توقفنا في الحلقة السابقة من شاهد على العصر مع دكتور موسى عبدالله حامد في المرحلة الثانوية ونواصل ما انقطع من حديث ليحدثنا عن بقية المحطات المهمة في حياته ومنها جامعة الخرطوم وكلية الطب ، فترة الاستقلال التي عاصرها وهو طالب ، وثورة اكتوبر وابريل ثم المجال العملي ... توقفت في الحديث عند مدرسة خور طقت الثانوية ومن حقها علي أن أقول أنها قدمتنا الى العمل الطلابي ، ومن ذلك الباب الى العمل السياسي الذي دخلنا اليه في شبابنا ، وكان تجربة بالنسبة للطلاب في ذلك الوقت مفيدة جداً وهي سنوات كانت الحركة فيها واسعة جداً في السودان ، نحن دخلنا الثانوي سنة 1950 والثورة المصرية كانت في 1953 وقتها كنا طلبة في المرحلة الثانوية ، وكان لها أثراً واسعاً جداً على السودانيين ، وكنا قد خرجنا في المظاهرات وهتفنا وأذكر من الطرائف عندما خرجنا في المظاهرة من مدرسة خور طقت وكنا نهتف بسقوط الاستعمار والأساتذة بالنسبة لنا سدنة استعمار ، النصري حمزة ومحمد احمد عبد القادر على الرغم من أنهم هم الذين بنوا هذه البلد ، محمد احمد عبد القادر له الرحمة قال لي تعال يا ابني انت كنت بتهتف بتقول ايه ؟ قلت له كنت بقول تسقط جبهة التعديل . فقال لي هي شنو بتعرفها ؟ قلت له لا ما بعرفها . لكن هي مؤسسة استعمارية . فكنا حقيقة نجهل الحقائق التاريخية وحقيقة كان درس مهم جدا بالنسبة لي ، في مدرسة خور طقت كنا لأول مرة نسكن في الداخلية ولذلك جمعت هذه المدرسة عدد كبير من الطلبة من كل جهات السودان المختلفة ، لأول مرة تحصل وحدة وطنية حقيقية بين شباب في هذه السن المبكرة ونشأت بينهم صداقات امتدت حتى الآن منهم من قضى نحبه ومنهم الموجود حالياً وما زلنا على أحسن الصلات ، للأسف أتينا نحن بالإستيكة مسحنا كل هذا المجد ، باعتبار أن هذه المدارس تكلف الدولة كثير ، وما يسمى بالتجفيف هذا قد أضر بالتعليم في السودان ضرر بالغ جداً ، وأزاح من السودان فرص الالتحام بين أبناء السودان من مختلف الأقاليم وأذى الوجدة الوطنية إيذاءاً شديداً جداً ، ما زلنا نحن لتلك الأيام التي كانت تجمعنا مع زملائنا في المدارس الثانوية خاصة ، ونتمثل قول الشاعر :- لما علمت أن القوم قد رحلوا وراهم الدير بالناقوس مشتعل شبكت عشري على رأسي وقلت له يا راهب الدير هل مرت بك لهن فحن لي وبكى ورق لي ورثا وقال لي يا فتى ضاقت بك الحيلُ هنا الخيام التي غضوت تطلبهم بالأمس كانت هنا واليوم قد رحلوا هذه الأبيات بالأمس كانت هنا واليوم قد رحلت ، للأسف الشديد أمجاد التعليم الداخلي التعليم المنبث في أنحاء السودان المختلفة ، كل هذاقضينا عليه قضاء مبرم وهذه مأساة بلا شك . دخلنا الجامعة سنة 1954م وهو زمن كانت المعارك فيه مشتعلة بين الأحزاب السياسية السودانية فيما بينها وبين دول جوار مع السودان عموماً وبين الحكم الثنائي في السودان عموماً ، في 1952 قامت الثورة المصرية ولأول مرة في تاريخ السودان السياسي يأتي نظام مصري يعترف بحق تقرير المصير للشعب السوداني ، هذه حقيقة مهمة جداً ينبغي الاهتمام بها ، وهذا هو السبب الذي دعا السيد عبد الرحمن يقول لهيكل قولته التي ذكرناها سابقاً قال له:- ( نحن ما بنعرف الانجليز جونا ناس راكبين خيول لازنها ناس نحن نتكلم مع الخيول ولا مع الازين الخيول ولا مع الراكبين الخيول نخن تكلمنا مع الراكبين الخيول ) لذلك هيكل قال لقد أفحمني هذا الكلام ، جميع الحكومات المصرية قبل 1952 كانت تعتبر السودان حديقتها الخلفية وتعتبره ملك لها منذ تاريخ الفتح عام 1821وهذا خطأ كبير جداً حتى أخوانا الإتحاديين مع احترامنا الشديد لهم كانوا بفتكروا انه الخلاص من الانجليز بالاتحاد مع مصر وهي وجهة نظر لكن نحن كنا نريد السودان للسودانيين مع المصريين ما عندنا مانع نتفاوض بعد الاستقلال ومصر نفسها لم تكن دولة مستقلة في ذلك الوقت كانت محتلة الى أن قامت الثورة المصرية مصر كانت محتلة ، الانجليز كانوا في قناة السويس ، السودان نال استقلاله قبلها ، السودان رفع علم الاستقلال قبل مصر ، لذلك انا شخصياً نشأت في بيئة استقلالية ، لكن هذا لا يمنع التحاور والدليل على أن المطالبة بالإستقلال كانت صحيحةالناس كلهم لجأوا اليها حتى الاتحاديين ، البرلمان الأول كانت الأغلبية فيه اتحادية ، اضطر الناس لرؤية الحقائق في بواطن الأمور ويرجعوا الى فكرة الاستقلال ، وهذا يجعلني أقول في كتابي أن السيد عبد الرحمن أبو استقلال السودان ، المهم أن في العام 1953م ونحن لم ندخل الجامعة بعد في انتظار نتيجة كمبردج ، جرت الانتخابات وفاز الحزب الإتحادي بالأغلبية وشكل الحكومة برئاسة الزعيم الأزهري ، وحصلت الأحداث المعروفة في التاريخ ، لكن على العموم عام 1954م بدأ التململ داخل الحزب الاتحادي وبدأ بعض الناس الخروج منه على أساس أن أول حزب حزب الجمهور الإستقلالي ، ميرغني حمزة وخلف الله حامد وأحمد جلي وبعد قليل بدأت حركة الاستقلال تسري في جسم الاتحاديين ، الى أن بلغب كل أعضائه ، وصرح الرئيس الأزهري بأنه لا يمكن أن يستبدل سيد بسيد آخر ، لكن الحقيقة نحن نحب مصر وشعبها ونحترم المصريين ونفتكر أن المصريين لهم أيادي على السودان عظيمة جداً ، كل الذي نريده منهم أن يحترموا كرامتنا وعزتنا واستقلالنا ، ونتعاون تعاون ندي ، لأن بلادنا حدثت فيها بعد 1821 ثورة كبرى قام بها الامام المهدي وحرر السودان منذ 1881 حارب السودانيين حرب بلا هوادة الى أن دخلوا الخرطوم في 1885م طوال هذه المدة كانت الحرب ضروس خسروا فيها الاف السودانيين ، وهذه حقيقة مهمة جداً لا يمكن تجاوزها ، وهي التي قال فيها المحجوب رحمة الله عليه في رثائه للسيد عبد الرحمن وكان قد بكي لحظة رفع علم السودان :- أجرى دموعك دون الناس قاطبةً سر لغيرك ما باحت به خلق سبعون عاماً وضحى لحظة عبرت فأعجب لها لحظة لو ينقضي العجب وذكراك على الماضي احتشدت فيها الجهاد وفيها الصبر والدأب شهدت فيها وراء الغيب معركة حمراء تلمع في حافاتها الغُبب حقيقة هذا تاريخ لا يمكن أن ينسى ، المصريين أتوا مع كتشنر في جيش وخاضوا معه معركة كرري ومات فيها 11 الف سوداني ، قتلوا ودخل كتشنر امدرمان قضى على 16 الف جريح سوداني واستباحوا امدرمان 3 ايام هذا التاريخ هل يمكن تجاوزه ونسيانه ، لذلك الدعوة الاستقلالية كان هذا خلفها وبعد هذا كله نقول المصريين أحبابنا وفي رأسنا وأحبابنا وجيراننا وأخواننا في العروبة والدين والاسلام والنيل ، لكن دون تملك هذا كل الكان مطلوب في دعوة الاستقلاليين ، وحقيقة هذه القضية لعدالتها انتصرت في الآخر ... في الجامعة دخلنا في تجربة جديدة ...بدأت إضرابات ومظاهرات أخرى ، الحركة الطلابية في الجامعة يشهد لها بأنها عام 1955م وصلت الى قرار من اتحاد الطلاب يطالب فيه بقبول الاستقلال عن كل من مصر وبريطانيا ، والجامعة كان يؤمها السياسين على اختلافهم أزهري وزروق والمحجوب وحسن محجوب ونقد الله وغيرهم ودار الاتحاد كانت المكان الذي يجمع كل هؤلاء ، بعد قرار الاتحاد تكونت الجبهة الاستقلالية وبعد ذلك وقف الحزب الوطني الاتحادي ووقف معهم وأعلن الاستقلال من داخل البرلمان ، الحركة الطلابية تجاوبت في ذلك العصر الذهبي وكانت قائد من قواد الحركة الوطنية في السودان ، عشنا هذه الظروف ولكن للأسف الشديد بعد ذلك حصل انقلاب 1958م ونحن ما زلنا طلبة في جامعة الخرطوم ، انقلاب الفريق ابراهيم عبود ، هذا الانقلاب القى بظلال كبيرة جداً على الحركة الطلابية ، الحزب الشيوعي أول من أصدر بيان برفض الانقلاب وهذه حقائق تاريخية ، الطلبة في جامعة الخرطوم تلقفوا الاعتراض على الانقلاب ، وكتب شعرائهم القصائد ، أذكر الزين عمارة كتب قصيدة نوفمبر الشهر العاطل ، وفي ذلك الوقت كان بالخرطوم ثلالثة معسكرات معسكر الجبهة الديمقراطية والأخوان المسلمين والمستقلين ، نحن كنا في الجبهة الديمقراطية ، وهذه المعسكرات استفادت من تجربتها الى ان وصلنا الى ما يسمى بالتمثيل النسبي ، وبموجبها كل هذه الجبهات ممثلة في مجلس الاتحاد الأربعيني واللجنة التنفيدية للاتحاد ، نحن كجبهة ديمقراطية خضنا الانتخابات وكان قد انشق منا جماعة اطلقوا على نفسهم الجبهة الطلابية ، فضاعت منا بعض المقاعدولذلك فزنا بمقعد نائب رئيس الاتحاد ، انا كنت نائب رئيس الاتحاد وكان الأخ جعفر شيخ ادريس رئيس الاتحاد وكان معنا بشير عبادي سكرتير الاتحاد و دكتور كمال مكي المنا نائب سكرتير الاتحاد وآخرين ، هذه اللجنة هي أول من قدم أول مذكرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، هذه المذكرة أذكر أننا قمنا بصياغتها وناقشناها في المجلس ووافق عليها ومدير الجامعة كان ضد ذلك وهددنا بالفصل ، عندما ذهبنا الى تقديم المذكرة لنسلمها في القصر أذكر صديقنا جعفر شيخ ادريس ممثل الأخوان المسلمين ورئيس الاتحاد ونحن جلوس حول التربيزة في الكراسي الوثيرة وقدم لنا عصير في كبابي طويلة وكنا نرتدي بدل وكرفتات جعفر قال لي تفتكر( بعد كدا حيحصل شنو ، قلت له انت يا جعفر رافع مذكرة مشتم فيها الحكومة وتقول لهم ارجعوا الى سكناتكم حيودونا الحراسة طبعاً ، فعلاً بعد شوية أتوا لنا بعربة خلف القصر ركبونا فيها والى الحراسة )مكثنا بها الى أن حلت الجامعة مشكلتنا ، المهم أن مذكرة اتحاد طلاب الجامعة لم اجدها الى ان نشرها المنا في جريدة في فترة الانتفاضة وتحصلت عليها باعتبارها وثيقة تاريخية مهمة بالنسبة لي ، لكن الزعيم الحقيقي الذي قاوم نظام عبود وقائد المقاومة الحقيقية كان الامام الصديق المهدي ، والآن يوجد كتاب به مذكرات الى الحكومة وأول مذكرة كتبها هو بتاريخ 21 اكتوبر عام 1959 كتب مذكرة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة طالبها فيه بان الجيش مهمته يحمي البلد وليسى حكم البلد وقال لهم ( نحن سكتنا لأنكم وعدتم باصلاح البلد ثم تتنازلوا لكن الآن مضى زمن طويل وما زلتم موجودين) مذكرة قوية ومتينة ومكتوبة بصيقة ممتازة جداً ولغة عربية عالية وظل هذا الرجل يقود المعارضة ويتزعمها بما فيها الأزهري وزروق وأحمد سليمان وعبد الخالق محجوب ومحمد احمد المرضي وغيرهم من الوطنيين وكانوا يجتمعون في بيت المهدي وعندما تم اعتقالهم وتسفيرهم الى الجنوب أحمد سليمان قال انا مضيت آخر زول أول زول لم يتم اعتقاله ليه وكان هو صديق المهدي ... المهم قامت ثورة اكتوبر وجاءت تحمل الشعارات التي اطلقها صديق المهدي منذ نوفمبر 1959م وحصل في اكتوبر ما حصل وجاءت مايو واستمرت بكل ما حدث فيها ... ماذا صنعنا بعد الاستقلال ؟ هم الوطنيين بالنسبة الى الاستقلال بمختلف احزابهم السياسية واوضاعهم المحافظة على الاستقلال وتنمية البلاد وهي من أهم المواضيع ونحن أقول أخفقنا فيهم الاثنين وبإختصار اقول الجنوب انفصل وهذا تفريط عظيم في مبدأ المحافظة على الاستقلال مهما كانت المبررات والله يستر من جنوب كردفان وشمال دارفور والنيل الأزرق اما الحديث عن التنمية والاستقلال ، التنمية فيها رأيين ، رأي يقول حدثت تنمية ظاهرة في الخرطوم ، شوارع الاسفلت والعمارات الشاهقة والجسور والكباري وغيرها وكذلك كثرة الجامعات وكليات الطب والكليات الأخرى ، الذين يتحدثون عن التنمية في السودان يذكرون ذلك كمثال للتنمية التي تمت في السودان ، رأي آخر يخالف هذا الرأي يقول رجعنا القهقرى وبصورة محزنة ويستشهد أصحاب هذا الرأي على ذلك بما يسمى خراب مشروع الجزيرة أكبر كشروع تنموي في أفريقيا وفي العالم الثالث بأثره والخراب الذي لحق بالسكة حديد التي كانت ذات حين احدى مفاخرنا والخراب الذي حاق بالتعليم في كل مراحله وكنا من قبل من أحسن بلاد الله مستوىً في التعليم والخراب الذي ألم بالزراعة عموماً ونحن كنا نقول منذ أزمان أن لدينا في السودان 200 مليون فدان صالحة للزراعة في الوقت المصريين جيرانا ينتجوا أحسن منا قالوا أن كل ما عندهم من أرض صالحة للزراعة لا يزيد عن 6 مليون فدان وهذا اخفاق بلا شك ، وهذا غير الحديث عن الثروة الحيوانية والمعدنية والثروات الأخرى وجاء البترول ولم يصلح من حالنا اصلاحاً يستشعره المواطن العادي واذا بنسبة الفقر في البلاد تتصاعد حتى صرنا نقرأ في الصحف دون أن ينفي المسؤلون أن السودانيين الذين تحت خط الفقر 95% من السكان لذلك لم يكن غريباً انتشار مذلة التسول الذي وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه فاحشة لكن قال فاحشة أحلها الله لذلك فان مسألة الناس من الفواحش ما أحل الله غيرها ...هذا الحديث يدخلنا في السياسة ونحن هنا لا نريد ان ندخل اليها ولكن نحن وطنيون وقوميون ويهمنا وطننا السودان ، بلادنا هي قبلتنا قبلة عشقنا وهمومنا وهوانا ، نحن بها مدلفون ، مدلفون بحبها باقون عليه ما حيينا وهي ليلانا الحبيبة التي نحبها وهي كما قال الذي يسمونه مجنون وهو ليس بمجنون اذا سمعت اسم ليلى صرت من خبلي وثاب ما صرعت مني العناقيد كسا النداء اسمها حسناً فحطمه حتى كان اسمها البشرى والعيد