مرة أخرى ،يعود مني أركو مناوي ،الذي يتزعم فصيلاً من حركة تحرير السودان ،الملحقة باسمه في اقليم دارفور المضطرب ،الى واجهة الاحداث من جديد،بعد غياب طويل ،فقد انحسرت عنه الاضواء ،منذ مغادرته للخرطوم قبل عدة أشهر هاجراً قصرها الجمهوري ،وساخطاً على أهله وتلكؤهم في تنفيذ ماتواثقوا عليه بالعاصمة النيجيرية أبوجا ،عشية السادس من مايو من العام 2006 ،وهو ما عرف لاحقاً باتفاقية «أبوجا» بين حركة تحرير السودان والحكومة السودانية.وهي الاتفاقية التي لم يكن لمناوي أن يوقعها مع حكومة المؤتمر الوطني ، الا عقب المؤتمر العام للحركة الذي استضافته منطقة «حسكنيتة « ،بعد أن تعقدت مفاوضاتها مع الخرطوم،لتبرز التشققات في صفوف حركة تحرير السودان، تارة باسم المؤسسية،وباسم السلام تارة أخرى ،لينتهي الأمر بعزل عبد الواحد محمد نور رئيس الحركة،وصعود أركو مناوي على رئاسة جزء منها و من ثم، على الطائرة المتجهة نحو الخرطوم ،كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية ورئيسا لماعرف حينها بالسلطة الانتقالية لدارفور.ليفترق «الرفاق» ويعود عبد الواحد الى الميدان، مكوناً حركته الجديدة التي أطلق عليها «حركة تحرير السودان «الجناح الرئيسي»»،بعد أن تشظت حركته الام ،التي ظهرت في يوليو من العام 2002 ،بمنطقة «قولو» في جبل مرة بجنوب دارفور .لكن وبعد مرور خمسة أعوام على اتفاقية أبوجا وتمترس عبد الواحد نور خلف مواقفه بعدم الجلوس للتفاوض مع الخرطوم ،وتأرجح العملية السلمية في الدوحة ،يبدو أن الظروف قد أصبحت مواتية تماما ،لكي يلتئم شمل الرفاق القدامي،فبعد أن غادر مناوي الخرطوم غاضباً ،هاهو يعلن عودته الى الحركة القديمة ،بتوقيعه لاتفاق تحالف وعمل مشترك مع فصيل عبد الواحد محمد نور ،يقضي بالتنسيق التام والعمل المشترك، لتحقيق أمن مواطني دارفور والاهتمام بشؤونهم الانسانية ،حسبما أكد على ذلك الطرفان في بيان مشترك تلقت «الصحافة» أمس الاول نسخة منه ،تبين أن طرفي الاتفاق «مني - نور» قد اتفقا على تنسيق جهودهما السياسية والعسكرية لاسقاط حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم، واعادة بناء السودان على أساس ديمقراطي ليبرالي حقيقي.ويمضي البيان المزيل بتوقيعي مناوي وعبد الواحد، مشيراً الى أنه لايمكن حل أزمة دارفور ،الا في اطار الأزمة السودانية الشاملة ،لكونها جزء من الأزمة السودانية والتي تعتبر أزمة شاملة ذات جذور تاريخية.اذاً اتفق مني أركومناوي وعبد الواحد نور على توحيد استراتيجيتهما في مجابهة حكومة المؤتمر الوطني ،عبر حلول عسكرية سياسية تهدف وفق البيان ،الى اسقاط النظام في الخرطوم ،وابداله بآخر ديمقراطي ليبرالي حقيقي ،مماينبئ بان مناوي ،الخارج لتوه من تجربة اتفاقية سلام ناقص ،قد انضم لصفوف عبد الواحد نور ،الذي يرفض مبدأ الجلوس في طاولة الحوار مع الخرطوم جملة وتفصيلاً ،ولايبدو أن مناوي الغاضب ،سيقبل بالجلوس مرة أخرى مع مفاوضي الحكومة في الدوحة ،فللرجل رأي مسبق في الدوحة كمنبر للتفاوض ،والمبادرة القطرية بالنسبة له تعمل على الجمع بين حركة العدل والمساواة والمؤتمر الوطني ،حسبما يدلل على ذلك مشيراً الى أن جهد الوسيط القطري ،قد اقتصر على لقاء خليل والمؤتمر الوطني و ولم يتحرك باتجاهم بقدر تحركه لخليل ابراهيم ،وهذا ماجعل الاطراف الاخري تمتنع عن الحضور،مشيراً في أخر حديث له عقب مغادرته الخرطوم ان قطر لم تستفيد من محاولات «سرت» الليبية ،التي كانت ناقصة، لكنها كانت اكثر عمقا وادراكا لحجم الأزمة من الوسيط القطري الذي،يرى مناوي أنه اعد» طربيزة بكرسي واحد» خٌصص مسبقا لخليل ابراهيم ، ولاوجود ومكان لبقية الفصائل.وفيما لاتزال المفاوضات مع العدل والمساواة تقف في مكانها،يفاجئ عبد الواحد ومناوي الجميع ،باعلانهم الذي تم بالامس الاول في مكان لم يفصح عنه البيان ،مشيرين الى أن المواجهة هي خيارهم الوحيد ،الذي سيستخدمونه مع النظام في الخرطوم .بيد أن تقديرات مناوي وعبد الواحد تعتبر خاطئة تماماً برأي الامين السياسي الجديد للمؤتمر الوطني الحاكم وأحد الممسكين بملف دارفور الحاج أدم ،والذي أثر في حديثه مع «الصحافة» أمس أن يعلق أوراق اتفاق مناوي وعبد الواحد ،على شماعة نظرية المؤامرة ،مبيناً أن هنالك جهات تقف وراء قيام هذا التحالف في هذا التوقيت بالذات ،لانها تظن أنه بانفصال الجنوب ستجد هذه الحركات ملاذاً ودعماً لمواصلة عملها،ويتابع الحاج أدم ،مشيراً الى أنه ،كان الاجدر بمناوي وعبد الواحد أن يتفقا على الجلوس في مائدة المفاوضات بدلا عن الاتفاق على الحرب،قبل أن يقلل من أهمية الاتفاق وأثره على العملية السلمية التي تقودها الدوحة ،متوقعاً أن لايستمر التحالف بين الحركتين طويلاً.الا أنه ومهما كانت الظروف الدافعة لتوقيع مثل هذه الوثيقة ذات الصبغة التحالفية ،فالخطوة تعتبر ايجابية ،ويمكن أن تتسع لتشمل كل الحركات الدارفورية ،لتكوين رأي عام دارفوري مساند للعملية السلمية من شأنه أن يفتح الطريق أمام الجميع للعمل على ايجاد حل سوداني ،وفق ما يرى بذلك الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المعروف، الدكتور عبد الله أدم خاطر،والذي يبين في حديثه ل«الصحافة» أمس ،أن الاكثر ايجابية في الاتفاق هو نظرته للشأن الانساني ،لكونه يشي بان الطرفين قد استشعرا أن الحالة الدارفورية ،أصبحت أكثر من مأساة ،مشيراً الى أن جميع النقاط التي أتت بها مذكرة التحالف بين عبد الواحد ومناوي يمكن أن تتطور بالنقاش المستمر لاجل ايجاد مخرج وطني لأزمة السودان المستفحلة في دارفور . [email protected]