يومان بعد الاربعين هي فقط ما تبقى علي حلول التاسع من يوليو الموعد المضروب لفك الاشتباك النهائي بين شطري السودان القديم، تاسعا سبق بتاسع اخر هو التاسع من يناير الذي اعلن فيه الانفصال وفقا لنتائج المفوضية الخاصة باستفتاء جنوب السودان واعلنت ارقامها بان اهل الابنوس قد اختاروا دولتهم الجديدة كيما تظلهم بظلها وتتجاوز بهم ما اسموه لهيب الوحدة الحارق لخمسين عاما مضت في اطار السودان الواحد . نسبة الانفصال التي تجاوزت 98% وجدت اعترافا من لجان المراقبة ومن المجتمع الدولي وبالطبع من الطرف الاخر المنفصل منه المؤتمر الوطني الذي علق بلسان رئيسه ورئيس الدولة عمر البشير علي قبولهم بخيار اهل الجنوب وباستعدادهم التام للقيام بدورهم الذي تحتمه عليهم المسؤولية باعتبارهم الشقيق الاكبر للدولة التي سيكون رقمها 193 في العالم تلك كانت احاديث الايام الماضيات التي حسمت مسألة احقية مواطني الجنوب في رفع رايتهم فوق سارية مبني الحكومة في مدينة جوبا، وهو الامر الذي تبدو اللحظة الراهنة ماضية في عكس اتجاهه وصحف الامس تحمل في طياتها خبرين الاول يتعلق بنية الجيش القيام بحملة من اجل اجلاء قوات الجيش الشعبي من الشمال، والاخر يتعلق بخبر منسوب للمؤتمر الوطني وامين التعبئة فيه الوزير حاج ماجد سوار يقول بانهم لن يعترفوا باستقلال دولة الجنوب في حال العجز عن اكمال ما سماه حسم ملف الحدود باعتبارها واحدة من ملفات القضايا العالقة التي يجري الان التفاوض بين الطرفين من اجل حسمها ، قبل ان تعاود الشريكين عادتهما القديمة المتجددة في تبادل لغة الرصاص الاعلامي وتغادر الحركة مناضد التفاوض في الوقت الذي اعلن فيه رئيسها ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت عدم رغبتهم العودة للحرب عبر بوابة أبيي لان الامر يعوق قيام دولتهم الجديدة وهو ما بدا الان يلوح في افق تصريحات الطرف الاخر ليجعل من التساؤل حول مدي حقيقة ما طرحه مسؤول التعبئة بالوطني وتبني الخيار مع الوضع في الاعتبارات المترتب عليه من تأثيرات وهو ما يعني ان سنوات نيفاشا الست مضت لنعود مرة اخري لنقطة الصفر وهي الحرب ومدي ردة فعل الطرف الثاني علي تصريحات الطرف الاول الذي بات ينتظر هلة التاسع من يوليو الحلم. في الوقت الذي حسمت فيه نتيجة الاستفتاء مسار الدولة السودانية المستقبلي الا ان قضايا ما بعد الاستفتاء وعدم الاتفاق حولها ستظل شوكة في خاصرة الطرفين او خاصرة شعب الدولة الجديدة والقديمة معا فان جدل العودة للتهديد بعدم الاعتراف بالدولة الجديدة جاء نتاجا لما يحدث الان في أبيي والتي ارتفعت فيها لعلعة الرصاص وصار امرها تحت سيطرة القوات المسلحة وأبيي نفسها تبدو أس الأزمات في طريق الشريكين فان استباق دولة الجنوب للاستفتاء المزمع عقده فيها وجعلها جزءا من دولة الجنوب يبدو اول عقدة في المنشار وتصريح الطرف الاخر بان اعترافهم بالدولة رهين بالالتزام بحدود الاول من يناير 1956 وهو امر اخر تختلف حوله الرؤي والاتجاهات بين الطرفين وهو ما يبرر الخطوة التي اتخذتها الحركة ورد الفعل من الوطني في عطبرة امس ونقطة اخري تتعلق بحراك الشعبين شمالا وجنوبا وما يمكن ان يمارس من ضغوط تظهر في قرارات سياسية البعض يري ان الخطوة المتعلقة بعدم الاعتراف هي روشتة حرب امر تدعمه الكثير من الشواهد علي الساحة الان، ومحدثي عبر الهاتف المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد حمدنا الله عبد الحافظ ،حينما سألته حول مدي المترتب علي عدم الاعتراف بدأ حديثه متشككا في صدق الخطوة نفسها، مشيرا الا ان الوطني سبق واعلن اعترافه بما تؤول اليه النتيجة واحترامه لمترتباتها وكان يعلم ان الخطوة يمكن ان تأتي بالانفصال بل ان رئيس الجمهورية خاطب اهل الجنوببجوبا معلنا ترحيبهم باي خيار يتبنونه والحركة نفسها فعلت كل الذي فعلته من اجل الوصول لتلك النقطة مما يعني ان التراجع عنها يعني العودة لمربع الحرب والصراع وتصريح سلفا الاخير وقوله بان اي محاولة لتعكير مزاج الاحتفال سيقفون لها بالمرصاد فما بالك بعملية القفز علي النتائج نفسها، الا ان حمدنا الله يعود للقول بان القضايا المختلف حولها الان ستظل حجر عثرة امام استقرار الطرفين شمالا وجنوبا وهو ما يتطلب منهم وضع نهاية لها، قبل ان يعود ايضا ليقلل من التصريحات، مشيرا الا انها يمكن قراءتها في اطار التصعيد الاني بعد تداعيات أبيي الاخيرة وايضا يمكن قراءة التصريحات في اطار ردة الفعل لما نقلته «الصحافة» الخميس الماضي عبر نية الحركة قطع المفاوضات مع الشمال، وقال وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب القيادي في الحركة دينق الور ل«الصحافة » ان السيطرة على أبيي من قبل الخرطوم اغلقت الباب امام الحوار في جميع القضايا المتبقية من نيفاشا وترتيبات مابعد الاستفتاء ، واوضح « بدون أبيي مافي حوار في القضايا المتبقية وماحنضيع وقت في الديون ولا الجنسية ولا الموارد ولا البترول « ، وشدد « لن نتحاور فيها على الاطلاق كما لنا الحق نوقف تصدير البترول عبر الشمال «، واردف «مادايريين بترول»، وبتصريحه اوضح الور وبشكل واضح تفاصيل الحراك الاني بين الطرفين بناء علي ما احدثته أبيي وهو الامر الذي يمكن ان يرتفع لدرجات اذا ما وصل الامر للتشكيك في نتيجة الاستفتاء او الاعتراف بها الا ان هذه الخطوة ستلغي كل سابقاتها من خطوات قام بها الشريكان وربما تنطوي عليها نتائج كارثية اقرب احتمالاتها هي المواجهة الجديدة ووفقا لمآلات الوضع الراهن ولتغيرات الساحة السودانية الا نقطة اخري جديرة بالتأمل تتعلق هذه المرة بموقف المجتمع الدولي مما يحدث في سودان اليوم ومجلس الامن الدولي وعلي رأسه الولاياتالمتحدة يعتبر نيفاشا احد منتجاته الايجابية التي يجب الحفاظ عليها وقد اتخذ مواقفه فيما حدث بأبيي مؤخرا وهي مواقف يري كثيرون انها تتواءم ورأيه المسبق المرحب بالدولة الجديدة والداعم لها في اطار صراعه الممتد لعشرين عاما مع حكام الخرطوم وحديثه بان اتفاقية السلام خلقت حالة من الاستقرار لتوازنات في المنطقة ، و اعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عقب ختام مباحثاتهما في لندن ان واشنطنولندن تعملان سوياً لتشجيع أطراف النزاع في أبيي،على الالتزام بعملية السلام وإنهاء الأزمة وتعزيز وجود قوات الأممالمتحدة هناك ، وهي الرسالة الموجهة الان لطرفي النزاع الذي ستزيد احتمالية تجدده في حال صدقت رسائل عدم الاعتراف خصوصا في ظل حالة الترقب من قبل مواطني الجنوب لحلول التاسع من يوليو وحالة القبول بسياسة الامر الواقع السائدة الان في الشمال وقبولهم مبدأ الانفصال كحدث بل ان مسيرة شبابية دعمت خط القوات المسلحة في أبيي بعد انفصال الجنوب . في المقابل يشير مراقبون الا ان الحديث عن عدم الاعتراف الان بالجنوب ودولته الوليدة امر ستكون له تداعياته السالبة وردة فعله علي المستوي الدولي والاقليمي ولكن في المقابل فان عملية حسم القضايا العالقة الان تبدو الحاجة اليها من الاولويات في سبيل السعي لايجاد بنية جديدة للتواصل بين الطرفين مستقبلا خصوصا ان رصيد العلاقات التاريخية والثقافية يدعم مثل هذه الاتجاهات عكس العمل في اتجاه التصعيد العسكري والاعلامي الدائر علي الساحة السودانية الان والذي لن يفيد اي من الاطراف بل يفاقم من درجة الاحتقان ويزيد من احتمالية تجدد الحرب. احتقان الان في أبيي التي هجرها قاطنوها بحسب افادات الاممالمتحدة والجيش يضعها تحت سيطرته بعد ان استمرأت الحركة الشعبية وتمادت في استفزازاتها للشمال وفض المفاوضات بحسب تصريحات الحركة الشعبية ومنسوبيها في جوبا قابله رد بعدم الاعتراف بانفصال قضي امره في التاسع من يناير والتاسع من يوليو بات علي بعد خطوات سترفرف فوقها راية جديدة ووحيدة في جوبا بغير الوان علم الدولة السودانية ونفي بعودة البنادق مرة اخري علي اقل الفروض قبل هذا التاريخ من قبل الجنوب ....تعقيدات بعضها فوق بعض، ومصير ما زال يكتنفه الغموض الذي يكتنف مدي صدق التصريحات نفسها وتحولها لافعال وسياسات في الدولة السودانية ..