مضى وبريق حضوره ظل شاهداً على روعته وابداعه الممد فى كل ساحات الوطن الذى تغنى له «يا الفى الجنوب حيي الشمال، يا الفى الغروب ليك شوقنا طال، يا الفى الشروق هاك لحني قال» الفنان الشامل الشاعر والملحن محمد عوض الكريم القرشى حادي «الذكريات» شغل الساحة الغنائية وقتها بفنه الراقي، ومازالت أعماله حاضرة و«قطارها يمر» فى كل محطات الإبداع، ولا يعرف السكون، واغنياته يصدح بها الشباب من الجيل الحالى، لتؤكد ان الإبداع الحقيقى يبقى وان طال الزمن. فى أمسية شهدت عبق «الذكريات» و«قطارها مر سريعاً» أقامت منظمة الأبيض الطوعية للتنمية والتعمير، ليلة لتخليد واحد من مبدعى ابناء مدينة الأبيض «عروس الرمال» الشاعر والملحن الشفيف محمد عوض الكريم القرشى والذى عرف ب «ود القرشى» المبدع الشامل الذى شكل ثنائية فريدة مع الفنان الراحل عثمان الشفيع، ليثمر لقاء الهرمين اعمالاً متميزة ظلت راسخة فى ذاكراة ووجدان الشعب السودانى، حيث قطع الشفيع مئات الاميال من شندي إلى الابيض ليلتقي بود القرشى الذى تحدث عن هذا اللقاء فى مذكراته التي نشرها المهندس والكاتب الصحافي جعفر محمد حامد، في كتابه «صداح حاضرة كردفان»، ويقول ود القرشى فى مذكراته: «ذات يوم أخبرنا حمد أبو ورقة أحد تجار الابيض البارزين ومن مواليد شندي المتمة، أن صديقهم الفنان عثمان الشفيع سيزور الابيض لقضاء اسبوع مع أبناء المتمة، وعثمان آنذاك هو الفنان المحلي لتلك المنطقة، ولم يبرز بعد في العاصمة بصفته فنانا، كما لم يقدم أغنية فى الإذاعة، ووصل عثمان الشفيع الابيض وكرمه أبناء المتمة بحفل ساهر جمع الكثيرين، وكنت أحد الذين وجهت لهم الدعوة، فذهبت متأخرا الى مكان الحفل، وقضينا أمسية ممتعة تجاذبنا فيها أطراف الحديث مع الفنان الزائر، وأعجب جدا بقصائدي وألحاني، وعرضت عليه مسألة التعاون الفني بيننا فوافق مشكورا في الحال، ومن ثم غادرنا الى الخرطوم، وذلك بعد أن زودته بأغنية «القطار المر» وأغنية «دا مدلل سيبوه»، وبعد مضي ثلاثة أو أربعة أيام سمع مجتمع الأبيض بل سمع السودان كله صوت الفنان عثمان الشفيع وأغانيه الكردفانية الجديدة». وقال عنه رئيس المنظمة سيد أحمد يس، ان الشاعر الشفيف محمد عوض الكريم القرشى مسكون بالإبداع، وله بصمة كبيرة فى مسيرة الكلمة المغناة، وكان معطاءً لكل ربوع السودان، ووطنياً غيوراً قدمته مدينة «غبيش» ليلقي خطاب الاستقلال عام 1956م بالمنطقة، تفاعلاً مع الحدث العظيم. وقال عنه المسرحى والباحث محمد عثمان الحلاج، إن ود القرشى كان فناناً شاملاً، وقدم مسرحية اسمها «ضحايا الغرام» أخرجها عبد الرحمن شداد، لافتاً الى انه شغل منصب رئيس تحرير صحيفة «الجريدة» التى كانت تصدر فى مدينة الأبيض. وفى إفادة مهمة قال عنه الجنرال أحمد طه، إن ود القرشي قامة فنية ترفرف في سماء الإبداع، وأشار إلى أن أول أعماله التى وجدت رواجاً فى الساحة الفنية كانت اول لقاء جمع بينه والفنان عثمان الشفيع، ومن ثم كانت الانطلاقة لعدد من الروائع التى جسدت الثنائية بين العملاقين. وتحدث عوض التوم عن قومية ود القرشى، وقال إن الشاعر لم يحصر نفسه فى نطاق محدد، بل غنى لكل السودان شماله وجنوبه وشرقه وغربه، فكانت «الذكريات»، وغنى لشندى و «حنتوب الجميلة» التي أدها فنان الجزيرة الخير عثمان و «حدائق البان جديد»، و «لحن الحياة منك ما تقول نسينا الماضى وصرنا ناسينك» التى كتبها لأم روابة والنهود، ولم يقف قطاره في محطة الشفيع فقط، فغنى له عدد من الفنانين منهم أحمد المصطفى «يلاك يا عصفور» والطيب عبد الله «يا فتاتى». ومن آخر اعماله المشهورة التى كتبها فى سرير المرض بمستشفى الخرطوم الجنوبى بعد رحلة استشفاء بدأت من مصر فى آخر أيامه «عدت يا عيد بدون زهور» التى أبدع فيها على ابراهيم اللحو، ولها قصة طريفة عبر فيها عن عواطف جياشة لفقده أحبائه في العيد الذي أمضاه وهو بين اسوار المستشفى، بجانب انقطاع الممرضة الجميلة التى كانت تتابع حالته فكتب: عدت يا عيد بدون زهور وين سمرنا وين البدور سجنوني في داخل قصور وقالوا عيان لشفاك ندور يا حناناً فاض بالشعور ليه نسيتني وكنت بتزور أين صبحي أين العصور خلدت أجياله سكبت درور جاني يحمل باقات زهور قال طبيبي المنع الظهور وفي أمسية حزينة وبالتحديد في السابع والعشرين من شهر يونيو 1969م، ترجل حادي الذكريات، فروعت كردفان بل السودان قاطبة بفقد الشاعر محمد عوض الكريم القرشي، وكست أثواب الحداد أحباءه وأصدقاءه، ومعجبيه، وفى إفادة تاريخية عن رحيله يقول عبد الله محمد الحسن احد ابناء الابيض: ذيع خبر وفاته فى زواج عبد القادر خليفة، وعندها بكى حكمدار عام الأبيض عبد المنعم جاويش الذى أمسك بالمايكرفون فى الحفل وقال «ود القرشى مات ود القرشى مات ود القرشي مات»، فرحل ود القرشى وترك أعمالاً خالدة تحكى قصة إبداع معتق وبريق لم يخبُ على مر السنين» مخطوط فى سفر «الذكريات».