لم يتبقَ سوى شهر واحد وثلاثة أيام وبضع ساعات فقط ،لانقضاء خمس سنوات من السلام المضطرب في السودان بعد حرب إستمرت زهاء نصف قرن من الزمان .لكن يبدو أن مصير السلام في السودان دائماً محفوف بأشباح الحرب ،التي بدأت تلوح بوادرها منذ دخول الجيش الحكومي السوداني لمنطقة أبيى الحدودية المتنازع عليها في الحادي والعشرين من الشهر الماضي ،ليفتح الباب واسعاً أمام إحتمالات العودة للحرب.بيد أن سيناريوهاتها هذه المرة التي بدأت تلوح في أفق السودان المنفصل لتوه ،تبدو مختلفة تماماً . فالخلاف حول تبعية ابيي التي كانت احد اسباب عودة الحرب الاهلية من قبل وعجلت بانهيار اتفاقية اديس ابابا هاهي تطل مرة اخرى لسطح الاحداث وتضع اتفاقية نيفاشا الهشة في منعطف خطير ، في وقت تغيب فيه نقاط وسط يمكن ان تشير الى حلول ممكنه ، فالحكومة السودانية امس وعلى لسان وزير الخارجية علي كرتي جددت رفضها لسحب قوات الجيش من داخل البلدة الا بعد توفر حلول رافضة طلب مجلس الامن الصادر عشية امس الاول ، قبل ان تصف من صاغوه بانهم يعيشوان في عقلية الماضي ، لكن بذات العزم الحكومي قطعت المؤسسة الاممية بعقد اجتماع لمتابعة تنفيذ قراراتها وانزالها على الارض مما يشير الى ان الخرطوم مقبله على الدخول في مواجهة اممية في الايام القليلة القادمة ان لم يتغير موقفها ، الا ان استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور اسامة زين العابدين استبعد تراجع الحكومة عن موقفها في الوقت الراهن واضاف « جهدها ينصب بشكل اساسي لخلق واقع جديد لفتح ملف ابيي مرة اخرى للتفاوض حتى لاتفقد ود قبيلة المسيرية « لكنه عاد وقال ان تبعات الرفض يمكنها ان تخلق واقعا آخر قد يدفع الحكومة للخروج من البلدة وقال ان الخطوة ترتبط بردة الفعل وقرارات مجلس الامن المتوقعة حيال رفض الحكومة، ويتوقع عدد من المراقبين ان يتخذ مجلس الامن قرارات اكثر تشددا في جلسته المقبلة ان لم يحدث تراجع في موقف الخرطوم ، على رأسها ترفيع قوات الاممالمتحدة على الارض ومنحها سلطات تحت البند السابع وهو ما طالبت به حكومة الجنوب من قبل ، وتدعمه المعلومات التي كشفها عدد من الدبلوماسيين لوكالة رويترز امس اكدوا فيها ان الاممالمتحدة تحقق حول تقارير تحدثت عن بقاء قوات حفظ السلام التابعة لها في ثكناتها ليومين خلال الاشتباكات العنيفة بين قوات الشمال والجنوب في منطقة أبيي المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه والتي أدت إلى فرار عشرات الآلاف من المدنيين. واشاروا الى ان التحقيق سيكون في أفعال القوات الزامبية المكلفة بأعمال الدورية بانتظام وحماية المدنيين في أبيي، واصفين أداءها بالمحزن والمفزع وأضاف الدبلوماسيون أن هذه القوات بقيت ليومين في ثكناتها قبل أن تصدر لها تعليمات بالخروج والبدء في عمليات الدورية، مشيرين إلى أنها فقدت بالفعل 48 ساعة حاسمة. وكان رئيس بعثات الأممالمتحدة بالسودان هيلا منقريوس قد اوضح لأعضاء مجلس الأمن الدولي مؤخرا عدم رضائه عن أداء الزامبيين في أبيي و نقل دبلوماسيان على لسان منقريوس انه أكد افتقار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الميدان غالبا إلى التسليح الكافي ونقص التمويل والتدريب لافتا الى ان الأميركيين والأوروبيين لا يرغبون في إرسال قواتهم إلى الميدان، وفوق ذلك دائما ما يطلبون تنفيذها قويا للتفويضات، بينما تغيب عن هذه القوات وحدات محترفة من أميركا الشمالية وأوروبا، واضاف ان عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تعتمد بشكل عام على جنود من دول العالم النامي يحتاجون عادة إلى تدريب وتسليح وفي بعض الأوقات إلى كساء قبل أن يصبحوا قوات حفظ سلام عاملة ، مما يشير الى ان مساعي الخروج من ازمة ابيي بدأت تتعقد اكثر مما هو عليه الآن فالحركة الشعبية من جانبها ترفض أي تفاوض خارج اطار البروتوكول وقرار محكمة لاهاي حول نزاع الارض التي تتمسك به كمرجعية على حد قول القيادي وزير التعاون الدولي دينق الور ، والآن خطوات المجتمع الدولي ماضية نحو منح القوات على الارض تفويضا اعلى وهو ما لن تقبله الخرطوم التي اشارت على لسان مسؤول ملف ابيي السفير الدرديري محمد احمد من قبل الى ان ما يحدث بابيي يهدف الى تحويل تفويض القوات الاممية وقال ان الهجوم على القوات المسلحة مخطط يرمي لإدخال قوات أممية بموجب البند السابع، مابين رفض الحكومة لبيان مجلس الامن المطالب بسحب الجيش والجلسة التي ينتظر ان تعقد الجمعة القادمة لمتابعة تنفيذ القرارات تحتاج الحكومة الي حراك واسع للبحث عن مخرج فالمجتمعون في ذلك الوقت يبدو انهم لن يخرجوا دون اتخاذ قرار حاسم ، الا ان اسامة زين العابدين الذي تحدث ل»الصحافة» امس لا يتوقع ان يتغير موقف الحكومة قبل قرارات مجلس الامن ويضيف ستبني الحكومة قراراتها وخطواتها القادمة بناء على مخرجات ذلك الاجتماع ، فيما يرى الكاتب الصحفي الطيب زين العابدين في مقال نشرته الصحافة ان الحل يكمن في العودة لاتفاق كادقلي، وانسحاب القوات المسلحة وأي وجود للجيش الشعبي في المنطقة، وعودة القوات المشتركة في موقعين منفصلين وبقيادة حكيمة تستوعب حساسية الموقف، والسماح بإعادة الجنوبيين النازحين إلى ديارهم وتعويضهم عما فقدوه أو نهب منهم، وتكوين إدارة جديدة ومحايدة للمنطقة برضى الطرفين، وزيادة قوات الأممالمتحدة في المنطقة حتى تتمكن من تأمينها وحماية المدنيين فيها، وتكوين شرطة محلية من المجموعات السكانية الموجودة تخضع لتدريب مكثف.