الثورة المصرية وفي اطار سعها ومسيرتها لاستكمال حلقات التغيير وتصفية كل اثر يتعلق بنظام حسني مبارك، اصدرت اخيراً قراراً بحل الحزب الوطني ومصادرة مقاره وممتلكاته لصالح الدولة وذلك بعد ان اودعت كل رموزه في السجون المصرية، ونود في هذه المساحة ان نتبنى حواراً هادئاً بعيداً عن العاطفة ونقدم تحليلاً موضوعياً، لان هذا القرار لا يخلو من عظة وعبرة ويعطي فرصة للتعاطي الواعي باعتبار ان احزاباً مشابهة للحزب الوطني بكل سلوكه وممارساته ما زالت موجودة وفاعلة في الساحة العربية وبذات القناعات التي تقول انها محمية بالترسانات الامنية وجوقة الهتيفة وحشود المنتفعين والمتسلقين، لنقدم رؤية محايدة وموضوعية غير متأثرة بالجو العام والمناخ الثوري الملتهب، نقول ان الحزب الوطني جاء امتداداً طبيعياً لخلية الضباط الاحرار داخل الجيش المصري بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مفجر ثورة 2591م التي حررت الانسان المصري بطرد الباشوات الاتراك، والاقطاعيين ملاك الاراضي واعادة الارض لاصحابها الاصليين «الفلاح المصري» وفي اطار اصلاح الحياة جاءت ملحمة السد العالي، وفوق هذا وذاك جاءت ثورة يوليو 2591م اضافة حقيقية للوعي العربي الذي ظل في ثبات قبل الثورة المصرية، جاء عبد الناصر مفجر الثورة رمزاً للثوار والمناضلين، ملهماً للشعراء والادباء في كل مكان وانتشر فكر الثورة في عدم الانحياز، ومصر كانت احدى الدول الرئيسية لحركة عدم الانحياز. وتواصلت مسيرة هذا الحزب العتيد، فكان انتصار اكتوبر 3791م واعتلى عرش مصر رمز آخر هو السادات الذي ثأر للكرامة العربية واعاد سيناء للسيادة المصرية. واذا جاز لنا السؤال بعد كل هذه المآلات التي حلت بالحزب الوطني الذي تقهقر الى الظل وانتقل من دائرة الفعل الى الفناء بعد هذه المسيرة الوطنية الطويلة.. نجد الاجابة في محاضرة كان قد ألقاها الأستاذ محمد حسنين هيكل بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي للجامعة الاميركية بالقاهرة، يقول الاستاذ هيكل ان الثورة المصرية قدمت عملاً عظيماً لمصر، وهي ثورة بكل مستحقات ومطلوبات الثورات في العالم، وتمكنت لحد كبير من تحقيق كثير من تطلعات الشعب المصري في الحرية والعيش الكريم. إلا ان الكبوة التي أصابت هذه الثورة انها لم تتطور دستورياً وقانونياً وبالتالي فشلت في تطوير الحزب لمؤسسات ديمقراطية حقيقية لها القدرة على الصمود في وجه الزمان، بما لهذه الديمقراطية من آليات ووسائل تجسد حكم وسيادة القانون في وجدان الناس، ظل الحزب منغلقاً على ذاته يحكم من خلال ما عرفه الاستاذ هيكل «بالشرعية الابوية» التي اضاعت الشفافية. الثورة المصرية الأخيرة اوجدت مفردات جديدة في الفكر السياسي وانعشت الآمال في مقدرة الفعل الجماهيري والشعبي في الوصول الى نتائج حقيقية. ويبقى الوطن محمد النوبي