خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغته الرصينة تخرج منتظمة حتى في الحكايات
تكريم القاهرة ل( السر السيد البقعجي) المؤسس
نشر في الصحافة يوم 30 - 04 - 2011

الصباح يومها أمام مكتبي في مؤسسة الدولة للسينما قبالة النيل الأزرق كان له أصوات آخري ، جئت كعادتي باكراً قاطعاً الخرطوم الجميلة من غربها نحو شرقها ، مررت بشارع النيل ، نظرت الماء في محاذاة جزيرة توتي ( بحر أبيض ) ، كان قبل الخريف في عنفوانه ، يدفع في الشاب المتمرد دوماً ( النيل الأزرق ) وكأنه يدعوه للشرق أكثر ، نزلت مستبشراً وفي خاطري موعدي الأول الذي أكُمل به بعض أفكاري أول عملي التنفيذي الجديد ، خرجت من وزارة الثقافة والإعلام وتركت بعض ما أظنه ساهم كثيراً في اندفاعي يومها نحو العمل العام ، أفكار جديدة مغايره ، قلت يمكن أن تكون ممكنه ، والمؤسسة وقتها تُعني باستيراد وتوزيع الأفلام وتدير دار عرض وأحده هي سينما النيل الأزرق ، و عندها ذاك التميز في اختيار الأفلام الغربية ( الأجنبية) كما كان يقال ، فيها المكان يتسع لكل الإنتاجات الجديدة ، فيلم الغرب الكبير ( راعي البقر ) بينه والأخريات ، أفلام صوالين نيويورك وباريس ولندن وروما مسافة ، لم تكن السينما ( المستقلة ) لها ذاك الصوت العالي ، الناس والجمهور العاشق للسينما جالسين كانوا في ظل أفلام ( هوليود ) بقوة وعظمة إنتاجاتها الفخيمة ، في صيفي ذاك بعد سنوات يوم نذلت الغرب الأمريكي أزور أستديوهات ( نيوفرسل ) حيث تصنع الشرائط السينمائية الكبري .
تمعنت في الذي جلست إليه طويلاً في مقعدي في سينما النيل الأزرق ،فيلم ( ودي الن ) الممثل والمخرج الأمريكي ، ذرت موقع التصوير ، تحتفظ الاستديوهات في سبيل الترويج لسياحة السينما - و التعبر من عندي - ببعض مناظر الأفلام الكبري ، والتي تظل في ذاكرة المشاهد الزائر ، وقفت وسحر المكان يعيدني إلي لحظات الفرجة الجميلة ، لا أصوات تنادي بما يباع ولا ضجيج ، ولا تعليق مثل دور العرض الأخري حيث حوار الجمهور والممثلين علي الشاشة الفضية يدور بلا شروط ، فقط صوت عالي ، وجمل تبدأ
( أعمل حسابك الخائن وراء الجبل ، يأخي ما كلمتك ما بتسمع ، ما قلت ليك ما تخش ، رئيس العصابة في الزقاق ) .
وتتعالي ضحكات الجمهور ، وتتفاعل مع الحوار الحي خارج الشاشة والفيلم وفكرة المؤلف ورؤى المخرج ، إنها تعليقات جمهور السينما له تعابيره الخاصة . إلا عندنا حيث وقفت انتظر في الصباح قبالة النيل الأزرق وخلفي ملصق ملون لفيلم( ودي الن ) الذي لم يعرض حتي الآن في دور العرض في السودان ( نيويورك نيويورك ) وأجمع و أطرح معي الأحداث ، قبلها بسنوات بدايات مايو وصيف عام 1977م واقفا أنظر إلي الرجل في حلته العادية ، ليس كنجوم مهرجان ( كان ) الأشهر ، يمشي علي السجادة الحمراء بلباس عادي ، وأنا إلي جواره ، أو في مسافة أبعد ، البس جلبابي وعباءة فاتحة اللون ، وعمتي ما كانت خضراء ، أدخل في القاعة ذاتها أشهد مع نجوم السينما بعض عروض تلك الدورة المتميزة من مهرجانات ( كان ) التي يوم تتطالع ما اكتب تكون افُتتحت أيامها ، الملصق خلفي تتوسطه بحسنها الممثلة المفضلة لدي ( ودي الن ) المخرج ، في جمالها في دلالها ، وجهها يحاكي صفحة النيل الأزرق في صفاء وترقرق مائه اللماع ، وانتظاري أبدده بالنظر ما ين فرجات الشجيرات الصغيرة ، تحجب عني ، تحول بيني و المنظر البهيج أول الصباح .
( كان ) المهرجان الذي أخذني بعدها إلي ( باريس ) حيث صناعة الأفلام والمكتبة السينمائية الكبري التي تحفظ تواريخ المجتمع الفرنسي و الأوربي بين شرائطها السينمائية ، هي التي تقف سبباً خلف موعدي الصباحي المبكر هذا .
قال لي أطولهم ، و كنت أنتظر مقابلة أثنين من شباب معهد الموسيقي والمسرح يومها في طريقه نحو التخرج ( شوف يا أستاذ ) يختار بعناية جملة في التعبير عن أفكاره ، هذه كانت ملاحظاتي الأولي ، يبدأ حديثة بالتوجيه لا بالسؤال ( شوف ) أنظر ، أعلم ، افهم ، كلها في ذات اتجاه المعاني ، أكمل وكلماته أول مره أسمعها عن قرب ، كنت قد تابعته مشاركاً في ندوة عن المسرح في قصر الشباب والأطفال ، جئتها اسمع وانظر في الأفكار المغايرة ، الخرطوم ذاك الزمان المضئ ما فيها إلا هذه الحوارات ، كان يعلق علي عرض مسرحي جديد ، سمعت منه وعرفت عنه ، أن عينه فاحصة ، تنظر للمشهد في حياد ، دون أن تختار منه ما يروقها .
( السر السيد ) الناقد بدء لي تلك الظهيرة واضح المعالم ، تعابيرة لا تحتاج إلي كثير جهد لتصل إلي بالمعاني ، الوضوح يلازم الجملة عنده ، يذهب مباشرة للمقصود في الحديث ، لا يأخذ الطرق البعيدة ، أو المتقاطعة ، يختار الأيسر في التوصيل ، والأكثر قبولا في الفهم ، عرفت ساعتها أنني أنظر إلي ناقد وباحث في ذات الاتجاهات التي مشي عليها ( يوسف عيدابي ) و ( خالد المبارك ) ، الجلسة استمرت لساعات ، ويتكرر الحديث كالعادة ، وارتفعت الأصوات ، الإحساس بأن الأمر انتهي غلب حيرتي فخرجت دون التعرف عليه ، سألت عنه ، قالوا هو ( السر السيد ) الطالب في السنة النهائية في المعهد ، والتقينا بعدها ، نتحاور ، وكنت علي استعداد للتعرف عليه أكثر ، كانت أفكاري وقتها تذهب في اتجاه بناء المؤسسة المسرحية المستقلة ، والجهود تلك الأيام لا تخرج عن كونها ، جماعة ، أو فرقة ، يلتقوا من أجل عرض مسرحي ، تنتهي اللقاءات بنهاية العرض في المسرح القومي ، ثم مع الهمة يحاول بعضنا الخروج لعواصم الولايات ، لكن حواراً بناء يؤسس لفضاءات جديدة ما كان يتوفر وما كنا بذاك الحماس ، و كان ذاك وأحداً من جملة ما كنت أفكر فيه ، و انتظاري الصباحي له ولزميله المسرحي المتميز ( عادل السعيد ) كانت مؤسسة الدولة للسينما وقد جاءها اللواء ركن ( تاج السر المقبول ) يديرها بفكر مغاير ، والتقينا ، وانتقلت للعمل معه ، أؤسس لإدارة جديدة قديمة ، علاقات عامة وإعلام ، وفهمت منه أشواقه للتجديد ، فكرنا في المجلة ، وصدرت مجلة السينما والمجتمع وكان يرأس تحريرها الأستاذ ( يحي محمد عبد القادر ) و كانت جزء من الإدارة التي أتولي مسئوليتاها ، فقلت ، أجد في ( السر السيد ) و(عادل السعيد ) ثم بعدهم جاءنا ( عادل الياس معني ) شباب وقدرات ووعي متقدم ، ثم فكرنا سوياً في تأسيس مكتبة الأفلام السودانية ، علي قله الإنتاج ، وأخذت مكتب في الجزء الأعلى من مبني سينما النيل الأزرق ، أضفنا بعض الكتب ومجلات السينما ، وكانت لنا اشتراكات في مجلات السينما الكبري ، وكانت تصل بالبريد من ( نيويورك ) و( لندن ) ( وباريس ) . ( السر السيد ) كان بينهم كثير الجلوس للكتب والمجلات ، يأتي مبكراً قبل بدء العمل ، يجلس في مواجهه الشاطئ للقهوة والحوار ، أو يذهب نحو النيل بعيداً مني لترتيب الأفكار ، نظمنا بفضل عونه ندوات ، وساهم في أن تصبح مؤسسة الدولة للسينما جزء من الحراك الثقافي وقتها ، بعد أن كانت في عملها المتقن تستورد وتوزع الأفلام فقط ، ثم غاب عني لسنوات انشغل بإكمال دراسته وتخرج منها و زاحم فضاءات الكتابة بأفكار متميزة .
وفي عام 1999م بعد اتصالات مع الأخ العزيز الدكتور ( فوزي فهمي ) رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، اتفقنا أن يعود السودان لبرامج المهرجان بعد غياب لأسباب القطيعة السياسية بين شطري الوادي ، تسعة سنوات والعروض المسرحية السودانية غائبة ، لم تكن هناك قرارات تمنع ، ولكن غابت المحاولة ، كنت عائداً من عرضي الأول في أوربا ، بعد أن قدمنا فرجة ( سلمان الزغرات سيد سنار ) العمل الذي يسعدني كل ما أتحدث عنه ، لأنه جمعني بصديقي المبدع وشريكي في الأفكار التي كانت وقتها متقدمة علي الكثير من العادي غيرها ، البروفسير ( عثمان جمال الدين ) .عرف الدكتور ( فوزي فهمي ) نتائج عرضي ذاك مطلع عام 1997م في معهد العالم العربي في باريس ، وكنت رغم الأجواء في القاهرة أواصل عملي من مكتبي في الأمانة العامة للإتحاد العام للفنانين العرب ، التقيته فحدثني عن ترحيب المهرجان بالعرض ، دون أن يشير إلي عودة المسرح السوداني للمهرجان ، ولم ابحث كثيرا في التفاصيل أو التفاسير . أول من سألت في المساعدة الأستاذ ( السر السيد ) ، قلت له:
( أشارك بعد غياب في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، أعرض فرجة ( سلمان الزغرات سيد سنار ) والأمر يحتاج إلي المزيد من التفكير المشترك ، النص كما تعلم أخذ حواره الصديق الفنان ( عثمان جمال الدين ) من كتاب الطبقات ( لمحمد نور ود ضيف الله الفاضلابي ) والحوار فيه من الكلمات ما يحتاج إلي بعض الشروحات ، واخشي أن تؤخر اللغة الوصول للمعاني ، رغم إنني كنت ولا ذلت أبحث عن الصورة في ثنايا الفرجة ) .
جاءت إجابته مثل جمله حلول وليس وأحده ، أندفع في لغته الرصينة لا يبحث عن الكلمات ، تتدافع عنده وكأنه يحفظ ، تخرج منتظمة الجمل عنده حتي في الحكايات العادية . غير مبعثرة ، الكلمة تمهد المسافة للأخريات قال :
( شوف يا أستاذ ، كثير من العروض تحتاج إلي شروحات ، خاصة في مقام المسرح التجريبي ، وبعد غياب للمسرح السوداني عن دوراته ضروري نعمل ( بلوغرافيا ) للعرض ).
وقد كان ، ولم اسأل وأن خطر لي أن اسأله عن كيف سيعمل علي وضع هذه ( البلوغرافيا ) ، لكنه في صباح الغد كان يحمل ورقة ضمت شروحات تفاسير لكثير من ما ورد في العرض من جمل وكلمات وأسماء ومواقع ، وأخذتنا العزة بمبادرته الفنانة ، أعددنا مطبق يحوي معلومات عن العرض ، زينتها ( بلوغرافيا ) العرض كتبها الناقد والباحث ( السر السيد ) ، وكانت الأولي و الأخيرة ، لم أطلع علي مثلها في تجارب سودانية آخري ، وأن كانت الأهم ، حيث ما تذهب تجد كتيب أو مطبق يحمل معلومات عن المسرحية . هكذا هو دائماً صاحب مبادرات خلاقة .
عدنا من القاهرة وسألني أن نستعد للمشاركة في الدورة التالية ، قلت :
(لا لنتيح الفرصة لغيرنا ويكفينا أن فتحنا الأبواب ).
لم تعجبه فكرة عدم المشاركة ، لكني أرضيته بدعوته للاجتماع الأول للتحضير للدورة الأولي لمهرجان أيام البقعة المسرحية وخواتيم العام 1999م تذهب متسارعه ، ومسرح البقعة في المساء بدون الناس موحش ، ظلال فوقها بواقي ضوء يخرج من المطعم المجاور ، روائح الشواء ( والفول والزيت ) هي التي تطوف بالمكان ، كنا جلوساً ، عدد يسير ، طرحت فكرة المهرجان ، قبل بها البعض وكان هو من الإبكار ، ترأس لجنة المشاهد ، ضمت أساتذة أجلاء منهم الأستاذ / مصعب الصاوي ، كان ساري السفينة بفكره المتقدم و انغماسه في تواريخ المدائن التي يعشق ، ومعرفته الواسعة بأسرار الفنون الأدائية في الوطن ، أدار ( السر السيد ) ذاك الملف ، وانتخب مع لجنة المشاهد عروض كانت هي الأولي في المسابقة الرسمية . وفي الدورة الرابعة جاء بامتداد لأفكاره النيرة ، دائماً يبحث عن توطين للفكر والنقد ، ويسعي لتحقيق ظروف أفضل ، واعتراف بجهود النقاد ، قال جلسات النقد التطبيقي ، قلنا خيمة البقعة ، أدارها بنجاح وديمقراطية يعشقها ، لم يقف عند حدود الابتكار والاقتراح مشي نحو الإنفاذ للأفكار ، جاء بفكرة مركز المسرح الوطني للدراسات ، وأشرف علي إخراج أولي مطبوعات البقعة الكتاب رقم وأحد للأستاذ ( عبد الله الميري ) والذي كان من إبكار البقعة ، ثم اتصلت أدواره في اهتمامه بفكره شخصية المهرجان ( خالد المبارك ) ( يوسف عيدابي ) ( مكي سناده ) ( محمد شريف علي ) ( إبراهيم حجازي ) ، أشرف علي تحرير كتب هامة عن الأساتذة ( مكي سناده ) ( إبراهيم حجازي ) ( محمد شريف علي) .
ثم جلس معنا نحيل عشقنا للراحل المقيم ( مجدي النور ) إلي فعل ، كان يسمع لضجيج الاحتفالات بالراحل ، والمقترحات تذهب ولا تصل إلي نهاياتها . جلسنا وقلنا ، وهي الدورة الأولي التي يغيب عنها ( مجدي النور )المؤلف والمخرج ، وأخرجنا كتاب يكتبه الأقرب إليه في مستويات إبداعاته المتعدد ، فخرج أجمل الكتب عندي من إصدارات المسرح الوطني – مسرح البقعة ( مجدي النور من مسافات أقرب ) أشرف عليه محرراً وكاتباً مشاركاً ، و ترك لي شرف تقديم الكتاب ، ثم أنه ظل في تجواله معي بين بيت الراحل في ( الحاج يوسف ) ليصل أهله ويتابع أبنائه دون ضجيج ، هو هكذا ( السر السيد ) إنسان واجتماعي من الطراز الفريد ، آياته في قبوله للآخر ، وحواره بغير انفعال ، يتجول بين الأفكار ، عصفور يأخذ الذي يذهب وما يعتقد ، لكنه لا ينكر الذي تركه ، يظل محل تقديره لأنه جزء منه ، ويدخل في عشق جديد . ( السر السيد )كان رئيساً لحزب الجمال بلا انتخاب ، تلك كانت أوقات المساء المرتاح ، و نتبادل فيها معاً حكايات الجمال ، نضعها بعيدا عن هموم اختلافات النهار ، يمشي بها نحو أتفاق علي صراط الجمال ، أفهمه بمعني ، ويروج له بالمعاني التي يحب ويعشق ، قال عني أنا المرجع في علوم الجمال ، وهكذا أكون الزعيم الروحي لحزب هو مؤسسه ورئيسة وأمينه العام بلا انتخاب ، لا منافس له في الحسن وعشقه واحترامه وتقديره .
تكرمه ( السر السيد ) القاهرة ، لأنها عرفته ناقداً واضح الرؤية ، جاء إلي المنتديات العربية بفكر جديد . أول مره يشارك في الندوة الرئيسية لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، وكان لي بعض الأوقات فرصة الاقتراح علي إدارة المهرجان بعض رموز الفكر العربي ، أساعد المهرجان أحياناً كثيرة في اختيار المشاركين في لجان التحكيم من مختلف الدول في الغرب أو أمريكا اللاتينية أو الشرق أو عوالمنا العربية ، وذهب هو للندوة الرئيسية كتب ورقة لا تزال علامة في وثائق المهرجان ، حدثني أستاذي الدكتور ( علي الراعي ) وكان يستمع إلية ، قال في حماسة المعلوم :
( لا ده مرتب خالص ، وعارف بيقول أيه ، شكراً ياعم علي ، عفارم عليه وعليك ده هدية أنا بعدين لازم أشوفه معاك ) .
ثم عاد للقاهرة مره وآخري أصبح من علامات فضاء مسرحها العالمي ، تعرف علي الكثيرين وترك آثره الطيب عليهم ، نقل صور مشرقات عن جهود النقاد في الوطن . قبل أيام وقف علي مسرح الطليعة في القاهرة بعد 25 / فبراير وهي غير تلك التي كنا نعرفها لثلاثة أو أربعة عقود مضت ، الأفكار غير تلك التي عرفنا ، والأسماء ذاتها صورتها أخري ، كان قد شارك في دورات مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواه المسرح ، الصديق الدكتور ( عمر دوارة ) المؤسس ورئيس المهرجان عاشق المسرح ، أسعدني قبلها بحضور واحده من أمسيات المهرجان دعاني للتكريم و كرم شخوص مسرحية متميزة عربياً ( عبد الكريم برشيد ) ، ( المنصف السوس ) ( يوسف العاني ) ( فؤاد الشطي ) ( سميحة أيوب ) و ( السر السيد ) يقف بينهم رمزاً للمثقف السوداني الجاد والصادق ، وهو صاحب الإسهام المتميز في صناعة الفكر السوداني المسرحي المعاصر وإدارياً ناجحاً ساهم في بناء التمثيلية التلفزيونية يوم أدار قسم الدراما بالتلفزيون . اهتم كثيراً بالخطط والتجويد في الصناعة ، فترة عملة أضافت الكثير ، وتظل علامة ، ومثلما نقول أن المواسم المسرحية أسسها ( الفكي عبد الرحمن ) ، نقول الآن امتدادا لتكريم المسرح العربي للأستاذ الناقد ( السر السيد )، أنه أسس دوره إنتاج درامية ناجحة توفرت فيها وقتها رغم صعوبة وتعقيدات المناخ من إمكانيات كل شروط السلامة والمعرفة و المهنية والتخصص ، أحلم الآن كيف كان يمكن أن يكون المشهد لو ظل في موقعة ذاك ، لكنه ولأنه أبن الإذاعة المسموعة عاد إليها تحفه رغبات أصدقائه
( ماله لو بقي أكثر في المرئية يمدنا بمدد وفيض من حماسته للتطوير والترقية ) .
دهليزي الذي يحتفي بالأستاذ الناقد ( السر السيد ) يفخر به إضافة إلي فضاءات الفكر العربي ، منذ البداية ترك تأثيره الإيجابي عضوا في لجان تحكيم عربية ومحاضر ، ومشارك في ملتقيات وحلقات بحث علمية ، أوراقة تنشر الآن باهتمام بالغ في المواقع والصحف ، وحواراته تعاظم كل يوم اهتمامي به شريكا حقيقياً في فعلنا الجميل ، دهليزي لا يحيط في رسالته التقديرية له بأدواره الكبري الأخرى في ساحة العمل المدني ناشطاً في تنظيم المهنة ، له آراء بالغة الأهمية والأصولية ، ومنفتح في ذات الوقت علي التجديد ، في إعادة وبناء وتأسيس الإتحاد العام للمهن الدرامية ، مؤسس قديم ، وشريكاً مستنيراً له تجارب معلومة ، كما أنه نشط في جوانب آخري ، أكدت أهمية التزام المبدع بقضايا وطنه ، فهو الناشط في التنمية الاجتماعية ، والحقوق الأساسية ، والمشارك الواسع الاطلاع علي أوضاع المرأة قطرياً وإقليمياً ( السر السيد ) الناقد مكانته في صفوف الإبداع متقدمة .
( ا لسر السيد ) المؤرخ يعكف علي مدي عامين يوثق للحياة المسرحية في عقدها الماضي عبر تجارب مسرح البقعة والليالي في المهرجان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.