سجلت الدراما السودانية تراجعاً ملحوظاً في الخارطة البرامجية لمعظم الفضيِّات السودانية، نتيجة لغياب الدعم من قبل أجهزة الدولة المعنية بالشأن الثقافي والإعلامي، حيث تعاني الدراما السودانية من معضلة التمويل، وها هي مستحقات الدراميين على التلفزيون تستدعي التكتل وعقد المؤتمرات الصحافية، نتيجة لانعدام آلية الشراكة المجتمعية مع التلفزيون القومي، على النحو الذي يضمن تمويل الخريطة البرامجية والدراما من خلال الشركات والمؤسسات الاقتصادية المعلنة، أو بالعمل على تقليص الإنفاق على الدراما العربية والأجنبية المستجلبة التي تعكس واقعاً مغايراً لمجتمعنا ومهدداً لثقافتنا وقيمنا السودانية. ثمة عقلية ومزاج متزمت عند بعض صناع القرار الثقافي في السودان، قضت بحل مؤسسة الدولة للسينما، واجتثاث وحدة أفلام السودان، وهجر صناعة السينما المكلفة التي تحتاج إلى مصادر تمويل عالية، وتتطلب بنيات تحتية متمثلة في المعدات والآليات ونظم التسويق ومعامل الطبع والتحميض غير المتوفرة، مما أدى لإصابة صناعة السينما الوطنية بالأنيميا، وأفسح المجال لدخول الإنتاج العالمي للبلاد عبر الأقراص المدمجة، أو من خلال شبكة الإنترنت التي يبرع الشباب في استخدامها في الغالب للإطلاع على المواقع الإباحية، وتلمس المثير من المقاطع الفضائحية البعيدة عن الرقابة المجتمعية. وهكذا أدى التزمت ومنع عرض الأفلام العربية والهندية واليابانية المسيطر عليها رقابياً، إلى تعريض الشباب لموجات التغريب والاستلاب الفكري والثقافي عبر تقنيات العصر الحديث، فما أكثر الموبقات التي تحفظ على ذاكرة الفلاش والموبايل ويتم تبادلها بين المراهقين الأغرار!! لقد حبا الله السودان بطبيعة خلابة ومتنوعة من الغابة للصحراء تصلح مواقع مثالية للتصوير السينمائي، كما يحفل تاريخ السودان بالقصص والحكايات البطولية التي لم تعرف التوثيق بعد، هذا فضلاً عن الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما في إبراز التنوع الثقافي والإثني، وإظهار الترابط والتلاحم بين فئات المجتمع، وتخفيف حدة الصراع بين مكوناته، على ذات المنحى الذي انبرى له الأستاذ الراحل إبراهيم العبادي لتمتين عُرى الوحدة الوطنية في مسرحية «المك نمر» ومواجهة سياسة «فرق تسد» التي انتهجها المحتل الأجنبي. وفي الوقت الذي تحفل فيه الفضائيات العربية بتقديم المسلسلات والأفلام التاريخية عن حياة الشخصيات المؤثرة كفيلمي «ناصر 56» و «أيام السادات»، لم يبرز من رجال الأحزاب العريقة من يمول فيلماً عن جهاد الإمام محمد أحمد المهدي أو حياة الزعيم إسماعيل الأزهري، ولم يجد السودانيون من يجسد دور أمير الشرق البطل عثمان دقنة، فاستعانوا بالممثل المصري «جمال عبد الناصر» ليؤدي الدور في المسلسل الذي مولته قناة «ساهور» الفضائية رغم وجود نخبة متميزة من الممثلين والمخرجين والكتاب الدراميين السودانيين للقيام بمثل هذه المهام الوطنية، وبعد رحيل الفنان إبراهيم خان ها هو «الزول» سعيد حامد يراكم خبرة في الإخراج لم يهيئها له وطنه!!