حراك بلا طحين وقرابين مقدمة على طبق من النوايا الحسنة من الخرطوم فى مائدة الحوار بينها وواشنطن، ومازالت الأولى تنتظر كبش فداء لينقذ تطبيع العلاقات المأزومة بين البلدين، ورغم التحركات الإيجابية التى شهدتها الفترة الماضية من زيارات متبادلة للمسؤولين والمبعوثين ظلت المواقف غامضة ولم تثمر بذرة التفاهمات التى باتت تتقلب فى رمال متحركة وتقاطعات داخل الإدارة الامريكية نفسها، وهو ما أعلن عنه صراحة ً وزير الاعلام كمال عبيد فى تصريحات صحفية ارجع فيها التعقيدات التى لازمت الحوار بين واشنطنوالخرطوم لحجم التأثيرات وقوة الضغط والتنافس الحاد بين اليمين المتشدد والمحافظين الجدد. شهد مضمار العلاقة خطوات بطيئة فى مشوار التطبيع بين الطرفين رغم ايقاع الخرطوم المتسارع لرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الا ان تلك المجهودات قوبلت من الإدارة الأمريكية بمواقف متجددة اصبحت رهينة بحل ملفات معقدة بدأت بتصريحات واشنطن انها ستعيد النظر فى علاقتها مع الخرطوم بعد إقرار نتائج الاستفتاء، وعقب زيارة وزير الخارجية علي كرتي لأمريكا صرح مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية إلى السودان، السفير برنستون ليمان، في جلسة أمام لجنة مجلس النواب الأمريكي للشؤون الخارجية، عن تفاصيل خارطة طريق أمريكية للحكومة السودانية، تتعلق بخطوات التطبيع بين البلدين ، وتحدث ليمان في مجلس النواب، عن فحوى خطاب أرسله الرئيس الأمريكي باراك أوباما لحكومة الخرطوم عبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، السيناتور جون كيري، عبارة عن خارطة طريق لتطبيع العلاقات مع الشمال، تبدأ باعتراف حكومته باستقلال الجنوب حال تصويت الجنوبيين للانفصال، وقال إذا استمرت حكومة السودان في دعم الاستفتاء في جنوب السودان، والاعتراف بالنتائج، فإن الولاياتالمتحدة مستعدة لبدء عملية سحب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستئناف الحوار وتبادل السفراء والالتزام بتقوية العلاقات الاقتصادية، وشدد ليمان أن خارطة الطريق لتطبيع العلاقات تعتمد على «أفعال الخرطوم وليس أقوالها»، واكد انه بعد اعتراف حكومة الشمال بنتيجة الاستفتاء سيتم التحرّك لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الا ان قطار الوعود لم يقف فى محطته الأخيرة وسرعان مادفع ليمان ان الأمر لن يتم قبل حل القضايا العالقة «البترول والحدود والجنسية والمياه وقضية أبيي وحل الأزمة في دارفور» ، وأضاف بعد حل القضايا سنعود لكم في الكونغرس لإطلاعكم عليها حتى نفي بالالتزامات التي قطعناها للشمال. ومن جانبها، أكدت الحكومة السودانية عبر وزير خارجيتها علي كرتي ان الخرطوم تنتظر قيام واشنطن برفع اسمها من اللائحة الامريكية للدول الراعية للارهاب، وقال في مؤتمر صحفي «إن هناك عزما أمريكيا نود ان نصدقه بان الادارة الامريكية ستبدأ فورا في الاجراءات المتعلقة برفع اسم السودان من قائمة الارهاب» ، وتابع «نحن نريد افعالا لا اقوالا، وهذه المرة الافعال تقع على عاتق امريكا». وبحسب مراقبين اوضحوا ان الحديث عن حوافز امريكية مبهمة وضغوطات ماضية على أرض الواقع يكشف أن السودان بات تحت سقف «الترضيات والموازنات» بين الصقور داخل أمريكا وليس من باب التقارب والشفافية والاحترام المتبادل كسائر الدول ذات السيادة، ورغم التفاهمات واللقاءات التى انتقلت بالبلدين من مربع القطيعة والكراهية والعداء الى مربع التقارب لا أحد يستطيع أن يجزم بما تستبطنه النوايا الأمريكية فى ظل مستقبل مجهول لا ينطلق من خطوات عملية ملموسة فى مسار التطبيع. وأرجع حزب المؤتمر الوطني التعقيدات التي لازمت الحوار بين الخرطوموواشنطن لحجم التأثيرات وقوة الضغط والتنافس الحاد بين اليمين المتشدد والمحافظين الجدد ما جعل الإدارة الأمريكية في كل دوائرها الداخلية تتخذ القرارات الخطأ، وقالت الحكومة السودانية على لسان القيادى بالمؤتمر الوطنى وزير الإعلام كمال عبيد فى تصريحات صحفية أمس إن الإدارة الأمريكية فشلت في قراءة أوضاع السودان الداخلية حيث كانت تعتقد أن انتخابات 2010م ستؤدي لإنفراط عقد الأمن وأن استفتاء الجنوب سيفقد البلاد مطلوبات الحرية والديمقراطية وسيؤدى لإنفجار الأوضاع الداخلية، وأشار إلى أن الحوار مع الولاياتالمتحدة لن يؤدي لنتائج سياسية واضحة بسبب التنافس والتقاطعات الحادة بين متخذي القرار الأمريكي، ووصف عبيد النظام السياسي الأمريكي بأنه يعاني من إشكالات بنيوية معقدة تجاه كافة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية، موضحاً أن التأثيرات التي ظهرت على خلفية تلك التعقيدات أوضحت للعالم أجمع حجم الأخطاء الجسيمة لدى النظام الأمريكي. وقال إن تعارض المصالح داخل النظام الأمريكي تجاه الحكومة السودانية وبعض البلدان العربية كشف نقاط الضعف الحقيقية داخل متخذى القرار الأمريكي من سياسة موحدة. وبخطاب مرن قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية كاترين فان دي ، عن إفراد الإدارة الأمريكية لاجتماع يعقد أسبوعيا بالبيت الأبيض بشأن السودان، مشيرة إلى أن واشنطن شرعت عمليا في رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على الخرطوم، وقالت كاترين في مقابلة مع شبكة «الشروق» الفضائية «إن واشنطن شعرت فعليا بتحول كبير في سياسات الخرطوم تجاه عدد من القضايا التي تمثل محور الاهتمام وعلاقات البلدين، لافتة الى ان أسباب وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، يرجع الى تورطه في دعم الإرهاب باستضافته لأسامة بن لادن خلال حقبة التسعينيات، مشيرة إلى أن الولاياتالمتحدة شرعت في إجراءات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونوهت الى أن عملية رفع العقوبات تسير حسب خارطة طريق، وأن الإدارة الأمريكية تعمل على أعلى المستويات بداية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجميعهم يولون اهتماما كبيرا بالسودان، وأكدت أن الولاياتالمتحدة تريد استقرار ودعم الشمال، لذلك منحت السودان 10 بلايين دولار خلال السنوات الأخيرة، منها 3 بلايين دولار لدعم دارفور، وحول شكل العلاقات مستقبلا، أوضحت كاترين أن السودان دولة تستوعب أكثر من انتباه لكل صناع القرار في واشنطن من أي دولة أخرى في القارة الأفريقية، مؤكدة أن تعيين الدبلوماسي المخضرم برينستون ليمان مبعوثا خاصا للولايات المتحدة في السودان هو إشارة واضحة أن أمريكا تضع أهمية قصوى لعلاقات أفضل مع السودان. وقال المحلل والكاتب الصحفى عبدالله ادم خاطر ان الدوافع التى تنطلق منها التوجهات الأمريكية تحديداً على عهد الانقاذ التى تتقاطع سياساتها كلية والمقاصد الأمريكية فى المنطقة، واشار الى ان موقف الادارة الأمريكية طيلة حقبتى بيل كلنتون وجورج بوش الابن، لدورتين كاملتين تباينت خلالها المواقف والتصعيد ، وارتفع الخطاب السياسى ونبرته وما تولدت عن هذا الحراك من سياسات وما نتج عنها من أفعال وردات فعل من الجانب الآخر ، أدت الى قطيعة نفسية تأصلت فى الوجدان السودانى الجمعى كونه مستهدف لهويته وقيمه ومعتقداته وأعرافه مهما قدم من قرابين ونوايا حسنة ، ونوه الى التعاون فى مكافحة الارهاب سيظل سجله محل استهداف لدى صانعى القرار فى أمريكا وكل مراكز بحثه واستخباراته ، وسيمتد الحصار والعقوبات والتجويع حصريا على السودان الشمالى الذى يشمل دارفور بالمفهوم الأمريكى الذى يميز بين جنوب البلاد وقضاياها ، وقال خاطر ولم أكن متشائماً فى نظرتى لمآلات الحال مع أمريكا ولا أعلم الغيب أو أعتقد فى التنجيم وضربة الحظ ، ولكن شواهد السياسة الأمريكية وقرائنها تجاه المنطقة عموماً والسودان بوجه خاص كفيلة بالوصول الى نهاية حتمية للدوامة التى توجدنا فيها متاهات السياسة ومن يراهنون على جدوى الحوار مع أمريكا على أهميته لكن نتيجته تظل دون طائل.