رغم تأخر موعد صدور تصفية «22» شركة حكومية من قبل رئاسة الجمهورية بحسب آراء بعض الخبراء، إلا أنه ربما جعل القطاع الخاص والوالجين فيه يتنفسون الصعداء وينتابهم إحساس بالعمل في حقل تجاري تتوفر فيه أسباب التنافس الشريف بعيداً عن الممارسات الممنوعة واللعب الخشن الذي نشأت في كنفه الشركات الحكومية وجلبت عليه، بطبيعة تكوينها الذي يتنافى ومبادئ سياسة التحرير الاقتصادي التي تبنتها الدولة منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم، بل أن الاستراتيجية القومية ربع القرنية التي تسير وفق هداها مسيرة الاقتصاد الوطني، أفردت بنودها ونصوصها الصريحة بأيلولة وسيطرة القطاع الخاص على 75% أو يزيد من منظومة النشاط التجاري بالبلاد، بيد أن وجود ما يسمى بالشركات الحكومية الصريحة أو تلك التي تتدثر بثوب أو غلاف تمويهي يقيها شر الوقوع تحت طائلة الوصم بالحكومية، استأثرت بنصيب الأسد في مجالها. فغدت طبيعة تكوينها مسخا وشرخا في جدران سياسة التحرير الاقتصادي، باتكائها على جدران الصبغة الحكومية، أو تحوز بفضلها على امتيازات لا تتحصل عليها شركات القطاعات الخاصة، التي أصبحت كمن يحرث في البحر في ظل عملها في حقل تنافس غير متكافئ الأطراف، فهل ستكون تصفية «22» شركة حكومية أول غيث الإصلاح المؤسسي والهيكلي لتعديل الصورة المقلوبة؟ أم أنه سيلحق برصفائه من القرارات السابقة التي لم تجد حظها من التنفيذ. عباس علي السيد الامين العام لاتحاد الغرف التجارية شدد فى حديثه ل «الصحافة» على ان تكون هنالك سياسات اقتصادية بعد تصفية هذه الشركات تنظم العمل التجارى والاستثمارى بشفافية واستراتيجية واضحة تساوى بين المستثمرين فى الحقوق والواجبات، مبيناً أنه اذا تمت تصفية هذه الشركات والتزموا بمبدأ الشفافية والمساواة، فإن كل الشركات تستطيع أن تؤدى اداءً جيداً للاقتصاد القومى، لكنه رجع وقال إن المشكلة الاساسية الآن تكمن فى المحاباة والمعاملة الخاصة، اضافة الى الامتيازات التى كانت تتمتع بها الشركات الحكومية، مما يخل بقانون المنافسة العادلة، لذلك نحن باعتبارنا قطاعا خاصا نرى أنه اذا استمرت السياسات غير المرشدة والفساد الادارى الذى ينتج عنه اختلال فى مبدأ النزاهة والفرص المتساوية، فإن الحال لن يتغير، وبالتالى سيظهر قطاع خاص جدا يخل بمبدأ حرية العمل التجارى والاقتصادى. واعتبر رئيس غرفة المستوردين بالغرفة التجارية سمير قاسم، قرار تصفية الشركات الحكومية قراراً منصفاً للقطاع الخاص، وفى نفس الوقت ينعش الاقتصاد. وقال فى حديثه ل «الصحافة»: «إننا نشيد بقرار رئيس الجمهورية، ونجد انه جاء فى الوقت المناسب»، مشيرا الى ان السبب الاساسى له هو فك الاحتكار لهذه الشركات، واعطاء فرصة للقطاع الخاص للقيام بدوره كاملا فى انعاش الاقتصاد القومى خاصة الذى اسندت اليه الدولة 72% من تنمية البلاد. وقال قاسم إن تصفية هذه الشركات تصب فى سياسة التحرير والشفافية والعدالة، موضحاً أن القرار من شأنه ان يزيد من موارد الدولة من جمارك وضرائب، وسيؤدى الى انعاش السوق، اضافة الى المنافسة الشرعية التى بدورها تؤدى الى انخفاض الاسعار وتوفير السلع فى الاسواق. وقال نحن نؤيد أن يتم بيع هذه الشركات عن طريق الاسهم، وتستقطب مدخرات المواطنين وصغار الممولين، ومن ثم تعرض الاسهم لعامة الجمهور. ونتمنى ان تتم تصفيتها جميعا بنهاية العام وفقا لقرار رئيس الجمهورية. ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن خروج الشركات الحكومية من العملية الاقتصادية ينطبق عليه القول «ان تأتى متأخراً خير من ألا تأتى». وبالرغم من تأخر صدور القرار لاكثر من «15» عاما الا انه يعتبر خطوة شجاعة من قبل الدولة فى الاتجاه الصحيح، وهو يعنى اعترافاً ضمنياً من جانبها بخطأ سماحها لشركاتها التى بلغت اكثر من «600» شركة بالدخول فى منافسة غير متكافئة الاركان مع القطاع الخاص الذى بدأ بدوره فى التراجع منذ منتصف العقد الماضى الذى شهد بروزاً متنامياً ومتسارعاً للشركات الحكومية، دون أن يكون هناك ضابط لانتشارها وتغولها على عمل القطاع الخاص الذى تأثر سلباً بهذه الشركات، خاصة تلك التى كانت تعمل فى مجال استيراد المواد الغذائية والملبوسات، حيث اوقعت اضرارا بالغة على اكثر من الفي مصنع من مصانع المواد غذائية والنسيج، لعدم القدرة على منافسة المستورد، لتخرج هذه المصانع من دائرة الانتاج ويتشرد اكثر من مليوني عامل، اضافة الى الاضرار التى اصابت القطاع الخاص فى عدة مجالات بسبب تغول الشركات الحكومية التى حُظي بعضها بامتيازات كبيرة مثل إعفاءات من الضرائب والجمارك وغيرها من الرسوم، عطفاً على أن تتخذ منها الدولة مكاناً لنشاطها على عكس شركات القطاع الخاص التى عليها التزامات لا حصر لها. وهذا الأمر جعل المنافسة مستحيلة بين القطاعين الخاص والحكومى. ويؤكد الخبراء أن خروج شركات الدولة من شأنه أن يعيد الحياة للقطاع الخاص، ومن ثم يمكنه أن يساهم بفعالية فى الناتج القومى ورفع موازنة الدولة، على عكس الشركات الحكومية. ومعلوم أن الدول التى تطبق سياسة التحرير الاقتصادى تقوم بدور المشرع والمنظم والمراقب ولا تتدخل عبر شركاتها، لذلك نجحت فى تطبيق هذه السياسة. وعليه فإن خطوة التصفية يجب أن تتبعها خطوات اخرى، وهى تصفية كل الشركات الحكومية التى تعمل فى مجال بمقدور القطاع الخاص العمل فيه، وان استمرارها يعنى تشويه الاقتصاد السودانى. ويرى أحد أعضاء اتحاد أصحاب العمل الذي فضل حجب اسمه، أن قرار تصفية الشركات الحكومية انتظر القطاع الخاص صدوره منذ فترة طويلة، وقد بحَّ صوت القائمين على أمره جراء كثرة المطالبة بذلك، غير أنه لسبب أو آخر لم تجد المطالبة الاستجابة المرجوة من السلطات. وأعرب العضو عن أمله في أن يجد القرار حظه من التنفيذ، وألا يكون مصيره التجاهل والتغاضي والنسيان، وعلى الحكومة تكوين آلية خاصة لمتابعة تنفيذ القرار، وأن تمتد يدها لتطال كل الشركات الحكومية دون استثناء، حتى يتسنى للقطاع الخاص الانطلاق وممارسة نشاطه الاقتصادي في جو مفعم بالعدالة والشفافية والتنافس الشريف، بعيداً عن سياسات الامتياز والتمييز، وأن يقتصر دور الحكومة على التنظيم والإشراف على النشاط الاقتصادي وليس الضلوع فيه. وثمَّن عضو الاتحاد في مداخلته القرار وأثنى عليه، وأوضح أن صداه وسط القطاع الخاص وجد الرضاء والاستحسان.