ابرز ما خرج به اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني ذلكم العزم المعلن على لسان احده الرئيس عمر البشير بحسم المتفلتين، إذ هدد البشير بإبعاد أي عضو من المؤتمر الوطني (يتفلت)، وقال: لن نتردد في إبعاد كل من (يتفلت) ويرفض القرارات الصادرة من مؤسسة الحزب وقال (البتفلت حنبعدو مننا طوالي ما عايزين عضو بتفلت). وبدا غريبا للوهلة الاولى اطلاق حديث عن تفلت، وأول رد فعل كان ان بادر متابعون بطرح السؤال عن أي متفلتين يتحدث رئيس المؤتمر الوطني عن اولئك الذين رفضوا تجاوزهم في انتخابات ابريل قبل الماضي وانزوى بعضهم عن الانظار وتمت ترضية البعض الآخر بمواقع متقدمة في جهاز الدولة، أم عن متفلتين محتملين في طريقهم الى الظهور بعد مراجعات وعمليات احلال وابدال يجريها الوطني في الخفاء ولم تعلن بعد، وقطعا انحصرت الاحتمالات في الخيار الثاني ليطل السؤال التالي له (ماذا يجري وراء الكواليس ؟). تذهب بعض التحليلات الى ان الخلافات تعصف بالحزب الوطني الحاكم ولم يعد سرا الحديث عن انقسامات يشهدها الحزب وقد اشار رئيس حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي، في خطبة الجمعة الماضية الى ان المؤتمر الوطني الحاكم منقسم وشهد رفع مذكرة من نافذين فيه تطالب بالديمقراطية داخل الحزب، وربما كان حديث الرئيس تمهيدا للمعالجة عن طريق البتر بعد ان استعصى العلاج البلدي، وقرأ مراقبون قول البشير في خطابه ان (البتفلت بكون عايز حاجة شخصية) انه بهذا يحتاط لما سيعلن من قرارات بتحجيم مواقف لم تعلن ولم يكشف اصحابها عن انفسهم وينبئ ان يوم البتر والابعاد قد اقترب، ويقول استاذ العلوم السياسية بجامعة امدرمان الاسلامية البروفيسور صلاح الدين الدومة ان الصراع داخل الحزب الحاكم لم يعد مكتوماً ويقول في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف أمس ان الحديث حول غربلة الحزب وجهاز الدولة والاتيان بقيادة جديدة ليس جديدا، وتشير بعض التحليلات الى ان المتفلتين المتوقعين سيكونون (عظمة) كبيرة أي انهم من العيار الثقيل مما استوجب ان يجري التمهيد لفصلهم بتهديد رئاسي يعيد للأذهان ما جرى مع زعيم الحركة التاريخي في قرارات الرابع من رمضان، وفي هذا السياق قرأ مراقبون تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية نافع علي نافع لمراقبة الرسوم والجبايات واتخاذ اجراءات صارمة لتعزيز الشفافية والرقابة والنزاهة في وجود نائب رئيس الحزب لشؤون الدولة علي عثمان محمد طه. ويذهب تحليل آخر الى ان البشير يحاول استباق اندلاع ثورة شعبية قال كثيرون ان شروطها متوفرة،منهم الامام الصادق المهدي الذي قال امس ان احتقانات السودان أكثر حدة منها في البلدان الأخرى، والدكتور حسن الترابي الذي اشار في احاديثه الأخيرة بالعاصمة القطرية بأن الوضع في السودان يدعو الناس للانفجار، مرجحا ان لا تكون الثورة الجديدة ثورة نخبة كما حدث من قبل مرتين في اكتوبر وابريل، وكما يقول القيادي بالحزب الشيوعي الدكتور الشفيع خضر فان القوى السياسية ذات المرجعيات الآيديولوجية المتماسكة، يسارا أو يمينا، هي المعنية، أكثر من غيرها، بسؤال التغيير المطروح في المنطقة. ولا مناص أمامها من التصدي بالاجابة على ما طرحته ثورات شعوب المنطقة من أسئلة صريحة ومباشرة حول مدى قبولها للديمقراطية التعددية والتداول الدستوري الديمقراطي للسلطة، وتبني الدولة المدنية وما يتبع ذلك من اعتراف وتجسيد عملي لمبدأ التعدد والتنوع في الثقافة والتفكير والمعتقد والبحث العلمي، والتقيد المطلق بحرية النشر والتعبير وقبول الرأي الآخر والانفتاح في المجتمع، ويقول خضر في مقاله الاسبوع الماضي ب الصحافة أن الكثيرين، بفعل قوة زخم ثورات المنطقة، سيسيرون على ذات الدرب، اذن وفقا للمحللين فان البشير يحاول ان يقي نفسه وحزبه ما تمور به المنطقة من ثورات لا تستثني بلدا، خصوصا وانه تحدث اكثر من مرة وفي اكثر من موقع عن توسيع مشاركة الشباب في صنع القرار وإدارة مفاصل الدولة. تحليل ثالث يذهب الى ان مقتضيات الحوار الذي اجراه الحزب الحاكم مع الاحزاب الكبيرة تتطلب افساح المجال للوافدين من هذه الاحزاب الكبيرة في مواقع تعز على نفوس الذين استمرأوا الحكم لأكثر من عقدين من الزمان، مواقع متقدمة مكسوة سلطة وقراراً، فهؤلاء لن يرضوا بما كانت توافق عليه احزاب التوالي واحزاب الفكة من فتات، فهم من هم عينهم ملأى ولا يأكلون الفطائس، ويشير محللون الى ارهاصات التحول نحو الاحزاب الكبيرة في النص في التوصيات الختامية لمؤتمر شورى الوطني على قيام حكومة في الفترة القادمة وفق برنامج متفق عليه دون إستثناء حزب، وتكوين لجنة لوضع الدستور الدائم شاملة لكل القوى السياسية، وايضا في حديث البشير عن استعداد حزبه لتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، وقوله ان الحوار مستمر مع القوى السياسية للتوافق على برنامج محدد لتشكيل الحكومة القادمة، وهذا التحول يقتضي من الوطني التفسح في المجالس حتى يستمر في الحكم، اما من ناحيتها فتقابل الاحزاب الكبيرة الاقوال المتواترة من الحزب الحاكم حول مشاركتها بصمت كبير ولا تفصح عن قبولها بالترتيبات التي يجريها الوطني في خانات ملعب الحكم الا بمواقف صغيرة مثل ان تنضم رباح الصادق المهدي الى زمرة كتاب صحيفة لا تخفي انتماءها للمؤتمر الوطني. ويضاف الى سبب الوافدين الجدد الاقوياء الذين سيحيلون بعض لاعبي الوطني الاساسيين الى خانة المتفرجين بالمقصورة الرئيسية سبب آخر ربما يجعلهم في المساطب الشعبية هو ان تقليص عدد الوزارات صار خيارا لا مفر منه للحكومة، ومما جاء في خطاب الرئيس البشير ان إجراءات جديدة ستتخذ بإعادة النظر في هيكلة الدولة بتقليص الهياكل والوزارات والمستشاريات والمفوضيات والمؤسسات ومراجعتها حتى يكون حجم الدولة مناسباً، ومما صار متفقا عليه ان يجري تقليص عدد الوزارات لتحقيق النفع العام أو كما قال الخبير الدولي في التخطيط العمراني شرف الدين بانقا (ان يضطلع بمهام الدولة عدد قليل من الوزارات دون العشرين وزارة أمر جيد ورأي سديد و فيه خير عميم للبلاد و العباد). والحقيقة الأخرى المرتبطة بتقليص الوزارات والمواقع الدستورية وتقليل الانفاق الذي يستوجب تقليل المستمتعين به ان الدولة مواجهة بتحديات اقتصادية بعد ذهاب بترول الجنوب الذي يشكل سبعين في المائة من النفط وتسعين في المائة من واردات الخزينة العامة وفي هذا الصدد يشير البروف الدومة الى عامل حاسم سيضاعف من حدة الازمة الاقتصادية التي ستواجهها الحكومة وهي آثار الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم قبل عامين ويقول ان الحكومة روّجت كثيرا الى انها بمنأى عن اثار الازمة المالية ولكن هاهي موجاتها المرتدة ترتطم بالاقتصاد السوداني ولن تتركه معافى ابدا، مما يستدعي اجراءات صارمة في التعاطي مع المال العام ويشكك مراقبون في قدرة الحكومة على حماية المال العام لأن القائمين عليها هم انفسهم الذين يستهدفهم المراجع العام بتقاريره التي كشفت على الدوام تجاوزات يصعب نسيانها ولعل ابرزها ما كان سلط عليه الضوء المراجع العام الاسبق لحكومة السودان محمد علي محسي حين تحدث عن إرتفاع حجم الاختلاسات للمال العام، وقال في حوار معه العام الماضي إن المال العام أصبح مباحاً للتعدي عليه، وان كثيرا من جرائم المال العام يتم حسمها عبر تسويات لإعتبارات عديدة وأحياناً كثيرة لا تصل المحاكمة فيها للسجن أو الغرامة، ولكن يبدو ان الحكومة عازمة هذه المرة على المعالجات الصارمة وربما تكون ذلك عبر ما اسماه والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر ب»الجراحة الخطرة« ومنها رفع الدعم جزئيا عن سلع استراتيجية كالبترول والسكر، ووضع بعض المواد المستوردة غير الضرورية في القائمة السوداء حفاظا على العملات الصعبة من التسرب أو عبر ما اعلنه البشير بصورة مواربة عبر حديثه عن متفلتين يقصد بهم ربما المرفودين الجدد قال (لن نتردد في إبعاد كل من (يتفلت) ويرفض القرارات الصادرة من مؤسسة الحزب)، اذن هي الخطوة الأولى للابعاد من طاقم الحكم بغرض الاستجابة لتقليص الوزارات أو استيعاب المنضمين للحكومة أو مواجهة التحدي الاقتصادي ، ولكن في كل الاحوال سيكون الرئيس وحزبه مواجهين بجيش جرار من ال (عطالة بمخصصات عالية) وقد تضطر الحكومة الى التعامل بجدية مع ما نصح به رئيس تحرير صحيفة آخر لحظة مصطفى ابو العزائم أمس حين دعا ساخرا إلى تأسيس صندوق لتشغيل الدستوريين (السابقين) أسوة بصندوق تشغيل الخريجين لتلافي الآثار الناجمة عن الرفد. .