الأخ العزيز، الشيخ حسن فضل الله سبحان الله، القلوب شواهد. ففي ذات مرة كان الاستاذ كامل عبد الماجد شفاه الله في طريق عودته من الشرق الى الخرطوم واتصل بالاخ كباشي صديقه العزيز ليخبره بانه في طريق عودته فأصر الاخ كباشي الا ان يتناول كامل عبد الماجد وجبة الغداء معه في القطية وبالسرعة والترتيب معاً جُهز الغداء واجتمع الاصدقاء ليقرأ عليهم كامل عبد الماجد قصيدة الزمن السمح في حضرة وضيافة الزول السمح شفاك الله ورد عليك نعمة الصحة والعافية «اخونا كامل عبد الماجد» فهل كانت مصافة ان كان عنوان موضوعك عنه كباشي رجل من الزمن الجميل ام لان الذهب لا يوصف بالسواد. وقف المرحوم الجمري محمد احمد يؤبن عوض السيد طه فبدأ قائلاً: «آمنت ان الموت حق لكنه عجّل بالخيار» مات كباشي بله الرجل الامة، رحل عن هذه الفانية وتركنا ايتاماً لا بفقد والد لكن لان هناك خصالا كثيرة أصبحت تشكو اليتم والملاذ. من أين ابدأ اخي العزيز عن الراحل؟ عن كرمه، وشهامته، ام المروءة، والاخلاق العالية؟. يحكي عنه الناس الكثير من المواقف الاصيلة ونحن نفاخر بها ولو ذكرنا ما ذكرنا وهو حي بيننا لتعجب من تعجبنا لانه كان يفعل ما يفعل لانها جزء من ذاته ولم تكن صناعة تايوان او تجميع ماليزيا. يده ممدودة لكل محتاج في غير منٍ ولا اذى، يعطى بيمينه دون ان تعلم شماله، لا يفاخر بذلك ولا يباهي ويرجو من ربه الثواب والقبول. كباشي، فقد لكل المنطقة، من كل النواحي؛ رياضية وادبية وسياسية واجتماعية، يستقبل الوافد الجديد على المنطقة من العاملين بالدولة في اي موقع بالمدينة ويودع المغادر، وبين الاستقبال والوداع تكثر عنده الحوائج وحل المعضلات، ولا يستطيع اي منهم ان يحسب له دخول مصلحة او فائدة شخصية عليه من هذه العلاقة. كان مكتبه ملتقى لكل الوان الطيف السياسي؛ مؤتمر وطني وحزب امة واتحادي وشعبي وحركة وغيرهم يأكلون في إناء واحد ويشربون من مصدر واحد يوزعون البسمات والامنيات ولو حُكم السودان بهذه الروح العالية التي كانت في مكتبه لما دخلنا حرباً ولا اهلكنا ضرعاً ولا زرعاً ولظل نشيد صديقنا منقو سلاما جمهورياً. كان هذا وهو حي بيننا واخذه القدر منا فاجتمع في بيت العزاء رجال فرّقت بينهم المنون والسنون والظنون والبحث عن لقمة العيش رجال صنعوا لهذا السودان تاريخا خالداً اسمه مشروع الرهد الزراعي دخلوا المنطقة والثعابين فيها على قفا من يشيل والجهل هو المسيطر ورغم هذا وذاك استطاعوا ان ينتجوا محاصيل وان يبنوا انساناً. جلس صديق عابدين، خضر بابكر، الفاتح إمام، فتح العليم، دكتور قنديل، حمدي عباس، السر عبد الرحمن، بروفيسور مامون ضو البيت، بروفيسور حسان، مساعد بابكر، يوسف دين، صلاح بكري، صلاح عبد الظاهر، علي بابكر، صديق عبد الله، جلال عبد الكريم، وكل منهم يذرف دمعه ويعيد شريط ذكريات كان هو جزءا منها وكباشي قاعدة مثلثها «معذرة لمن سقط اسمه فالمصيبة اكبر». رغم الداء والالم جاء عبد الباقي علقم وعثمان القمز وامين الصادق ولولا طلاق من الاخ كرار لحضر الامين دقيس. ولعل هول الفاجعة ومرارة الصدمة التي جعلت مبارك خليفة يغير مسار العربة من المكتب الى مدني ليلحق بالجثمان مشيعاً ويترك على فرح عقد كريمته وهي اول مناسبة زواج له في اسرته ليلحق ايضاً بموكب التشييع. ما اعظم الوفاء في زمان صار الوفاء فيه نادراً ندرة اسنان الدجاج. اصر الاخ اسماعيل صبير الا يغادر صيوان العزاء ابداً وتابع الاهل حتى سنار بل ان عثمان الشيخ وصل الى منزل الاسرة بمدني مباشرة من مطار الخرطوم دون المرور بمنزله بالخرطوم. وهذه يا عزيزي هي اخلاق اهل الرهد التي فشلت الهيكلة والخصخصة والمعاش والممات ان تنال منها بل صارت ميراثاً تمثل في حضور ابناء المرحوم السر اسماعيل والمرحوم عثمان محمد خير والمرحوم رحمة الله مصطفى وغيرهم ولك ان تتخيل منظر بائعة الشاي حياة التي اتخذت من مكتبه مكان تأمين لعفشها ومن مرتادي مكتبه زبائن لسلعتها وله عليها اياد بيضاء فقد حضرت الى منزل العزاء وهي لا تعرف الا الفقيد وبكت وأبكت وهي صادقة في كل دمعة ذرفتها عليه. ذات مرة ذهبت الى مدينة مدني لمقابلة الطبيب برفقة زوجتي والذي هو دكتور شريف مكاشفي الذي سبق لي وان التقيته مع اولاد العم بله وقررت الا أذكره بهذه المعلومة حتى لا تأخذ اي تفسير وتركت الامر لاخلاقيات الطب فتعامل معي معاملة هي قمة التحضر والانسانية وطلب مني المبيت بمدني استعداداً لمقابلة في اليوم التالي ووقتها كانت الساعة الحادية عشرة مساءً وذكرت له بأني راجع الى الفاو وسأحضر غداً في المواعيد لان معي عربة وطلب مني الاتصال على جواله لحظة وصولي للفاو وقد كان فذكرني بالحضور في المواعيد ثم اتصل هو شخصياً في الصباح الباكر ليسأل عن حال الزوجة المريضة ويذكر بالمواعيد وبالفعل حضرت وقبل ان اكمل بعض الفحوصات ارسل احد العاملين معه لشراء لُعب لطفلنا الصغير وحلوى وبسكويت وقرر لنا العلاج وقال لي العلاج ده غالي، قلت ما في مشكلة. وقال لي: «خلاص عايز تورينا حُبك لزوجتك» وبحث عن عينة طبية مجانية واعطاني اياها، عندها قلت يا دكتور سبق ان التقينا مع ناس معتصم بله وكباشي والسفاح فما كان منه الا ان قال لي يا أستاذ: الناس كوم واولاد حاجة صُلحة ديل كوم براه.. وقد صدق فوالدتهم كانت تكرم الضيف وتزور المريض وتصبّر المكلوم رحمها الله رحمة واسعة أنا الآن أرفق شفقة على اصحابه محمد يوسف حاج عمر، عابدين علي يوسف، الريح ابو حوة، مامون عثمان، وود العجب فقد جمع بينهم حب الخير وخدمة الناس وبفقده يفقدون ركنا مهماً من اركان مجموعتهم فقد كانت العلاقة بينهم كل يقوم مقام المجموعة في عمل الخير فلهم الله من بعده ويتقبل الله منهم. من الصفات التي لا يعرفها اغلب الناس عن الاخ كباشي حبه للنظام، فكل شيء في حياته بنظام ولكل شيء موضع معين وطريقة معينة ويعرف من اول لحظة لدخول المكتب او المنزل او قيادته للعربة ان هنالك شخصاً أخل بالنظام وفشل جميع من حوله في التعامل معه على هذا النمط الا اسماعيل صبير فهو مثله في كل شيء وفقده بالنسبة له أصعب شيء فلك الصبر وكذلك للسباعي. عرفت الفاو في عهد رئاسته للنادي الاهلي اندية كل المناطق التي تزور المنطقة لعلاقته حتى ان حامد بريمة وهو في قمة مجده اصاب مرماه هدف من اولاد كباشي. المرحوم حمام، عبد الحفيظ، عوض عبد الفراج، حمودي، محجوب قرنق وغيرهم. كان يدفع الناس لمكارم الاخلاق واكرام الضيف يدفع من ماله ليكرم غيره الضيف فقط لانه ضيف المنطقة. فعلها معنا بالحواتة عند زيارة نادي الاهلي وكررها بالفاو عند زيارة تيم التوجيه الموحد بولاية القضارف ونقطة الانطلاق مدينة الفاو واريباي جاهز للنداء وتجهيز السلات ومن مكارم اخلاقه وكرمه ان حضر اليه ذات مرة شخص وحكى حاله ولحظتها كانت وجبة الفطور قد أحضرت بالدين فكتب مذكرة لاحد التجار وارسل احد العاملين معه فاحضر مبلغاً من المال ووضعه في ظرف واعطاه للرجل فذكره ذلك الشاب بان هذا غير ممكن لان الفطور بالدين فقال له ده حكى حاله ولازم نحل مشكلته واذا داير تقول كلام زي ده ما تقعد معاى. حضر عبد الرسول النور القيادي بحزب الامة برفقة الاخ احمد حسين آدم القادم من المانيا في طريقه للحواتة وأظنها كانت اول مرة يزور فيها هذه المنطقة فكتب عن أشياء وظواهر لفتت انتباهه وكان اولها ظاهرة انسان اسمه كباشي بله بالفاو. شكراً ابو عشة وشكراً الاستاذ آدم يوسف ودكتور موسى وعلي الشيخ وعلي احمداى وشكراً دكتور رضوان حضوراً بمدني ومرابطة بسنار وصبراً جميلاً عبد الباقي بشير والامين حسين والهاشمي والاخوة قيادة المزارعين بالمشروع والاخوة العاملين بمشروع الرهد الزراعي من الرعيل الاول وحتى تاريخه. ختاماً استأذن الاستاذ بابكر ميرغني ان أختم بكلماته جاء كباشي الى الفاو موظفاً في المؤسسة فصار من اعلامها ودخل قلوب الجميع لانها وجدت فيه قبولاً لانه من أقل الناس عبئاً على جلاسه او ثقلاً على مقاعديه فهو من رهط كريم لا يصدر منه الا القول الصالح والعمل الصالح. رحم الله كباشي ما كان يحتوي على قبيح وحتى الذين اختلفوا معه كان حالهم حال المجمعين على الحمد ابتلى في جسمه فصبر فكثر عليه الالم فما وهن اللهم جاءك لا قوياً لينتصر ولا بريئاًَ ليعتذر ولا مستكبراً بل مستغفر فهو الضعيف الى رحمتك وانت الغني عن عذابه جاءك فقيراً وأنت الغني فأكرم نزله وأجعله مع الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا واجعل البركة في ذريته. ابني محمد كباشي انت شبيه بابيك بارك الله فيك ابني محمد عبد الله محمد الحسن الولد خال وكباشي خالك. أخوك: محمد عبد المعروف