٭ تحدث باذل دافدسن في كتابه افريقيا تحت اضواء جديدة عن القارة الكنز، واثبت دورها القديم في التاريخ قبل ان يدخلها الرجل الابيض ليحملها الى عالم الحضارة والمعرفة كما يدعي، ووقفنا مع مقدمة جمال محمد احمد لترجمة الكتاب وعرضنا لمحفورة عيزانا. ً٭ واليوم اختم وقفتي العابرة والتي كانت بمناسبة الخامس والعشرين من مايو يوم افريقيا العالمي.. اختم وقفة التحية تلك بالحديث الذي قاله باذل عام 8591م عن مروي. ٭ «مروي على الانسانية ان ترعاها وان تكشف ما في بطونها من ذخائر.. انها من اعظم ما خلف العالم القديم والتاريخ الذي تحتويه شطر من تاريخ الانسان جليل القدر، علينا ان نجلوه فالواقع الذي لا يزين الآن هو اننا لا نعرف عن الحياة التي عاشها الانسان في مروي وسائر مدن كوش.. اكثر كثيرا مما عرف هيرودتس قبل اربعة وعشرين قرنا مضت الآن جلس ذلك المؤرخ الطلعة الى كهان انس الوجود آنذاك يسأل عن تلك المدينة التي سمع اصداءها في تجواله وسجل عنهم ما سجل ولم يكونوا بأعلم منه. ٭ تقع بقايا مروي مائة ميل شمال الخرطوم الحديثة ولا تبعد عن مدينة شندي على النيل الا قليلا صوب الشمال.. ترى اهرامها الملوكية من بعيد وبينها وبين النيل سهل من الحصى يمتد ميلين عرضا.. تتموج فيها الارض وتنحني هنا وهناك عليها تلال طويلة منخفضة تشير الى حيث كانت مروي يوما من الايام زاهرة منتعشة، وهذه لا شك اثرها الذي بقى على الزمن وقريبا من النهر يقع «معبد الشمس» الذي تسامع به الناس في كل ركن من اركان العالم المعروف، وخرج هيرودتس يسأل عنه فيما كان يسأل. وقد حفر علماء الآثار بعض اجزائه وعرفوا عنه قليلاً لم يغنهم بعد، وبجانب هذا المعبد يسير قطار يصل الشمال بالعاصمة الحديثة بين كومتين من تراب يخالطه حصى اسود لامع.. تبلغ كل واحدة منهما ثلاثين قدما في الارتفاع.. وارجح القول ان هذه الحجارة اللامعة هي آثار من فضلات الحمم التي كانت تخرج من افران صهر الحديد، وليس لنا الا ان نقول ارجح القول لان هذه الذخيرة العلمية الخافية في بطن الارض ما مس منها الا القليل، وللعلماء علينا ان نهييء لهم المال ليمضوا في التنقيب عن موقع اثري لا شك انه اثرى المواقع الافريقية التي لم ينته العلماء من بحثها بعد، ولا يبعد ان يكون اغنى موقع اثري في العالم العريض كله لم يمسه الباحثون كما يريدون بعد. هنا بين هذه التلال الواطئة اليابسة قرب شلال النيل السادس ثروة حرية بأن تكتشف. ٭ في مروي وحولها غير بعيد عنها تقف قصور حضارة ازدهرت منذ الفي سنة او تزيد في جوف هذه الصحراء وحول هذه القصور الآيلة من كل صوب ترتفع اكوام من التراب والحصى ما ازعجتها معاول المنقبين، لا ريب انها بقايا المدينة التي عاش فيها بناة هذه القصور والمعابد يرمقونها من بعيد.. يجول في ردهاتها الملوك والكهنة.. سادة الشعب البناة.. ولن تخطيء قيمة هذه المساكن والقصور والمعابد والتلال ان سعيت بينها على قدميك تنظر بعينيك المجردة سترى اعمدة عريضة من الحجر الاسود القوي قائمة على قواعد عالية فوق سطح الارض نقشت عليها كتابة تعرف عليها العلماء يقرأونها ولا يستيطعون فهمها، وهم يبحثون اليوم عن سر هذه اللغة يريدون ان يكشفوا معانيها، وقد عرفوا حروفها المنقوشة، ثم ترى في سيرك العابر حول المدينة المندثرة وداخلها كسفا من الجبس الابيض كانت تغطي يوما من الايام هذه الحصون اللامعة والمعابد، وفتاتا من فخار مزين وحجارة ما فقدت حتى يومنا هذا شيئاً من اصباغها البارقة، وتلقاك هنا وهناك خراف القرانيت من امون راع إله الشمس قابعة غضبى تلوح وجهها رمال الصحراء سافية الرياح لا يمسكها شيء، وتراها وكأنها آباء هدل سرها في جوفها بعد لا تبوح به. هذا مع تحياتي وشكري