعضا من اللغط ، بتصويب الاتهامات للجهات المعنية ، بأنها أبطأت في ترحيل السودانيين الذين كانوا يتكدسون على الحدود ، ومن بقي بالداخل كانت تطارده نيران الثوار ، عقب تواتر الأنباء بمساندة سودانيين لنظام (القذافي) ، في مرحلته التي كان يصارع فيها للبقاء ، انتهت مرحلة التفويج رغم الجدل الذي صاحبها ، وعاد السودانيون بأعداد كثيفة لأرض الوطن .. تاركين وراءهم كل شيء ، (الدراسة الوظيفة ...) ، وبعضا من أمنيات لم تتحقق ، فنيران الثورة كانت اقوى من طموحات البقاء . عودة عكسية عقب عودة السودانيين من ليبيا بسبب اندلاع الثورة فيها ، تشكل مجتمع آخر يبحث عن حقوق ضائعة ... أهمها التحاق أبنائهم بصفوف الدراسة ، والبحث عن مأوى ، فالأخيرة كانت المعضلة الأساسية ، لاتخاذ قرارات العودة لليبيا بعد مرحلة تغيير نظامها . احدى العائدات التقيناها وهي تلملم أوراق سفرها مع أبنائها للعودة مرة أخرى لليبيا ، وذلك بعد أن ضاقت بهم الظروف المعيشية في السودان ، على حد قولها، الذي وصفت فيه مدى المعاناة التي لاقتها خاصة في ما يتعلق بالسكن ، فقد شعرت بأنها عبء ثقيل على أسرة شقيقها الذي استضافها في منزله ، منذ العودة الطوعية ، لأنهم عادوا تاركين وراءهم كل شيء ، لذا لم تتمكن من استئجار منزل لأسرتها، كانت تحاول المساعدة في مصروف المنزل ، فتجدها تتحسس عداد الكهرباء من حين لحين ، تقول تلك السيدة التي فضلت حجب اسمها : بان عودتهم الاضطرارية كانت بمثابة اختبار لإمكانية العيش في السودان ، إلا أنهم فشلوا في البقاء فيه ، فلم يكن أمامها خيار سوى الاتصال بزوجها الذي بقي هناك ، لترتيب إجراءات عودتهم . أكثر من شخص التقتهم (الرأي العام) وهم يقومون بإجراءات العودة ل (ليبيا) ، فمنهم من تلقى اتصالا هاتفيا بغرض العودة لمواصلة عمله ، والبعض الآخر يحاول إعادة التجربة بالبحث عن عمل عقب زوال النظام السابق ، خاصة بعد أن علموا مدى حاجة ليبيا للعمالة. ترتيب الأوراق عطفاً على ما ذكر ، نجد أن ملف السودانيين في ليبيا احد الملفات ، الشائكة على مدى السنوات وصولاً إلى مرحلة تغيير النظام ، الامر الذي يطرح عددا من التساؤلات اهمها ، هل سيظل وجود السودانيين في ليبيا على شاكلة الماضى ، ام أن تغيير النظام سيؤدى لإعادة ترتيب الأوراق من جديد ؟ الدكتور / كرم الله علي عبد الرحمن / نائب الامين العام لجهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج ، وضعنا امامه الاستفهام آنف الذكر ، وبرحابة صدر تحدث الينا قائلاً : أن اهم رسالة ينبغي معرفتها هي ان ليبيا لم تعد كما كانت، اي ليست (الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى) فهي الآن تتجه لان تكون دولة حديثة ذات نظم . ففي العهد السابق (عهد القذافي) كانت لدينا مشكلة كبيرة ، وهي أن السودانيين في ليبيا كانوا من اكبر الجاليات المقيمين هناك، ولكنهم بدون اوراق ثبوتية مما ادى لتعثر تكوين جالية بالمعنى الدقيق. ومضى كرم الله في قوله بأنهم مطالبون الآن من قبل النظام الجديد في ليبيا ، بإعادة ترتيب اوراق السودانيين المقيمين هناك . قرارات جديدة وكشف كرم الله في حديثه ، أن قرارا صدر من رئاسة مجلس الوزراء ، بشأن السودانيين في ليبيا ، وذلك بتكوين وفد على اعلى مستوى ، من بينهم جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج للإعداد للمرحلة القادمة ، والتى تشمل تقنين وترتيب اوضاع السودانيين في ليبيا ، ومعالجة قضايا العمالة مستقبلاً ، لان المرحلة القادمة مرحلة تنافسية للعمالة في ليبيا ، لذا نحن نرمي لتغيير نوعية العمالة السودانية فيها ، حتى تكون هنالك عمالة تفيد السودان وليبيا في آن واحد ، ونأمل بان تكون الاخيرة اكثر استقطاباً للعمالة السودانية من أية دولة اخرى ، لان ليبيا اضحت دولة واعدة تربطها بالسودان علاقات خاصة كثيرة ، فمن واجبه ان يعين ليبيا في هذه الظروف ، بكفاءات عالية المستوى ، ومن حق هذه الكفاءات ان تجد اوضاعا متميزة ، تعادل أو تفوق ما ينجزه الآخرون .. ويضيف كرم بأنهم امام معادلة جديدة تجاه ليبيا تحتاج لتقييم واضح، وبطريقة علمية وموضوعية ، تجاه العمالة ، لان هذا الجانب يؤثر في العلاقات الاقتصادية والسياسية .. مشيراً الى ان هنالك سودانيين قتلوا في الاحداث ، وآخرين فقدوا ومنهم مازال في السجون ، واغلبهم بدون اوراق ثبوتية ... ثم عرج لوصف (ليبيا) انها كانت مصدر (صداع) مستمر في كل الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية ، حيث كانت الحكومة السابقة تمارس ضغوطاً على السودانيين العاملين هنالك ... ويؤكد أن العودة الآن ل (ليبيا) تشترط ان يكون لدى الشخص تأشيرة دخول ، ولكن المشكلة انهم يدخلون ليبيا عن طريق مصر ، مما خلق اشكالا عند الحدود المصرية الليبية ، فالآن هنالك اكتظاظ للسودانيين عند تلك الحدود ، والسبب هو اعتقادهم ان (ليبيا) مازالت كالسابق. وينوه كرم الى ان ليبيا كانت الدولة الثانية ، لتحويلات المصريين بحسب تقرير البنك الدولى، حيث تبلغ جملة التحويلات (382) مليون دولار ، في الوقت الذي نقوم فيها نحن هنا بترحيل السودانيين منها بسبب الوجود غير المقنن . الهجرة والجوازات اللواء احمد عطا المنان عثمان / مدير الادارة العامة للجوازات والهجرة جلسنا اليه في محاولة للكشف عن ايقاع العودة العكسية للسودانيين إلى ليبيا ، فقال : الحالات التي اخذت في العودة قليلة ، اما عن طريق تأشيرات دخول من السفارة الليبية او عن طريق الدعوات .. مبيناً ان الوضع الآن في ليبيا لا يسمح بدخول اعداد بصورة غير شرعية ، لان هنالك خطورة للمتسللين عبر الحدود ، بسبب الوضع الامنى هناك. وذهب المنان في حديثه متفقاً مع كرم الله حول ترتيبات بشأن العمالة السودانية مع الجهات المعنية في ليبيا ، وهى بمثابة مرحلة جديدة والترتيبات التي سيجريها الوفد المغادر لليبيا ، سوف تفضى إلى وجود عمالة مقننة . مشيراً الى ان هنالك ترتيبات مع السلطات الليبية في مجالات حماية الحدود ومكافحة الاسلحة ، وهذا تم خلال آخر مؤتمر عقدته الحكومة الليبية . الرأي العام