عرف المجتمع السوداني بتكافله وتعاضدة بين جميع افراده في كل حالات الغني او الفقر أو المصاعب أو المكاسب، بيد أن بعضهم نقل الفكرة من عالم مجتمع الفضيلة الى دنياهم الوضيعة، انه عالم «السالف» وهم يسرقوننا مرتين، مرة عندما نهبوا ماشيتنا واخرى عند سرقتهم قيمنا وافكارنا. ولأن المجتمع السوداني بسيط وفاضل فإنه يكرم هؤلاء «الحرامية» بالمثل القائل «المال تلتو ولا كتلتو»، ومن هنا نشأت دنيا السالف. ومفهوم السالف ظاهرة قديمة ومعروفة في المجتمع، ولها تقاليد وعادات واخلاقيات يلتزم بها المتعاملون به، وهي تمارس في منطقة شاسعة من السودان الاوسط، تبدأ من الجزيرة وشرق سنار ومناطق نهر الدندر والرهد والفاو وجنوب وغرب ولاية القضارف وتنتهي بالنيل الابيض. والسالف بكل بساطة عبارة عن مبلغ يدفع فدية لاسترداد الشيء المسروق، وفي الغالب هي الماشية والانعام. وكلمة السالف تأتي من المفهوم نفسه، وكأنك دفعت مبلغاً سلفة لحين استرداد ما فقدته. وفي خلاصة الأمر هو مال متفق عليه بين السارق والشخص المسروق منه، لكن عبر وسيط دون علم الشرطة او الادارة الاهلية، ويقوم صاحب المسروقات بدفع جزء من المبلغ المتفق عليه الى الوسيط وباقي المبلغ عند وصول المسروقات. والوسيط بين السارق والمسروق في الغالب يكون لصاً سابقاً لم يترك السرقة عن توبة حقيقية، بل هو تبادل منافع مع أصحابه، وفي معظم الاحيان يطلق عليه لقب «الحريف» بدلا من كلمة «اللص التائب». وعند حدوث سرقة الابقار مثلا تبدأ محاولات أهل القرية والشخص المسروق منه لاستردادها. وعند العجز عن ذلك يرسل الوسيط اشخاص للتلميح عن معرفتهم بالاتجاه الذي ذهب فيه اللصوص ويطالب بحق «البشارة»، وبعد فترة يعود ويقول لاهل المسروق انه عرف اين توجد الابقار، لكن لا بد من دفع مبلغ للصوص لارجاع الابقار، لكن شرط عدم اخبار الشرطة. وبالفعل يتم دفع مقدم السالف وعند عودة الابقار يدفع باقي المبلغ. وتحدث سرقة الماشية غالبا في موسم الامطار والحصاد، وعند انشغال الناس بالافراح والمآتم. وساهم التوسع الزراعي في زيادة الظاهرة، وذلك عبر اضطرار الرعاة الى الرعي ليلا وهو ما يسمي «السربة»، وهنا يجد اللصوص الفرصة في الليل البهيم ونوم الرعاة وانتشار الماشية. ويعتبر السالف جريمة بنص القانون، والخطورة في السالف تمدده من قطاع الرعي الى باقي الانشطة الاقتصادية. وفي السنوات الأخيرة شاع السالف في جريمة سرقة العربات، وهناك دلائل على وجود رابط بينهما، وهناك بحث قيِّم موجود لدى شرطة المرور عن ظاهرة سرقة العربات، وبه فصل عن جريمة السالف وعلاقته بسرقة السيارات.