يجري الآن تسابقٌ جديد نحو إفريقيا، فالبلدان التي تعتمد على الحبوب الغذائية المستوردة تعيش في هلع مع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وتخفيض المصدِّرين لشحنات السلع. لقد ألقت البلدان الغنية مثل المملكة السعودية وكوريا الجنوبية والصين والهند بكلكلها على السهول الخصبة على نطاق القارة الإفريقية وهي تستحوذ على قطع الأراضي الكبيرة لإنتاج القمح والأرز والذرة للاستهلاك المحلي في أوطانها. وتعتبر بعض هذه الحيازات الأرضية ضخمة، فكوريا الجنوبية التي تستورد 70 في المائة من حبوبها الغذائية حصلت على 1.7 مليون فدان في السودان لاستزراع القمح وهي مساحة تساوي ضعف مساحة جزيرة رود. وفي إثيوبيا استأجرت شركة سعودية 25000 فدان لاستزراع الأرز مع خيار التوسع في هذه المساحة، كما استأجرت الهند مائة ألف فدان هناك لاستزراع الذرة والأرز والمحاصيل الأخرى. وتحوز الصين في بلدانٍ مثل الكونغو وزامبيا على أرضٍ لإنتاج الوقود الحيوي. ولكن عمليات انتزاع الأراضي هذي تعمل على تقليص الإمداد الغذائي في الدول الإفريقية المعرَّضة للمجاعة وتُغضب المزارعين المحليين الذين يشاهدون حكوماتهم وهي تبيع أراضي أسلافهم للأجانب، كما أنها تشكل تهديداً بالغاً للديمقراطية الأحدث في إفريقيا، أي ديمقراطية مصر. فمصر هي دولة لأكلة الخبز حيث يستهلك مواطنوها 18 مليون طن من القمح سنوياً يأتي أكثر من نصفها من الخارج، وتعتبر مصر الآن رائدة استيراد القمح في العالم ويعتبر الخبز المدعوم الذي توزع الحكومة منه ما قيمته 2 بليون دولار تقريباً في السنة استحقاقاً لنسبة 60 في المائة من الأسر المصرية التي تعتمد عليه. وحالات انتزاع الأراضي في جهة الجنوب تهدد قدرة مصر على توفير الخبز مع محاولتها لصياغة ديمقراطية فاعلة بعد رحيل حسني مبارك لأن كل الحبوب الغذائية لمصر إما يتم استيرادها أو أنها تنتج بالماء من نهر النيل الذي ينساب شمالاً عبر إثيوبيا والسودان قبل أن يصل مصر. (طالما أن هطول الأمطار في مصر شيء لا يذكر إن لم يكن معدوماً فإن زراعتها تعتمد اعتماداً كلياً على النيل). ولسوء حظ مصر فإن اثنين من الأهداف المفضلة للاستحواذ على الأراضي هما إثيوبيا والسودان اللذان يحتلان معاً ثلاثة أرباع حوض نهر النيل، وأن هناك القليل الذي يُترك للطلب على الماء اليوم عندما يفرغ النهر حمولته في البحر المتوسط أخيراً. إن اتفاقية مياه النيل التي وقعتها مصر والسودان في عام 1959م أعطت مصر 75 في المائة من ماء النهر و25 في المائة للسودان ولا شيء لإثيوبيا. وقد تغير هذا الوضع فجأة مع اختطاف الحكومات الأجنبية الغنية والاستثمارات الزراعية العالمية لمساحاتٍ كبيرة من الأراضي الزراعية على طول أعالي مجري النيل. وفي حين أن هذه الصفقات توصف عادةً بأنها مكاسب أرض فهي أيضاً مكاسب ماء في الواقع. ويجب على القاهرة الآن وهي تصارع من أجل مياه النيل أن تتعامل مع عدة حكومات ومصالح تجارية لم تكن طرفاً في اتفاقية عام 1959م، وعلاوة على ذلك فإن إثيوبيا التي لم تظهر في الاتفاقية أبداً قد أعلنت مشاريع لإنشاء خزان كهرومائي على فرعها النيلي، الشيء الذي سيخفض انسياب الماء إلى مصر بشكل أكبر. ولأن غلال القمح في مصر تعتبر سلفاً من بين أعلى المعدلات في العالم فإن هناك احتمالاً قليلاً لزيادة إنتاجها الزراعي، كما أن وجود غذاءٍ وماءٍ كافيين يعتبر تحدياً صعباً مع عدد سكان مصر البالغ 81 مليون والذي من المتوقع أن يصل إلى 101 مليون بحلول عام 2025م. إن موقف مصر الحرج يمكن أن يصبح جزءاً من سيناريو أكبر وأكثر إثارة للقلق، فجيرانها النيليون على جهة المنبع السودان ذو ال44 مليون نسمة وإثيوبيا ذات ال83 مليون نسمة ينمون بمعدل أسرع مما يزيد الحاجة للماء لإنتاج الغذاء. وتعكس توقعات الأممالمتحدة زيادة مجمل سكان هذه البلدان الثلاثة إلى 272 مليون نسمة بحلول عام 2025م و360 مليون نسمة بحلول عام 2050م من عدد سكانها البالغ 208 مليون نسمة الآن. إن الطلب المتزايد على الماء مدفوعاً بالنمو السكاني والحيازات الأجنبية للأرض والماء سيحدّ من الأسقف الطبيعية للنيل، فتفادي الصراعات الخطيرة حول الماء يتطلب ثلاث مبادرات تتجاوز الأطر القومية، أولها أنه ينبغي على الحكومات أن تعالج التهديد السكاني مباشرة بالتأكيد على أن كل النساء تتاح لهنّ حرية المشاركة في خدمات التخطيط الأسري وبتوفير التعليم للبنات في المنطقة. ثانياً ينبغي على هذه البلدان أن تتبنى تقنيات الري الأكثر كفاءة في استخدام المياه وأن تزرع محاصيل أقلَّ استنزافاً للمياه. وأخيراً يجب على دول حوض نهر النيل من أجل السلام والتعاون التنموي مستقبلاً أن تتوحد معاً لحظر انتزاع الأراضي الذي تمارسه الحكومات الأجنبية وشركات الاستثمار الزراعي. وطالما أنه لم تكن هناك سابقة لذلك فإن المساعدة الدولية في مفاوضة حظرٍ كهذا شبيهاً بدور البنك الدولي في تسهيل معاهدة المياه بين الهند وباكستان عام 1960م من الراجح أن تكون مساعدة ضرورية لتجعل هذه المفاوضة أمراً واقعاً. ولن تكون واحدة من هذه المبادرات سهلة التنفيذ بيد أن جميعها ضروري، فبدونها يمكن أن تقوِّض أسعار الخبز المرتفعة ثورة الأمل المصرية كما يمكن أن يصبح التنافس على مياه النيل أمراً مُهلكاً. *لستر براون هو رئيس معهد السياسة الدولية ومؤلف كتاب «العالم على الحافة: كيف نمنع الانهيار البيئي والاقتصادي».