الاعلام يمثل حجر الزاوية في العملية الانتخابية واصبح الاعلام حديث القيادة السياسية في البلاد قبل بدء الحملات الانتخابية، والحديث المتكرر عن تساوي الفرص وغيرها وبالتأكيد للاعلام اهمية قصوى في تثبيت دعائم الديمقراطية التي تبحث عنها كل القوى السياسية بعد فترة غياب دامت عشرين عاما في ظل حكم تحول عدة مرات مع الاحتفاظ باتجاهاته السياسية، فبدأ حكم الانقاذ بالشرعية الثورية من (98 3991) حيث تم حل مجلس قيادة الثورة في عام (3991) ورفض بعضهم هذه الخطوة باعتبار ان الثورة تحتاج لمزيد من الوقت وهي بالزي العسكري لتنفذ العديد من البرامج، وان التحول بهذه السرعة قد يزيد من الطامعين الذين يريدون النهاية السريعة (للانقاذ الوطني) خاصة وان الشائعات ملأت في ذلك الوقت ان هذا النظام لا يستطيع (الصمود) اكثر من هذا. حتى عندما خرج (الصادق المهدي) يوم زفاف ابنته (رباح) الى اريتريا خرج على اثر معلومات استخباراتية تقول ان نظام الانقاذ الوطني على وشك (الانهيار). فلهذا خرج السيد الصادق المهدي ليأتي بعد (شهر) أو يزيد قليلا محمولا على الاعناق، ولكن خاب (ظن) السيد الصادق و(كذبت) المعلومات الاستخباراتية، ورغم كل المؤامرات التي حيكت ضد (الانقاذ الوطني) من حصار اقتصادي ودبلوماسي وحروب بواسطة حركات تمرد واستعداء الجيران وغيرها من المحاولات ظلت حكومة الانقاذ مستمرة الى ان وقعت اتفاقية السلام في (5002م) التي قضت بقيام انتخابات ضمن ايفاء استحقاقات هذه الاتفاقية والتي اتاحت لكل القوى المعارضة بشقيها (المعارضة المسلحة) و(المعارضة السياسية) ان تجد فرصة وتشارك في التحول الديمقراطي وتعميق مبدأ التبادل السلمي للسلطة. وكما اشرنا الى ان الاعلام يمثل حجر الزاوية في هذه العمليات الديمقراطية لأنه وبه يزداد الوعي عند الناس وبه ايضا يعرف الجمهور البرامج الانتخابية وبه وعن طريقه ايضا يعرف الناخبون التصورات والمقترحات واساليب معالجة القضايا التي تؤرق المواطنين مثل قضايا الصحة والتعليم والتنمية وقضايا المزارعين والرعاة وأهل الصناعة والقضايا الاجتماعية والسياسة الخارجية وغيرها وبالاعلام ايضا يستطيع الناخب ان يميز بين البرامج المختلفة لكل حزب ويقف على الرؤية الثاقبة والناجعة لحل المشكلات. ولكن يلاحظ مع دوران الحملات الانتخابية الهجوم الشديد على وسائل الاعلام من قبل الاحزاب والمرشحين خاصة لرئاسة الجمهورية، وقد يكون هذا الهجوم مبررا لبعض القوى التي تريد ان ترسل اشارات او تريد ان تحدث (فرقعة) تحاول ان تحرك بها ساكنا او تشغل اذهان (الناس) عن امر ما فلهذا اتجهت تلك القوى للحديث عن الاعلام. وبالطبع كانت (الفضائية السودانية) هي المحطة الأولى لذلك الهجوم وكان (السهم) الاول يخرج من مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر سعيد عرمان، ليعلن دون دوافع حقيقية لانسحابه من الزمن المقرر له في الاذاعة والتلفزيون بحجة انه منح عشرين دقيقة وباقي اليوم (04:32) ساعة مخصص للمؤتمر الوطني، ولم يقدم بالتأكيد تحليلا مقنعا لخريطة التلفزيون البرامجية التي هي بالتأكيد مقسمة بنسبة على مجالات مختلفة اذا كانت برامج سياسية او منوعات او رياضة او ثقافة او برامج دينية وترفيهية لم يقدم عرمان تحليلا يؤكد فيه بالدليل القاطع والبرهان الساطع ان هذه الخريطة البرامجية بشكلها المجاز هي تصب في خدمة المؤتمر الوطني. وبالتأكيد كما هو متوقع لم ترد ادارة التلفزيون على هذه الاتهامات التي تكررت ايضا وبذات الاسلوب من مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر ولكن حاتم السر لم يقاطع وظل يستفيد من تلك المساحة التي خصصت له. وإدارة التلفزيون لم ترد على اتهامات عرمان ولا حاتم السر باعتبار ان هذا الامر أتى من المفوضية واما هذا الجدول المخصص وهذا الزمن المخصص فتم عرضه من قبل المفوضية ووافقت عليه كل الاحزاب، وبالتأكيد ان إدارة التلفزيون لم تنجر وراء هذه الاتهامات وظلت تنفذ بقية الجدول الصادر من المفوضية دون اخلال به اذا كان لصالح المؤتمر الوطني او غيره. وغير بعيد من التلفزيون لم تسلم الاذاعة السودانية من (الأذى) رغم انها لم تتعرض لأي انتقادات اذا كانت موضوعية او غير موضوعية في المرحلة الأولى. وفجأة ظهرت الاذاعة على السطح بعد الانتقادات التي لقيتها من حزب الأمة بعد التسجيل الثاني لرئيس الحزب السيد الصادق المهدي حيث اشار بيان صادر من الحزب ان الاذاعة أبدت ملاحظات على حديث السيد الصادق الذي فيه (محاذير) اذا كانت يرفضها توجيه المفوضية، او ترفضها (المهنية) وهذا ما اتكأ عليه الاستاذ عبد العظيم عوض في رفضه لبث حديث الصادق المهدي بدون (مونتاج). ورغم التوضيحات الصادرة من الاذاعة حول ملابسات هذا الامر الا انه لم ينج الاستاذ عبد العظيم عوض من قلم السيدة رباح والذي كال المدح بالمقابل للاستاذ معتصم فضل مدير الاذاعة، وقد تكون هدفت (رباح) من هذا الى حفظ (الود) قائما مع الاذاعة ان لم يكن لاهداف (سياسية) يكون بغرض الحفاظ على (جيرة) ممتازة لا يعكر صفوها السباق السياسي. واذا خرجنا من الاذاعة والتلفزيون اللذين يتهمهما السيد مرشح الحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان بانحيازهما الى (المؤتمر الوطني)، نجد ان الحركة الشعبية غير بعيدة من هذه الاتهامات فقد اغلقت الحركة الشعبية محطتين اذاعيتين في الجنوب بحجة انهما بثتا برامج لمرشحين مستقلين، وواضح من هذا التصرف ان الحركة الشعبية لا تريد منافسين معها في جنوب السودان اذا كان من الاحزاب الجنوبية او الاحزاب الشمالية، ولم يجد أي حزب فرصة غير الفرص التي اقتلعها (المؤتمر الوطني) عنوة واقتدارا او غير الفرصة التي وجدها حزب (لام اكول) الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي. واذا عدنا للخرطوم فنجد ان هناك معركة نشبت بين المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه د.حسن الترابي والمركز السوداني للخدمات الصحفية (smc) بعد ان بث الاخير حديثا زعم انه للترابي يهاجم فيه قوى تحالف جوبا ورد حزب المؤتمر الشعبي عن طريق امينه السياسي كمال عمر بعنف وساق اتهامات للمركز واتهمه بتبعيته لاحدى المؤسسات القومية، ولكن ادارة المركز قالت انها ستتجه الى القضاء لرد الظلم الذي وقع عليها من حزب المؤتمر الشعبي وأمينه السياسي. ولم تكن وكالة السودان للانباء بعيدة عن اتهامات بعض السياسيين ووصلها (رشاش) خفيف من بعض تلك القوى لأنه لم يصل مرحلة (العيار ما بيصيب بيدوش). اما الصحافة السودانية فقد وجدت من الحملات الانتخابية ضالتها ووجدت سوقا رائجا في تغطية الندوات السياسية والليالي والمؤتمرات الصحفية بل والاعلانات. ولم تصنف الصحافة الى التصنيفات من نوع ان هذه الصحف موالية للمؤتمر الوطني وهذه موالية للقوى الاخرى الا ان هناك صحفا معروفة التوجهات مثل صحيفة (الرائد) التابعة للمؤتمر الوطني، و(الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعي وصحيفة (الانتباهة) التابعة لمنبر السلام العادل، وصحيفة (أجراس الحرية) المصنفة في اتجاه الحركة الشعبية، وصحيفة (صوت الأمة) لحزب الامة. اما بقية الصحف الاخرى فلم تصنف بانها (رسمية) أو (شبه رسمية) او انها موالية للحزب الفلاني. وربما كانت الصحف أحرص من غيرها لاتخاذ اسلوب المهنية حتى تضمن لها مساحة في هذا (الموسم السياسي). وعلى كل لم تسلم اجهزة الاعلام من مدافع القوى السياسية وان كان هذا طبيعياً في مثل هذه الحالات أو هو جزء من اللعبة السياسية.