(1) لن احتار بعد اليوم، لا شيء حولي يدعو للحيرة ويثير الدهشة أو الإعجاب، سأتوكل على الله وأرمي هيكلي الضئيل في جوف المدينة كالمعتاد، حتى لو فرت الكلمات من أمامي واختبأت في ثنايا النفايات التي تصرخ كل يوم : انتبه .. نحن هنا !. (2) سأقترب من ظلال الأشجار والجدران والأزقة المهجورة والرواكيب والمكاتب سيئة المظهر، ولن تداهمني الحيرة حول هذه السينوغرافات التي تتكيء عليها سواعد لا تجيد شيئا سوى ممارسة التضليل والتدليس والقدرة على اصطيادي كفريسة. (3) لن احتار في هذه المهارة التي اتمتع بها في سرعة كسب الأصدقاء، حتى لو عادلت السرعة في فقدهم، ولِمَ لا؟ فسرعة الكسب لدينا تساوي سرعة الفقد، مادام الثنائي (الحماقة والعاطفة) وجهين لعملة واحدة اسمها الخصام حد الفجور. (4) سأبحث عن الخلل أينما كان، وسأستعين بعدسة مصقولة ومحدبة أرسلها بعيدا في مهمة عاجلة إلى الأعماق لاستكشافها، حتى لو تفاجأت بأن العتمة المقيمة في داخلي لديها أوراق ثبوتية كاملة، وتحمل إقامة سارية المفعول مدى الحياة. (5) سأستنجد بصديقي سيزيف وهو يحمل صخرة العقاب على عاتقه، وعندما أراه رغم موجة الحسد التي أحملها تجاهه سأدعوه للتبادل، فليأخذ صخرة الواقع عني وليعطني صخرته، حتى لو ضحك في وجهي واكتشف حيلتي المضللة. (6) قلت لنفسي ربما يكون الخلل كامنا في بصري، سأستعير بصرا طليقا عله يخترق أسوار الأفق بحثا عن مثل أعلى، رمز، أو نموذح بشري معاصر يضيء شمعة في الظلام، ولكن في كل مرة أرجع بخفي حنين، فيضحك حنين حتى يخر صريعا. (7) سأفتش عن ذيل الفشل في رفوف الحياة رفا رفا، فأنا أعرف بأن جميع المعلبات الساكنة فوقها منتهية الصلاحية، عدا معلبات السمسرة في حدها الأدنى المتخلف وحدها هي التي كانت سارية المفعول وصالحة لكل الفصول. (8) تركت حيرتي خلفي وعدت إلى المنزل، فوجدت الخلاف الذي ينتظرني خفيفا هذا المساء، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يحمله على عاتقه، ويطحنه بيساره في الصباح الباكر ويطبخه على نار هادئة ويلتهمه بيمينه. (9) تركت الخلاف جانبا، وتذكرت ذلك المتسول الذي يجاورني في مقاعد الحيرة وكيف أنه لا يفتر من الانشاد عندما يراني: حسنة لله .. حسنة أيها الشاب الأزرق .. تصور كان لي في يوم فم كبير أحمق حروفه طيبة علمتني كيف أعشق .. جنيه واحد لو سمحت حتى لا أكون أحمق (10) ختمت حيرتي وأنا أزحف جهة البقالة، تمعنت في تلك الفتاة الفارعة الطولة وكأنها نخلة، لم تكن حسناء، ومع ذلك تطاولت على أمشاطي حتى مسست جبينها وقبلتها، تفاجأت بها تنحني كأولمبية ماهرة وتقبل بصري الطليق، ثم تبصق عليه.