عرفته شخصيا في مدينة شندي في ورشة ميكانيكا سيارات ذلك المتصوف الشاعر عبدالرحمن الحفيان وفي الحفيان التي تقع جنوب حلة قريش لأهله قباب وخلاوي لتحفيظ القرآن، لذلك دائما اقارن بينه وبين الشاعر الفحل محمد المهدي المجذوب في ان منبتهما الشعري منبت تصوف ووجدان وروح وتساؤلات فلسفية تفرضها المشارب الفكرية لدى بياتي السودان عبدالرحمن الحفيان الذي قدم له الشاعر مصطفى سند ديوانه «الليل والصمت» وإنه بياتي السودان وهو من يغرس رايته في تربة الناس، ومع ذلك فإن عينيه تهيمان بالأعلى وتتعلقان بالسماء يبتغي شرف الرفعة صياغة ويقنع بمزج الاحزان والاحلام والثورة والغضب والغناء والدم في قصيد متوتر ينضح بالرقة والطيبة عبر لغته البسيطة الحلوة وهو صاحب الابيات التالية: غنيت للعشاق للحب تحت المطر الدفاق لثورة الأنهار في غربتها لزرقة الآفاق للشمس في بستانها الراقد في الأعماق ملامح تعج بالأسواق وقد امتد فينا عبدالرحمن الحفيان عبر مرحلة شعرية كاملة امتدت من بداية الستينات والى الآن وقد نشرت له كبرى المجلات العربية ومنها الآداب البيروتية وقد ادهش بشعره الشاعر محيي الدين فارس وهو اول من اطلق عليه بياتي السودان، واقول ان عبدالرحمن الحفيان شاعر وفنان وان كانت كلمات البياتي من طمي الفرات فإن كلمات الحفيان من تراب السودان ووديانه ومدنه وناسه إنه من يقول: غنيت للأوطان للحب والحياة والنضال والإنسان لثورة الجياع في عالمنا المدان لو أن لي أجنحة... لو كان في الإمكان لطرت عبر الليل والسهول والوديان إليك حيث أنت في الزمان والمكان وإن الحفيان عاشق هائم في براري الشعر وإنه يتحسس العمل الادبي الفني الشعري لديه ويرسم لك بكلمات وايقاع يجعلك كقارئ كجزء من القصيدة لأنه يحلق في فضاءات انسانية كقصيدته الليل والصمت والتي جاءت عنوانا للديوان: الوقت مساء والصمت المرهق للأعصاب توغل في كل الأرجاء وتغلغل في كل الاشياء لاهبة ريح تخدش صمت الليل تحرك أغصان الأشجار وأنا منهار في جوف الليل أنا منهار والصمت المطبق يسحقني ويشوه إيقاع الكلمات وعيوني تبحث في الظلمات عن شئ تبحث في الظلمات وأنا مشدود للقاع الأسفل نحو الصمت اللا محدود أتدحرج منسحقاً مكدود وعيوني ما زالت ترنو تترقب والأمل المفقود وقلة هم الشعراء المحدثون الذين ادركوا ان القصيدة الحديثة هي في الاساس ثورة على الرومانسية، وكان الحفيان من القلة التي ادركت ان على الشاعر ان يخلق وجودا مستقلا عن ذاته وفي ذلك فلنطالع جوليا كما كتبها الحفيان: غني لينهزم الظلام غني لتدخل في السراديب الشموس على النيام وليبق صوتك زاد كل السائرين إلى الأمام غني لتشتعل الخيام قولي لهم جوليا بأنا نرفض أن نموت فالحق أقوى من بنادقهم ومن نسف البيوت والقيد أوهن إن عزمنا من خيوط العنكبوت قولي لهم لا للهزيمة فالجريمة في السكوت وتفجري غضبا جموح جوليا فأختي طفلة تبكي وأمي صوت ثاكلة تنوح وأبي فدائي جريح وحراب اسرائيل تحرس باب من صلبوا المسيح قولي لهم لن نستريح قولي لهم إنا سنبعث من مقابرنا نطيح وأقول إنه الحفيان الذي تحركه حرارة الشموس والقوافي لم ينس التاريخ مع جوليا وايضا لم ينس متنبئ البطانة ود شوراني وكتب له غادرت ولم تترك عنواناً وهو الشاعر عبدالله حمد ودشوراني وهو من اكبر شعراء السودان وهو شيخ قبيلة المرغوماب بمنطقة ام شديدة شرق الدامر، وقد توفى سنة 1989م، وقال ود الحفيان لود شوراني .. من بعد رحيلك أسرجت الروح الأشجان غامت في الآفاق والرؤيا وأظلت عامنا الأحزان يا ود شوراني.. يا إنسان قل لي من بعدك من سيقول فتحمل ما قال الركبان أو من سيعيد إلى الصحراء الخضرة والزمن الريان والفرحة من بعد الأحزان بل من للفن وللإبداع ومن سيصول ومن سيجول ومن لمنازلة الفرسان في وقت نضوب معين القول ملكت مفاتيح الأوزان فنطقت فأسكرت الوجدان وشغلت من الناس الأذهان والرائد كنت وكنت الشيخ وكل الشعر الحيران لكنك يا غرد الأفنان غادرت ولم تترك عنوان برحيلك صارت ماحلة نيانا من كل الألوان إنه الحزن النبيل من الشاعر الحفيان على شاعر البادية والبطانة ودشوراني فارس من فوارس الشعر السوداني وإنه سيذكره التاريخ كما ذكره الحفيان في هذا الشعر الرائع ، وفي اشعار الحفيان خلق وابداع، وقد استطاع الحفيان برؤيته الثاقبة ان يكتب شعرا يتفاعل مع قضايا وطنه وأهله واصدقائه وادبائه وقد وضع لنا سهما في الحركة الشعرية الحديثة وكان احد روادها وان هذه الحركة ظلت متنامية بتنامى كلمات الشعراء ومنهم الشاعر محمد عبدالحي . وقد كان الحفيان يجد نفسه بين أسماء كمحمد عبدالحي ويرحل محمد عبدالحي ويمتلئ الحفيان بالحزن والدموع وينهمر نهراً من الكلمات ويهتف بعبد الحي: هو باقٍ بيننا رغم الرحيل فأفتحوا أبواب سنار له حيث الوصول إنه إجتاز الفيافي والمتاريس إليها والسهول والبراري والحقول عائداً يرفل في الديباج والأحرف والحزن النبيل وأغاريد الصهيل أفتحوا أبوابها الآن فهذا ليس وقتاً للعويل وصيخوا السمع للشعر الأصيل وإلى مبدعه الفذ الذي أزهر فينا المستحيل إن أشعار الحفيان تسبح في ذاكرتي وتخترق نفسي وانها لممزوجة بالحزن اللا محدود فيّ وترجل القلم الجسور إلى روح الشاعر صلاح أحمد ابراهيم: الدمع تذرفه العيون ٭٭ هطلاً رمادي الشجون وتواتر البرق الفجيعة ٭٭ لا يطيب له السكون والروض غادره الهزار ٭٭ فمن يرودك يا غصون العبقري الألمعي ٭٭ الفذ في كل الفنون والشاعر الذرب اللسان ٭٭ «مروض الحرف الحرون وسيظل الشاعر عبدالرحمن الحفيان شامخاً كشموخ القصائد التي كتبها وعطر الارض في صدره يمتزج بقصائده وبكلماته في خفر واشعاع لأنه ولد بجانب النهر ووسط شموس خالدة في نهر النيل وانه لحق لبياتي السودان له التحية ولشندي ولشعراء بلادي ومن الحفيان ليكم السلام وعلى أهل الحفيان السلام وفيها يمتزج المديح بالنشيد...