صَّوت أهل جنوب السودان في يوم 9 يناير بأغلبية طاغية للانفصال من الشمال وذلك بعد نصف قرن من العنف والصراع. وبعد النتائج السارة للاستفتاء التاريخي تحدد يوم 9 يوليو للاستقلال الرسمي إذ سيقرر لأول مرة وفي خلال 20 عاماً تقريباً ميلاد دولة إفريقية سيادية جديدة ذات حكم ذاتي. إن الانفصال أمرٌ منطقي ذلك أن إقليميْ الشمال والجنوب قد أقحمهما البريطانيون في دولة واحدة عام 1956م برغم تناقضاتهما اللغوية والثقافية والعرقية والتاريخية وهو تكييف استعماري أفضى إلى واحدة من أطول الحروب الأهلية في إفريقيا. لقد قُتل أكثر من مليوني شخص خلال عقود من الاختطاف والغارات الحدودية والاقتتال الشامل قبل أن توقع اتفاقية سلام شامل في 2005م لتهيئ المسرح لاستفتاء يناير والانفصال الرسمي في يوليو. ولكن الآن هناك مشكلة خطيرة مع ما تبقى من شهر بالكاد قبل وضع اللمسات الأخيرة للطلاق، فالمشكلة الأولى برزت في فصل الربيع عندما بدأ الجنوبيون يتقاتلون فيما بينهم بما في ذلك الغارات التي شنها جيش الجنوب على القادة المنشقين والأعداء المتوهمين، ومثل هذه الخلافات كانت محجوبةً خلال الحرب ضد الشمال ولكنها من المحتمل أن تصبح أكثر وضوحاً بعد الاستقلال. أضف لذلك أن الشرطة قامت وهي تلوح بالمسدسات بالهجوم على صحيفةٍ محلية وأغلقتها وذلك ردّ فعلٍ على مادة صحفية انتقادية. إن الأزمة التي حدثت أخيراً ليست أزمة قاتلة ولكنها تؤثر على كلا الشمال والجنوب وتهدد بإرجاع الطرفين إلى الحرب، ففي صلب الموضوع يقع مستقبل أبيي وهي مدينة حدودية بين الإقليمين ويتنازعها كلا الطرفين. ففي أول مايو هاجمت قوات جنوبية في أبيي بصورة غير شرعية دورية شمالية قانونية في المدينة وكررت ذات الشيء بعد أسبوعين. ولم تردَّ عليها حكومة الخرطوم في البداية، ومن بعد وفي يوم 21 مايو قامت الحكومة بغزو المدينة واحتلالها بآلاف الجنود وهو ردٌّ غير متناسب بالكلية مع استفزازٍ لم يكن ضرورياً بالكلية. لقد قُتل 116 مدني على الأقل إضافةً إلى عدد من العساكر وضباط الشرطة، وبات الاتحاد الإفريقي يعمل للتوصل إلى صفقة لنزع السلاح في منطقة أبيي. ولكن الأمر معقد لشيءٍ واحد ألا وهو أنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت القوات الجنوبية التي هاجمت الجنود الشماليين في أبيي كانت تعمل تحت أوامر قادتها في جوبا. والشيء الآخر هو يبدو أن الشمال كان يلعب لصالح دائرةٍ محليةٍ من القوميين السودانيين الممتعضين الذين لم يريدوا في المقام الأول أن يتخلوا عن الجنوب مطلقاً. إن أساس صراع أبيي هو معركة طويلة قائمة بين قبيلتين هما دينكا نقوك المواطنون الدائمون في منطقة أبيي والمسيرية وهي قبيلة بدوية تأتي موسمياً من الشمال لرعي ماشيتها. كان من المفترض أن يُجرى استفتاء أبيي في يناير ولكنه أُحبط بسبب من الذي يحق له التصويت. كل هذه العناوين الفرعية تجعل من الصعب على أيٍّ من الطرفين التخلي عن موقفه بسهولة، وقد يرى الشمال في ذلك فرصة لكسب نفوذٍ حول القضايا البارزة الأخرى التي تشمل كيفية رسم الحدود النهائية وتحديد المواطنة وقسمة العائدات النفطية. ولكن الأمر الواضح هو أن الاستقلال أهمُّ من أن يُعرَّض للخطر كما يجب على كلا الطرفين أن يأخذا مقاعدهما في طاولة التفاوض ويُقرا بأن الاستفزاز كان شيئاً خاطئاً وأن احتلال أبيي كان عملاً متهوراً وأن تاريخ التاسع من يوليو يجب ألا يُضاع بالنسبة للاستقلال.