٭ لا أدري - قلت لوائل - كيف انتشرت تلك الفوبيا السوقية بهذه السرعة، متخذة جميع وسائل النقل العام والخاص والتي أصبح اسمها مقروناً بالبقوليات مثل الفاصوليا، وفول الصويا، واللوبيا، المهم يعلق وائل، بأنها انتشرت عبر ما هو متاح مثل البصات التي ربما، يصبح لها - قنوات فضائية - أيضاً كمن يقول كراسات، تخيل قنوات فضائية للكسرة والملاح تكون باسم عُواسات. ٭ لم أتعرف كثيراً على الأسواق إذ انني اتكهرب باللمس، وبالدّلك كلما دلكت وتوغلت للسوق. اصاب وقتها بالسوقوفوبيا، وانني لما قال لي كمساري بالبص، ادفع؟! سكت ودفعت. ويقال للبص الأوتوبيس والأوتو، هو العالم الألماني - أوتو - أحد مخترعي أنظمة الاحتراق الداخلي الحديث - وبيس هي نفسها - بص - على العموم.. طالب الكمساري راكباً بقيمة التذكرة فسأله الراكب كم قيمتها؟ قال الكمساري جنيه واحد حينها أخرج الراكب ورقة قديمة جداً، من فئة العشرة جنيهات، فأخذها الكمساري، واعطاه تسعة أوراق جديدة مثل مرآة من فئة الجنيه فأبصر الراكب مندهشاً، وأخرج ورقة أخرى قديمة من فئة العشرة ج، وقال مرة أخرى اعطني تذكرة ثانية. ٭ قال وائل الذي يعني اسمه تماماً اسم (ناجي) يهتم بعض الناس بزيارة الاسواق التي هي مكان عرض البضائع - بالمناسبة مقاطعاً، ماذا تعني عرض؟ العرض هو الابراز، الاظهار. قال أبو الطيب المتنبي من أجمل ما قال: ٭ وما أنا إلا سمهريّ حملته فزبّنَ معروضاً وراعَ مُسَدّدا، وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا ٭ وزبّن تعني اندفع والزّبن منها يأتي الزبون؟ الذي يدفع - طبعاً بلا شك - وهل يأتي الزبون بلا شئ! معروض؟ نعم منطقي هذا. لم تكمل لي ما يحدث عند زيارة الاسواق!؟ يا سيدي هناك من امضى عمره وأرهقه - حتى صار ذلك العمر هو الزبون الحقيقي، ها ها.. ولكن دون أن يشتري. وذلك عبر اروقة الاسواق مستفسراً عن كل سلعة عرضت أو أخفيت، ودون أن ينفك عنه حاجز الخوف ليقرر عندها الشراء، بكل صراحة في الشراء يكمن جزء من الشر! ها ها، في الاسواق طبعاً! ألم تستمع لعنترة بن شداد حين يقول: ٭ إذا قام سوق حَرب العوالي وتلظّ« بالمرهفات الثقالِ، - كُنتُ دلالها وكان سِناني تاجراً يشتري النفوس الغَوالي - السوق عويص، وعويص كلمة تعني المعنى الضائع في لغة الشعر، تخيل نفسك تبحث عن قشة في كوم إبر.. - تقصد العكس؟ لا.. يا سيدي لا. ٭ يصاب المشتري بالسوق بالدوّار - أي دوار هو؟.. لابد انه دوار حركة المرور بل الدوار الصداع!! ولكنه مع ذلك يكون قد حفظ الاسعار حتى يصبح مرجعاً في! - في.. في تقلّب الاسعار..! وما يضاف ويخصم من الشمار. يصاب الكثيرون من العاملين بالأسواق بجنون الاسعار، تماماً كما تصاب الأبقار بجنون الأبقار، ولدى البقر مرض يدعى جنون الاعسار يطلقونه على البشر. ٭ كنت أقول لأصدقائي المصريين، ان لديكم حرفا تنطقونه بشكل أصدق من الكشكشة. - أي كشكشة؟ كشكشة القماش؟ - وكشكشة القماش كلمة فصحى! بمعنى تجمع وتقبض لبعضه بعضاً - عدنا في المهم سيدي - - قديماً كان العرب يضيفون حرف الشين، للكلمة التي تنتهي بالكاف، مثل هالك يقال هالكش، قال وائل، وماذا في ذلك؟ قلت بالطريقة نفسها (مالكش دعوة) وهذه هي الكشكشة. أما في تغيير حرف القاف حين ينطقونها ألغا، يذكرون السوق مثل سوق البناطلين والقمصان والذهب. ويقولون «السُّوء» فوافق شنّ طبقاً. ٭ يستريح وائل في أحد المقاهي وينام وانطلق بداخل سوق الحمدية المعروف والمسقوف بدمشق، وحالي مثل حال امرئ القيس تماماً غداة البين حين تحملوا - أي حملوا حقائبهم على «الأوتوبيسات» للسفر، عفواً الابِل. قال حندج بن حجر «امرؤ القيس»: كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحَيّ ناقفُ حنظل. غدائرها مستشزرات إلى العلا تضلّ العقاصَ من مثنىّ ومرسل - العقاص هي بكلات وتوكات الشعر النسائية. - وامرؤ القيس لن يذهب معهم وأخذ، ينقّف الحنظل. (تُقال في العاميّة بمعنى يقشّر - وقد أخذ ينقف الحنظل). أنا بالطبع لن اشتري شيئاً فلماذا أزبّن معروضاً بالسوق؟ ولكني فعلت وهذا هو السوووق!. وأنا في حالة الفزع المصاحب له.. ٭ رأيت لوحة صغيرة كتب عليها (البضاعة التي تخرج من المحل تستبدل وترد قيمتها) آه.. وجدت حلاً أخيراً للمشكلة سألت الرجل صاحب المحل - فضوليا - والذي خالف القانون العالمي ونسى كلمة لا بالجملة المفيد. حين رفض وقتها قولي وقال - لا، لم أنس كلمة لا - فاضطرني ذلك لاتخاذ قرار الشراء، واشتريت منه أشياء. ٭ تجاوزت المحل - وجدت لوحة أخرى مثلها.. هززت رأسي كأني أحاول انهاء الدوار، خرجت من السوق ووجدت محلاً، كتب عليه «كُلْ حتى الاشباعْ) اندفعت بالدخول، وكان محل فُول.. ولكن لم أجد فرصة تؤول، للجلوس وضاعت يا زول، فرصة الحصول على شئ معقول، وأصيبت بالذهول وبالفولوفوبيا. يا للهول!! ٭ قالت لي - بُثينة - مسؤولة الفندق حكمة، وأطرقت حين عدت بخاطري لجميل بثينة - فاسترسلت وأردفت - الحرب العالمية الثالثة تقوم تحت اسم مستعار! وهو (حرب الاسواق والتجارة، ميدانها الاسواق العالمية ومركز اعصارها الشرق الاوسط) - نعم يا بثينة - وفكرت قبل حمل حقائبي، وقلت لها - بثينة - اسم مصغر من البثنة وهي الحيز من الأرض الذي تملؤه الخضرة والأزهار. قالت بثينة - هلاّ سدّدت حسابك أيها السيد - أصبت بالدوار المعروف بالحسابوفوبيا. علي الاسراع لأن الحديث سيطول.