كان لزاماً علىّ ان اسلم اطروحتي لنيل درجة الدكتوراة في ذات الموعد، مختلساً كل سانحة من خضم مشاغل الدنيا، والتزامات الحياة اليومية، وعقارب الساعة لا تغفل عني لحظة، سباق مع الزمن ولشوط يقترب وتتعالى انفاسي عندما تلوح بوارق الموعد المضروب، كل هذا السباق يأتي مقروءاً وملازماً لثمة صراع داخلي وحديث الذات لا يفتر من السؤال الملحاح، ان كان ما كتبناه وبحثناه في هذه المراجع العتيقة يمثل قناعاتنا ويجعلنا متصالحين مع ذاتنا، والسؤال الاكثر وخزاً هل اضفنا جديداً جريئاً يقتحم بإضاءة ولو باهتة ظلمات مسيرة الهم العام؟. مطلوبات الامانة العلمية والصدق مع النفس وخزات تحملني الى حيز محتقن بقيمة الصدق الموصولة بوحي السماء، فالانسان يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويكذب ويتحري الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وصدق رسول الامة صلى الله عليه وسلم. ولان الآمال تتفاوت والناس في ذلك مذاهب ونحل وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم، تمدد بحثنا «لميس الوطن» الجريح، نطرب مع ذلك الذي ينشدنا بجدودنا زمان وصونا على الوطن، على التراب الغالي الما ليه ثمن، وامتد عشمنا في الق الانتماء والولاء ل «انا سوداني أنا وعازة». وتسوح بي مدارج البحث المضني وتأخذني بين عناوين التعريف والمرتكزات، وكل الغناء للوطن ودوحته الظليلة، ووقفت عند رموزه نماذج للعطاء والتضحية، والبحث يأخذ طريقه رويداً رويدا في مفاصل الوطن الجريح نقلب أوراق الماضي المجيد نقترب من مكمن الوجع «المنوسر» والحزن النبيل. وطن يحفظ التاريخ سبقه وريادته في كل جولات السباق نحو العلا في الماضي القريب، الا ان الماثل امامنا هو وطن مضرج بالدماء، لا يقوى على الفعل الصراح، تعطل بوحه في مقام تنمية الانتماء وتغذية مشاعر الحب والولاء، وحرن قلم البحث في هذه المحطة، كيف يصبح الوطن مشرعاً امام الجميع، وعلى قدم المساواة لا تتقدم الخطى في رحاب الوطن الفسيح الا بمقدار العطاء والاحتراف عشقاً في حياض الوطن؟. وفي هذا التجوال ومحاولات التشخيص اقف عند السياسة وما جلبته لهذا الوطن من مصاعب، وهي في تقديري لب الداء.. والدواء في كيف نتداول هذا الامر بيننا، ولعل المناخ العام الذي يسيطر على الساحة والرياح التي تهب علينا من المنطقة العربية تؤكد زعمنا، فالدراسات تؤكد ان من مقومات التربية الوطنية ان نربي النشء في المدارس على قيم الديمقراطية واحترام الآخر، وان نعلمهم مفردات الحكم الذاتي من خلال الجمعيات التي يحملون مسؤولية الادارة فيها، الا ان الممارسة تكذب ذلك والدليل اننا في الدوحة نناقش توزيع السلطة والثروة، وفي نيفاشا، وفي شرق السودان، اذا الداء عدم التداول السلمي للسلطة، وهو البؤرة التي خرج منها كل المظلومين، ولان المصائب تجمع المصابين، انتظم المظلمون في حركات وجماعات، ويبقى الوطن. محمد النوبي