مناطق كثيرة بولاية النيل الأزرق تعاني نقصا مريعا في الخدمات.. والناظر لمناطق جنوب محلية الكرمك يابوس - ديم منصور - جردان -جرد - شالي الفيل - أنيلي - أليلي وغيرها يجدها تفتقر لأبسط الخدمات خاصة الصحية والتعليمية والمياه .. هذه المناطق من يصدق أن الاتصالات الهاتفية معدومة تماما فضلا عن الطرق التي تربطها ببقية مناطق المحلية.. هذه الأيام مع بدايات فصل الخريف انسدت هذه الطرق والحركة أصبحت تتعثر والوحل بدأ يعوق الحركة المرورية ولا توجد وسائل للحركة الآن سوي الجرارات الزراعية التي تنقل المسافرين من والي تلك المناطق النائية .. من يصدق أن هذه المناطق داخل السودان والهواتف لاتعمل لان شركات الاتصالات لم تصلها ولان الخدمة غير متوفرة هناك .. من يصدق أن الخدمات الصحية معدومة الا في بعض المناطق ،الناس هناك يحتاجون الي الطبيب والدواء الذي يقضي علي الأمراض التي تصيب الناس لكنهم موقنون أن الشافي هو الله لذلك يعتمدون في مداواة مرضاهم علي الأعشاب.. أما الطعام .. فلا يوجد ما يؤكل بعض الناس يأكلون أوراق شجر الهجليج والقنا بعد غليها في النار وهنالك من يعتمد علي صيد الوحوش التي عادت بعد أن هربت بفعل الحرب والسلاح الذي قضي علي اغلبها .. أما مياه الشرب فهي ليست من المواسير ولا من الثلاجات التي يقتنيها غالبية أبناء الشعب السوداني سوي القليل منهم، الماء يجلب عن طريق الحمير واكتاف النساء ليباع في الأسواق حتي يجد البائع مصاريف يومه .. والأغرب من كل ذلك هنالك الأطفال الصغار دون سن العاشرة الذين يذهبون باكرا الي الخلاء لقطع القنا لبيعه لتجار القنا مقابل توفير وجبة واحدة للطفل.. من خلال تجوالي بسوق منطقة يابوس الملئ بالناس من مختلف مناطق السودان رأيت بعض الأطفال دون سن العاشرة وهم يحملون علي أكتافهم حزما من القنا كل حزمة بها «عشر قنايات» وقالوا انهم يقومون ببيعها لأحد التجار مقابل توفير وجبة واحدة عبارة عن كسرة وطحنية للواحد منهم توضع علي صحن صغير فيأكل وجبته ثم يذهب مرة ثانية ليأتي بحزمة قنا لوجبة الغداء ثم أخري لوجبة العشاء لان بيته لايوجد به شئ ، كل الأسرة تذهب للخلاء من اجل هذا الغرض .. وبالرغم من كل هذه الأشياء المفقودة الا أنهم أشداء أقوياء يمارسون حرفة صيد الوحوش .. ووجدت أن من يمارسون صيد الوحوش تتفاوت أعمارهم مابين السبعين والثمانين عاما يقتلون الحيوانات الضارية كالأسود والنمور والفهود والثعالب بالاسلحة البدائية« كالعصي والحربة والكوكاب والسفروق والكلبيتة » أسلحة مصنوعة من الخشب والحديد والحمد لله بالرغم من معاناتهم الا أنهم يهتمون بتراثهم وارثهم الثقافي فتجدهم يتغنون ويرقصون أغاني الزواج والصيد والحرب والشجاعة ولا زال كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم السبعين عاما هم الذين يقومون بذلك ذاكرة كل منهم حية لايقربها النسيان ويرقصون دون كلل او ملل لساعات طوال .. الطبيعة والبيئة التي يعيشون فيها جعلتهم هكذا لم يأكلوا ولم يربوا ما اختلط بالكيماويات التي ظهرت نتائجها في غالبية أبناء الشعب السوداني .. فأصبح الناس الآن عاجزين عن العمل فتجد الشاب في سن الثلاثين يقول لك اني لا استطيع فعل كذا وكذا ويقول لك اني لا أتذكر ما مضي .. أخيرا أقول «الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ» نتمنى من الجهات المسؤولة أن تصل أولا الي أهلنا في مناطق جنوب محلية الكرمك لتقف علي أحوالهم لان من رأي ليس كمن سمع .. فلابد من توفير الماء لهم بحفر عدد من الحفائر عن طريق مشروعات حصاد المياه وايصال الكهرباء اليهم ليستمتعوا أيضا بهذه النعمة وتوفير وسائل الانتاج مثل الجرارات والتقاوي لتعينهم علي استزراع أراضيهم البكر فضلا عن خدمات الصحة لأنهم لايملكون سوي نقاط غيار وتمرجية وحبة دواء وفوق كل ذلك يطالبون بالمدارس لأنهم يقولون العلم نور والجهل ظلام ..