مرت العلاقات السودانية التشادية بكثير من حالات الشد والجذب وتأرجحت بين تبادل المنافع والعداء والحرب بالوكالة بإيواء ودعم الحركات المناهضة فى البلدين، فى ظل غياب البعد الاستراتيجى للمصالح المشتركة بين الخرطوم وأنجمينا فى كثير من الأحيان وتأثره بالقضايا القبلية والحدودية المتداخلة، ويرى خبراء ان تعامل السودان مع ملف تشاد يماثل نظر مصر للبلاد باعتبارها الشقيقة الصغرى والحديقة الخلفية، الا ان هذا الواقع اختلف كثيراً بعد أزمة دارفور واتضح جلياً ان «الشقيقة الصغرى تشاد» لها دور مؤثر جداً فى محور الأمن القومى للسودان وان العلاقة بين البلدين يجب ان تبنى على مصالح الشعبين. حيث نظم المركز السودانى للخدمات الصحفية ندوة بعنوان «العلاقات السودانية التشادية» وفى البداية تحدث الناطق الرسمى باسم الخارجية خالد موسى، وقال ان العلاقة بين الخرطوم وانجمينا شهدت كثيرا من التطورات وحالياً تعيش فى أحسن حالاتها وخير مثال لذلك التعاون الوثيق والاتفاقيات بين البلدين وتبادل الزيارات على المستوى الرسمى بداية بزيارة الرئيس ادريس ديبي للخرطوم التى كسرت حاجز الجفوة بين الأشقاء، واعقبتها زيارة الرئيس البشير الى انجمينا فى خطوة شجاعة، كل ذلك كان ذلك كفيلاً بعودة العلاقات الى مسارها الطبيعى ومن ثم التوقيع على الاتفاق الاطارى. وأضاف موسى ان تشاد تمثل رأس الرمح لاستراتيجية الدولة فى سياستها الخارجية تجاه أفريقيا وأبدى اسفه خاصة ان العقلية السياسية طوال الفترات الماضية ظلت تنظر الى تشاد بإطار «الشقيقة الصغرى» وانها الحديقة الخلفية للسودان وهى مثل النظرة التى تعاملت بها مصر مع السودان طوال الفترات السابقة، وغاب عن الوعى انها يمكن ان تشكل تهديداً للأمن القومى السودانى، وقال «الا اننا تعلمنا ذلك مؤخراً ودفعنا الكثير»، وأضاف موسى ان الجانبين توصلا الى ان الحرب بالوكالة تضر بمصلحة البلدين، فى ظل الصلات الوثيقة بين الجانبين والتشابه فى كثير من تفاصيل الحياة بين السودان وتشاد ووجود التنوع الثقافى والعرقى بجانب الامتداد الطبيعى للثقافة السودانية والقبائل المشتركة والحدودية التى تتحرك فى المنطقة، ولذلك لابد ان نستثمر فى الانسان والثقافة والاقتصاد والبنى التحتية فى شعب يعرف عنا كل شئ وبالمقابل نحن نجهل عنه الكثير. واكد موسى ان تطور العلاقة بين الخرطوم وانجمينا سيشهد خطوات ايجابية فى الفترة المقبلة تؤدى الى مصلحة الشعبين الشقيقين، لافتاً الى انه تم الاتفاق على الطريق البري الذى يصل حتى انجمينا ليكون معبراً الى افريقيا، بجانب التوقيع على خط السكة حديد الذى يربط نيالا بأبشى ومن ثم يصل الى انجمينا، ليكون خطاً لتبادل المنافع يربط تشاد بميناء بورتسودان، ونوه موسى الى ان الرئيس البشير وجه بتخصيص حيز مقدر للبضائع التشادية فى ميناء بورتسودان تأكيداً لمتانة العلاقات الأزلية بين الخرطوم وانجمينا. ووصف الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمى خالد سعد الصراعات التى حدثت بين السودان وتشاد بالجانبية، مؤكداً انه لم تنشأ حرب بين الجيشين السودانى والتشادى وان الذى تم عبارة عن «حرب بالوكالة» ودعم للمعارضة فى الطرفين والجماعات المتفلتة التى تثير المشاكل والصراعات فى الحدود، وكشف الصوارمى انه سيتم تفعيل اتفاقية القوات الثلاثية المشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى الأسبوع المقبل لتنفيذ مهامها على الأرض واتخاذ مواقعها لحفظ الأمن فى الحدود، وقال ان مهام القوات تشمل ضبط التفلتات الأمنية فى الحدود الثلاثية بتسيير دوريات مشتركة ومحاصرة قطاع الطرق وعمليات النهب والسلب والتعاون فى مجال اختطاف العربات وتحرير منسوبى المنظمات العاملة فى المنطقة ومحاربة كل من تسول له نفسه الاخلال بالأمن هنا وهناك حسب قوله. واوضح الصوارمى ان تشكيل القوة تم مناصفة بواقع «500» جندى من كل دولة يرأسها السودان حالياً، لافتاً الى ان القيادة بالتناوب كل أربعة شهر على ان تتكفل كل جهة بمتطلبات منسوبيها اللوجستية، واكد الصوارمى ان الاتفاق نص بأن تستعين القوات المشتركة بجيش الدولة الأخرى اذا تم الاحتياج لقوات اضافية لأداء مهمتها. ووصف الصوارمى تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية بالناجحة وانها ساهمت فى استقرار المنطقة وحققت مكاسب عديدة للطرفين، لافتاً الى ان القوات المشتركة الثلاثية بين السودان وتشاد وافريقيا الوسطى ليست لها علاقة بالقوات المشتركة التشادية السودانية، وقال «كل قوة لها قيادتها المنفصلة»، وأضاف ان نجاح التجربة دفع الجانبين الى زيادة حجم القوات التى وصلت الى «1000» من كل طرف بدلاً عن «500» جندي. وأشار الى ان استقرار الأوضاع فى المنطقة بفضل التعاون بين الجانبين دفع تشاد الى الاستغناء وانهاء خدمات القوات الدولية التى كانت تملأ الفراغ الذى كان موجودا على الأرض. واوضح مسؤول دائرة شرق ووسط افريقيا بالمؤتمر الوطنى عبدالحميد البشرى، ان العلاقة بين الحزبين الحاكمين فى البلدين لم تنقطع رغم الخلافات والشد والجذب فى الفترات الماضية، وقال ان الخطاب الدبلوماسى لا مكان له فى عالم اليوم فى ظل غياب المصالح الاقتصادية المشتركة، ونوه الى ان التعامل مع الملف التشادى يجب ان يتم فى الاطار السياسى والاقتصادى وليس الأمنى فقط، وقال البشرى ان تشاد دولة حديثة التكوين نالت استقلالها فى العام 1960 وتمثل الدولة الأهم لفرنسا وتريد ان تحافظ على تركيبتها وولائها وتخشى عليها من تأثيرات دول الجوار، خاصة وانها تقع بين اكبر دولتين فى أفريقيا السودان ونيجيريا ،بجانب تمدد الثقافة العربية فيها. وطالب البشرى ببناء علاقات ذات طابع اقتصادى قوى مع تشاد لأن المصالح الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على استقرار العلاقات بين البلدان المختلفة ومن ثم الاهتمام بجانب الطرق لتسهيل حركة البضائع والبشر، بالاضافة الى مد جسور التعاون الاجتماعية والثقافية وتبادل البعثات خاصة الطلابية وتقديم المنح الدراسية بالجامعات السودانية لتقوية العلاقات. واشاد البشرى بالتوأمة التى تمت بين ولاية الخرطوم وبلدية أنجمينا لأرساء روح التعاون بين البلدين.