بعد أكثر من عقد من الاحتلال لم يعد أمام مواطني حلايب الذين يرغبون في التواصل مع الوطن الكبير، الا ان يتبعوا طريقين: الايسر هو التوجه لمكتب شؤون القبائل الذي اوكل اليه الاشقاء المصريون ادارة شؤون المنطقة،لاستجداء تصريح بعبور البوابة الوحيدة باتجاه جنوب خط 22،وهذا قبل الثورة، او ركوب الصعب مع حفظ ماء الوجه واتباع السلك الشائك غربا لمسافة تتعدى 40 كيلو للوصول لنقطة فى قلب العدم،اسقطت المخابرات المصرية عنها عمد الرقابة، وابعدت اعين حرس الحدود المترصدة،لتصعد الجبال عبرها مجموعات الفارين بغير رجعة من جحيم الاحتلال، وذل مكتب شئون القبائل،الى جنوب الخط 22. حياة مواطني حلايب السودانية لم تتغير بعد ثورة يناير المصرية،فالقاهرة الشقيقة لم تكلف نفسهاعناء تغيير ضباط مكتب شؤون القبائل سئ السمعة، وظل»الاسيوطي باشا» يدير عمله وينجز مهامه مرهبا الشيوخ والشباب بذات الاساليب والطرق القديمة. غير ان العلاقات بين الخرطوموالقاهرة تمضى فى طريقها المرسوم بدقة،ويتحلى وزراء الخارجية فى البلدين بروح من المسئولية تضع ملف المدينةالمحتلة فى مكانه الصحيح ،بين سلم اولويات المرحلة الحالية فى وادي النيل، مرحلة مصر ما بعد سقوط مبارك والسودان مابعد انفصال الجنوب. وهذا ماقد تعبر عنه بوضوح الدروس التي تبارى وزيرا خارجية البلدين فى تقديمها الى الصحافيين، بمباني وزارة الخارجية السودانية ، امس الاول،اثر الاسئلة المتلاحقة منهم عن ماتم انجازه بشأن ملف المنطقة،وعن الانباء التي روجتها مصادر شبه رسمية عن زيارة مرتقبة لرئيس البلاد الى حلايب.وهى الزيارة التي اختط لها طريقا لا يقارب بوابة المدينة، بحسب كرتي، ولا اسلاكها الشائكة التي تمتد شرقا حتى مراتع القرش فى سواحل البحر.لقد اهتم الوزير كرتي اولا بأن يطمئن الصحفيين بابتسامته المعهودة ، بان الاجتماع مع نظيره لم يتطرق لقضية حلايب،وان اسم حلايب لم يرد على الاطلاق فى جلسات الحوار بين الاشقاء.ثم ذهب ونظيره المصري الشقيق ليؤكدا على ان المنطقة لا تسبب اي نوع من التوتر فى علاقات البلدين،وان السودان ومصر قد دخلا مرحلة جديدة عنوانها تطابق وجهات النظر،والسعى نحو المصالح المشتركة للشعبين،قبل ان يتهم «وزير خارجيتنا» وسائل الاعلام السودانية بالتعاطي غير الدقيق مع مسألة الزيارة، مبينا ان البشير سيزور مدينة «اوسيف» التي تقع خارج المثلث،معتبرا ان تجاوب الاعلام مع الخبر اتسم بالتسرع وعدم الحكمة.ومضى الوزير كرتي فى اطار حرصه على عدم صب وسائل الاعلام الزيت على النار،ليدعو جميع الصحفيين السودانيين الى البحث عن الايجابيات فى العلاقة بين البلدين وليس السلبيات.وما قاله كرتي يوضح بجلاء حرص وزارته على عدم تناول ملف المدينةالمحتلة،فى وسائل الاعلام السودانية حتى يتم حله بهدوء. وربما يشئ هذا الامر برغبة الوزير فى ايجاد معالجة للقضية تحفظ حقوق أهل المنطقة الانسانية، وتهون معاناتهم من الاحتلال المتطاول،ومكتب شئون القبائل،وثلاثية الجبال والليل والرصاص الطائش جيئة وذهابا شمال وجنوب الخط 22،وتعيد للبلاد سيادتها المنتهكه.ورغم ان وزير الخارجية الشقيق قد امن على مابادر به كرتي،فان ماطالب به الصحفيين بعد ذلك من ترك «طرق أمر السيادة على المنطقة»، يعبر عن لب الطريقة التي تنظر بها دولته وشعبه الى الازمة الناجمة عن احتلال حلايب.ويتسق مع الممارسات المصرية على أرض حلايب .غير ان مواطني المنطقة الذين انتظروا الزيارة المرتقبة للرئيس البشير،عبروا ل»الصحافة» بعد علمهم بتوضيحات كرتي،صباح الأمس،عن بالغ حزنهم من اقتصارها على رئاسة محلية حلايب فى مدينة اوسيف. واكد الناشط فى حلايب احمد محمد الحسن ان أهل المنطقة صبروا على السجن الذي عاشوا فيه لاعوام،وعلى الاذى الذي لم يتوقف للحظة من ضباط المخابرات المصرية، ومن ضباط مكتب شئون القبائل،لثقتهم فى ان القيادة فى الخرطوم لن تتخلى عنهم وعن حلايب. بيد ان احمد محمد الحسن اشار فى حديثه الهاتفي معنا، الى ان مواطني المنطقة لا يرفضون مشاريع التكامل التي تسعى اليها قيادات السودان ومصر،الا انهم لا يتقبلون ان تتنازل البلاد عن سيادتها على المنطقة، باسم التكامل والادارة المشتركة،بعد ان صبروا على إرجاء الحكومة النظر في ملف المدينةالمحتلة بصورة نهائية مع مصر لاعوام .وما نقله أحد مواطني حلايب ل»لصحافة»يراه الامين السياسي المستقيل لمؤتمر البجا جرس انذار مبكر من قبل مواطني حلايب لقيادات البلاد،من مغبة التفريط فى السيادة على اراضى حلايب باسم التكامل والادارة المشتركة.ثم ان عبدالله موسى يبدي دهشته من تجاهل الحكومة لحساسية القضية،بعد ان صعدتها سابقا الى الاممالمتحدة. ولكن ما يحذر منه اهالي حلايب وقيادات مؤتمر البجا، تعزز من حضوره تصريحات سابقة لوزير الخارجية علي كرتي اكد فيها توصل الجانبين السوداني والمصري الى تفاهمات مشتركة بشأن قضية حلايب، واعتزام الطرفين السوداني والمصري الاعتكاف على دراسة مقترح مشترك لحل قضية المنطقة، يرتكز هذا المقترح بحسب ماقال الوزير على برامج للتكامل وتنمية المنطقة وتطويرها من اجل فائدة البلدين.مشيرا الى ان الحوار والنقاش حول هذا المقترح بين الطرفين سيتم عبر آليات متفق عليها.وربما تكون هذه الآليات التي لم يعلن عنها حتى الآن،هى ما دفعت الصحافيين الى البحث عن ايضاح عن الكيفية التي سيتبعها البلدان لحل المشكلة،خاصة وان الخارجية السودانية لم توضح حتى الآن انها تلقت ما يفيد من الخارجية المصرية،باستعداد مصر للاقرار بمبدأ سيادة السودان على اراضيه المحتلة، فى مقابل المضى قدما فى مشاريع التعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين فى حلايب وغيرها من انحاء البلاد.وذلك فى الوقت الذي تقلل فيه قوى سياسية مصرية رئيسة من اهمية اراضى حلايب لمصر،فى مقابل ما ستجنيه من مشاريع التعاون مع الخرطوم،وبخاصة فى مجال الزراعة.وتعيد نصائح الوزير كرتي للصحفيين الى المشهد، موقفاً مشابهاً تعرض له المراسلون السودانيون فى القاهرة ، عندما فاجأوا مستشار الرئيس د. مصطفى اسماعيل بوابل من الاسئلة،حول موقع حلايب من المباحثات التي اجراها مع نظرائه المصريين،وذلك لان رد اسماعيل لم يختلف عن رد كرتي، فقد قال متبرما: انا لم احضر لاناقش ملف حلايب.. انا لم احضر لحلايب.!. ويصف الناطق الرسمي لمؤتمر البجا صلاح باركوين المساعى المشتركة من قبل الخرطوموالقاهرة لتذويب ازمة حلايب فى مشاريع التكامل واطر التعاون ب» الفاشلة «، مشيرا الى ما يراه واقعا لا فكاك منه للقيادات فى السودان ومصر،وهو ان اهالي حلايب لن يقبلوا ابدا بان يصبح وضع منطقتهم «غير مفهوم».وذلك بأن يتخلى السودان عن سيادته على المنطقة،فى مقابل الادارة المشتركة لحلايب. ويذكر الناطق باسم حزب مؤتمر البجا الخرطوم بالعهود التي قطعتها القيادة السياسية بإعادة حلايب لارض الوطن،مشددا بأن اهل الشرق وفي مقدمتهم قيادات البجا، لن يرضوا على الاطلاق بأن تترك حلايب تحت الاحتلال المصري للابد.ويرسل نائب رئيس مؤتمر البجا وجبهة الشرق والوزير الولائي بالبحر الاحمر الى الخرطوم، ذات الرسائل التي سبقه اليه القيادي باركوين، حين يقول: مصر مبارك انتزعت منا حلايب، واننا نطالب الآن دون ابطاء مصر الثورة ان تعيد الينا حلايب. ويؤكد عبدالله كنه ان مؤتمر البجا وكل قيادات الشرق السياسية والقبلية، لن تتهاون فى مسألة سيادة السودان على المدينة،مضيفا»المفروض اننا لا نقبل بغير سيادتنا عليها،موش نفتش عن ادارة مشتركة».غير انه يقول مستدركا»انا على قناعة بأزلية العلاقة بين السودان ومصر،بشرط ان تقوم هذه العلاقة على الاحترام والتعاون»