إنفصال جنوب السودان عن شماله، ليس نهاية مطاف تفكك البلاد! هذه الحقيقة السياسية البسيطة توصل لها كثير من الأكاديميين والمراقبين والمحللين والسياسيين من خارج حظيرة الحزب الحاكم قبل فترة طويلة، فيما يشبه تحذيرات مبكرة من تفاقم الأوضاع. وكانت هذه التحذيرات تشير الى ضرورة علاج جذور الاسباب التى تؤدى للصراعات فى البلاد. مزيد من التفكك وبطبيعة الحال لم يستجب أحد لهذه التحذيرات. ونتيجة لهذا الوضع فمن المتوقع أن تنداح دوائر تفكك البلاد بصورة كبيرة، الأمر الذى جعل مجموعة الأزمات الدولية تحذر أمس من تعرض السودان الى مزيد من العنف. وحذرت المنظمة من أنه ما لم تعالج المظالم في السودان من قبل حكومة تعددية شاملة، فان البلاد ستتعرض إلى مزيد من العنف والتفكك حتى بعد انفصال الجنوب رسميا في يوليو المقبل. سيناريو قديم يبدو أن هذا السيناريو ليس جديداً، فقد كتب كثيرون من قبل محذرين من مغبة تفكيك أجزاء البلاد الى دويلات فى الجنوب والغرب والشرق. وسرعان ماراحت الإتهامات تترى من الحزب الحاكم ومناصريه تتهم الغرب بمؤامرة تفكيك السودان الى دويلات صغيرة. بعضهم وجه إصبع إتهامه مباشرة، ليصل الى إسرائيل التى لا تحدها حدود مع السودان. إلاّ أن هذا الإتهام يوازيه إتهام مباشر من مجموعة الأزمات الدولية يتهم الحزب الحاكم بعدم معالجة الأسباب الجذرية للصراعات المزمنة في البلاد، وإتهمته بمفاقمة الانقسامات العرقية والإقليمية وتعميق تناقضاتها، لكن القيادى بالحزب الحاكم ربيع عبد العاطى ينفى هذا الإتهام ويرده الى تدخلات أجنبية. وقال عبد العاطى ل( الصحافة) ان الانقسامات العرقية والاقليمية التى طالت البلاد ليست ذات منشأ وطنى خالص ، وزاد ( هذه الانقسامات تغذيها تدخلات اجنبية معروفة). وإعترف عبد العاطى بتضرر البلاد من الإنقسامات. وطالب فى السياق بإيجاد توجهات فكرية متينة لتقليص الإنتماء للقبيلة والجهة. واتهم جهات أجنبية، لم يسمها، بدفع تكلفة هذه الانقسامات لوكلاء وطنيين يقومون بذرع بذرة الإنقسام فى المجتمع بالنيابة عن آخرين. إنقسام داخل البيت المجموعة الدولية في تقريرها الموسوم ب »انقسامات في الحزب الحاكم في السودان والتهديد لمستقبل الاستقرار في البلاد« أن المؤتمر الوطني يواجه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية. وأضاف التقرير أن قادة الحكم باتوا يخشون من تفكك حزبهم، وأصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على الولاء الشخصي والقبلي للبقاء في سدة الحكم، الأمر الذى جعل عبد العاطى يدفع بجملة دفوعات تؤكد عدم وجود أىِّ انقسامات داخل حزبه. بل أكد أن حزبه بصدد وضع خطط للمرحلة القادمة وهى خطط تسير على قدمٍ وساق. واشار عبد العاطى الى ان الحزب فتح باب الحوار مع كافة المجموعات ومكونات المجتمع (أحزاب سياسية، منظمات مجتمع مدنى، مراكز بحوث، قيادات اهلية) لرسم مستقبل السودان فى الفترة القادمة. حوار غير مسبوق وأبدى ربيع رغبة الوطنى فى إشراك الكافة من خلال حوار كثيف وشامل وعميق. واكد ان ارادة حزبه فى الحوار تؤكد ان الباب مفتوح للحوار بصورة لم يفسح بها من قبل فى اى عهد من العهود السياسية فى السودان. ولكن تقرير مجموعة الأزمات الدولية يشيرالى حشد الحزب أجهزته لكبح التغيير الداخلي أو الانتفاضة المتوقعة، وخنق النقاش الدائر حول مسألتي التنوع والهوية في السودان. من جهته يكشف ربيع عن إستعداد الحزب الحاكم لكى يكون، فى يومٍ من الأيام، حزباً معارضاً! ويقول ان حزبه بصدد قبول التداول السلمى للسلطة. وفيما يبدو فان ضعف القوى السياسية وعدم قدرتها على الحراك السياسى ومناهضة الحزب الحاكم، سوف يدفع الآخير ل(فرملة) مسألة المشاركة فى السلطة، الأمر الذى يبدو واضحاً من نبرة عبد العاطى، وهو يقول ل( الصحافة) أن ضعف الأحزاب السياسية أدى الى عدم تكافوء العملية التنافسية، كاشفاً عن سعى حزبه ل(تقوية الأحزاب) حسب عبارته. هامش جديد من ناحيته كشف كبير مستشاري مجموعة الأزمات لشؤون الاتحاد الإفريقي والسودان فؤاد حكمت عن تركزالسلطة، وعلى نحوٍ متزايد، في أيدي مجموعة ضيِّقة حول الرئيس. وبطبيعة الحال، ليس الأمر بمثابة إكتشاف جديد، فالمطلعون على بواطن الأمور، يدركون ذلك بصورة أكثر تفصيلية. بعضهم ذهب الى ان الحزب نفسه لا يحكم، وان الحركة الاسلامية بعيدة عن صناعة القرار مثلما أشار الدكتور الطيب زين العابدين أكثر من مرة فى مقالاته الراتبة. كذلك برزت مثل هذه الإتهامات فى ثنايا عدد من مقالات الدكتور عبد الوهاب الأفندى وخالد التجانى وآخرون. حكمت حملَّ الوطني مسؤولية إهدار فرصة الحفاظ على الوحدة الوطنية وإقامة دولة مستقرة وديمقراطية، كما قاوم تنفيذ كثير من بنود اتفاقية السلام لأن من شأن ذلك إضعاف قبضته على السلطة على نحو كبير. فيما ذكر التقرير أن المناطق في الهامش التي تشهد توترا لا تقتصر على دارفور فحسب، بل تشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرقي البلاد ،وبدأ يتشكل قطاع جديد مستاء من هيمنة الحزب الحاكم ،كما يطالب الكثير من السودانيين بترتيبات دستورية واسعة من شأنها توزيع السلطة والموارد والتنمية بصورة عادلة بين المناطق،وأشار إلى أنه يمكن معالجة هذه القضايا من خلال حوار وطني حقيقي تديره حكومة تعددية شاملة ومقبولة الا أن عبد العاطى يؤكد إنفتاح حزبه وجديته فى فتح حوار واسع مع مختلف القوى السياسية، ودلل بالحوار الذى يقيمه حزبه حاليا مع عدد من القوى السياسية. إعادة ترتيب القطع المتناثرة مديرة برنامج أفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية، كمفرت ايرو، قالت أنه مع اقتراب انفصال الجنوب فان الوضع في بقية أنحاء البلاد يتطلب إعادة ترتيب بشكل كامل ،موضحة أن حزب المؤتمر الوطني يعتزم مواصلة الوضع الراهن للحفاظ على النظام السياسي كما هو، وعقد صفقات سلام منفصلة مع كل من يرفع السلاح ويحشد الإسلاميين ضد من يعارض حكمه