* عندما ضمن جمال محمد أحمد مقدمة ترجمته كتاب باذل دافدسن افريقيا تحت أضواء جديده المحفورة التي عثر عليها العالم الجليل انو لتمان في اكسوم في اثيوبيا الشمالية.. كان يرمي الى تأمين ما قاله ديفدسن عن افريقيا ومستقبلها انطلاقا من ماضيها بصورة عامة وماضي مناطق فيها كانت تمثل مهد حضارات وعلوم واكتشافات قبل الميلاد. * أواصل عرض اجزاء من المحفورة التي قال فيها عيزانا وصفا دقيقا لتلك المعركة ولواقع الحال فيها: «شرعت ويد الله في يدي اصارع النوبة، حين خرجوا عن طاعتي وثاروا يفخرون يصيح صائحهم اني لن اعدو التكازي وان جهدت، ركبوا مراكب الغرور يعتدون، لا يرحمون، ضربوا شعوب منقرتو وهاسا وباريا، وكانوا غلاظا شدادا على السود حنثوا بيمينهم الذي اقسموا، وخاضوا الدماء، يفتكون بالشعوب الحمر ولم تكن هذه اول مرة يخرجون، كانت الثالثة وحق عليهم العقاب ذهبوا بعيدا مع الزهو، وذبحوا جيرانهم، لا يستحون او يخافون ثم ارسلت الرسل بادئ الشر ارجو ان يثوبوا لرشدهم وان يرجعوا عن غيرهم، وكانت هي الطامة.. نهبوا رسلي واخذوا من عليهم، كل ثمين يقتنون، وعز عليهم ان انصحهم انا ولكني لم اقنط، بعثت البعوث مرة ثانية، فسبوا البعوث والباعث وكان لابد من حربهم بعدها ففعلت.. تسلحت بقوة الله عضدي دائما، سيد الارض والسماء والناس والبهم، فالتقينا على ضفاف تكازي لدى كمالكي، وذاقوا مرارة الحرب منذ ساعتها الأولى فادركوا الا قبل لهم بجيوشي المظفرة وانقلبوا على وجوههم يفرون. فتقفيت اثرهم ثلاثة وعشرين يوما، وهم يجرون لا يلتفت واحد منهم يخافون ان ينظروا، ذبحت بعضهم ذبحا واسرت بعضهم الآخر وسبيت وغنمت وحرقت لا يصدني عنهم رجل وعاد قومي بالغنائم والاسرى، والمدن تحت اقدامهم جازعة لاهثة مدن من كل نوع، من الحجر بعضها وبعضها من القش، حمل عنها جنودي الشجعان.. غلات خزينه ولحما قديدا وكتلا من النحاس باهرة وحرقوا ما لم يستطيعوا حمله، لا يفيد منه احد، حرقوا قطنا كثيرا ومخازن غلة عدة، وجرى العدو مبهور الانفاس يحتمي بمياه سبدا.. سبح بعضهم عبر النهر ومات بعضهم يجاهد، وان كنت لا اعرف لم مات منهم وكم عبر، تكاثروا على القوارب لعلها تنجيهم، تفرق الرجال والنساء وهم يتزاحمون، واسرت بعدها زعيمين كبيرين جاءا يجوسان منازل الجيش يتجسسان سقتهما امامي على جمليهما يرتعدان احدهما اسمه يساكا الاول والثاني بتالي الاول وكان من اسراي نبيل منهم اسمه انقبناوي واسرت كثيرا غيره من الرجال دانو كوي الاول ودقالي الاول وانا كوي وساق جنودي سوقا قسهم الاول.. اخذوا تاجه الفضي من رأسه كما اسروا حواريه سيدهم وكار كارا، سقط خمسة زعماء في المعركة وسقط قس وما كان لهم ان يفلتوا فنحن اقوياء اشداء بعون الرب سيد السماء والارض. * والمحفورة طويلة اوردها جمال محمد أحمد كلها وهي كما رأينا عبارة عن رصد لمذكرات الغازي عيزانا.. ويقول صاحب المقدمة انا لا اكتب تاريخا افصل فيه حياة هذه الجزيرة العظيمة مروي فقد أتى على كثير منه هذا الكتاب.. يعني كتاب افريقيا تحت اضواء جديدية لباذل دافدسن الذي احثك على قراءته بهذه المقدمة ولا يعنيني هنا الا ان انبه لهذه المحفورة المنظومة التي تصف الجزيرة ومدنها الكبرى وقراها العدة وتبين الذي كان بينها وبين اكسوم من صراع للسيطرة على تجارة المحيط الهندي.. نفست اكوم على مروي تجارتها الزاهرة وثقافتها المزيج البديع فوقفت في وجه قوافلها الكثيرة للمحيط وتحرشت بها سنوات وقرون تحميها جبالها المنيعة ووديانها الكثيرة كالمتاريس حول المملكة التي اوردنا بعضها يقول جمال محمد أحمد انها اثر مفتاح لحروب العهد الاخير من حياة مروي على ان بعضهم يعدها ضوءا منيرا على ظهور النوبة في التاريخ الموثق او المحفور ان اردت فكاسو هذه التي يتحدث عنها عيزانا ليست غير كوش مملكة مروي والنوبة الذين يشير اليهم هم النوبيون الذين عايشوا المرويين صوب الشمال بعد ان اخذوا عنهم عنوة فيما يقدر البعض وتحالفا راضيا فيما يقدر الاخرون بعض مدنهم ثقافتها الغالبة وحضارتها الذائعة نزحوا لاقليم من غرب السودان الحديث في جبال النوبة وفي جبال ميدوب وحول تلك الجبال فيما يرجح دارسو اللغات القديمة المقارنة ويبدو لهم ان هذه المحفورة اول اثر موثق يشير الى هذا القوم في التاريخ وهم الذين ورثوا الاقليم كله عن مروي بعد ان خربت على يد عيزانا وقومه وهم الذين حفظوا على الاقليم صلاته العديدة بخارجه باعتناقهم المسيحية واقامتهم ممالكها الثلاث عند فرس ودنقلا العجوز وسوبا العواصم التي لاتزال تفاجئ الباحثين كل حين بجديد عن ممالكها القديمة.. نوباتيا.. ومقري وعلوة.. ممالك تحتل في التاريخ العالمي مكانا ما عرف الا قليله الآن توجت اخريات ايامها بالدفع عن عقيدتها وعزتها امام الزحف العربي الذي احتضنته من بعد وقد اهتدت بهدي الاسلام وآمنت به طائعة غير عاجزة «رماة الحدق» وما كانوا عجزة لهم في سيرة العصور الوسطى مكان جلاه المقريزي في مواعظه والمسعودي في مروجه تجليه نشير الى هذا الذي تقول به المحفورة من ان النوبة وقد آلت اليهم حضارة مروي وثقافتها كانوا الشوكة في جنب عيزانا يغيرون على الشعوب الحمراء في مملكته وعلى رعاياه من قبائل بربر الحديثة وسواكن.. اواصل مع تحياتي وشكري..