لم تكن عشية السبت الحادي والعشرين من مايو الماضي ،أولى حلقات مسلسل منطقة أبيى المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه ،الذي يتأهب بعد ستة عشر يوماً لاعلان دولته المستقلة ،فقد ظلت (أبيى)،الغنية بالنفط حسب مايحلو للفضائيات الدولية ، إحدى (شياطين) تفاصيل إتفاقية نيفاشا للسلام منذ توقيعها في مطلع العام خمسة وألفين .إلا أن دخول القوات المسلحة السودانية قبل شهر تقريباً وحل رئاسة الجمهورية لمجلس إدارية أبيى وإداراتها الخمس بعد يومين من الإحتلال، أعادها لواجهة الأحداث من جديد ،فقد كادت أن تعيد سيناريو الحرب في آخر ساعات السلام الإنتقالية . ليستمر الوضع على ماهو عليه في ظل ترقب دولي حذر وإدانات متواترة من هنا وهناك ،إلى أن إلتأم شمل الفرقاء مجدداً ،في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا ،وهو اللقاء ،الذي تضاربت الأنباء حول مخرجاته ،فقد كان الحديث للصحفيين في أديس أبابا عن موافقة شمال السودان وجنوبه على نشر قوات دولية في المنطقة ،وأن الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي قد إقترح على الرئيس عمر البشير ونائبه الأول الفريق سلفا كير ميارديت،في اجتماع مغلق استمر لعدة ساعات نشر قوات إثيوبية تتبع لقوات حفظ السلام في أبيي و تعمل على حفظ الأمن في المنطقة، وهو ذات ما أكدت عليه مصادر مطلعة،مشيرة إلى أن الطرفين وافقا على المقترح، حسبما أكد ذلك للصحفيين حينها ،سفير السودان بأديس أبابا محي الدين سالم ،مبيناً أن الإقتراح وجد كذلك ترحيباً كبيراً من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون،والتي دعت الشريكين خلال مخاطبة ألقتها بالاتحاد الأفريقي ،بالعودة إلى روح الاستفتاء والعمل على حل القضايا المتنازع عليها بإخلاص. لكن سرعان ماتغيرت الأمور، فور وصول وفدي شركاء الأمس ،فرقاء اليوم إلى كل من جوباوالخرطوم ،فالقوات المسلحة لن تغادر أبيى حسبما أكدت على ذلك قيادات المؤتمر الوطني الحاكم ،مشيرة إلى أن مباحثات أديس أبابا لم تتوصل لحل نهائي لمشكلة أبيى ،وهو ذات ماذهب إليه نافع علي نافع مستشار رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني ،والذي أبلغ الصحفيين فور وصوله مطار الخرطوم قادماً من أديس أبابا ،أن الحكومة أكدت بأن وجود القوات المسلحة في أبيي كان عملا واجبا وضروريا، إلى حين أن تطمئن على أن الحركة الشعبية رفعت يدها ويئست عن محاولات فرض الواقع عبر حلول آحادية، مشيرا إلى أن هذا الموقف وجد تفهما كبيرا، على الرغم من محاولات التشويش من بعض الجهات،منوهاً إلى أن الطرفين اتفقا على العودة إلى بروتوكول أبيي وتظل المنطقة جزءا من الشمال إلى أن يجري الاستفتاء فيها بصورة رسمية، وأشار نافع إلى وجود مقترح حول الوضع الإداري الجديد لأبيي، لم تتم الموافقة عليه من أي الطرفين بصفة نهائية. القوات الأثيوبية ،التي حملت الأخبار الأولية للمباحثات ،أنها ستكون تحت مظلة أديس أبابا ورعاية الاتحاد الأفريقي ،يبدو أنها في الاتجاه إلى أن تكون تحت المظلة الدولية ،حسبما أكدت على ذلك سفيرة الولاياتالمتحدة في الاممالمتحدة سوزان رايس في خطاب عاجل لمجلس الامن الدولي ،تدعو فيه الى نشر القوات الاثيوبية فوراً في منطقة أبيي، مشيرة إلى أن حكومة الولاياتالمتحدة ستبدأ فوراً في صياغة قرار لمجلس الامن يسمح بنشر القوات الاثيوبية.قبل أن تنقل ترحيبها بالاتفاق بين طرفي النزاع على جعل أبيى منطقة منزوعة السلاح ،مع جملة من الترتيبات الادارية والامنية المؤقتة التي تقضي بسحب القوات المسلحة السودانية من المنطقة ،وهو ذات ما أعلنه ثابو أمبيكي رئيس لجنة الاتحاد الافريقي في العاصمة الاثيوبية أمس الأول ،مشيراً إلى أن شمال السودان وجنوبه وقعا اتفاقا يقضي بانشاء منطقة نزع سلاح في أبيي، وبانسحاب القوات المسلحة وانتشار قوات اثيوبية في المنطقة. بيد أن إنتشار القوات الاثيوبية المتفق عليها ،ينبغي أن يتم بسرعة فائقة ،وفقما أكدت على ذلك رايس ،لدى مشاركتها أمس الأول في اجتماع شارك فيه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من اديس ابابا المبعوث الخاص للامم المتحدة الى السودان هايلي منكريوس ورئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي،مبينة أنه قد حان وقت التنفيذ الكامل والعاجل للإتفاق ،وهو التنفيذ الذي يجب أن يبرز حسب رايس مدى ضرورة انتشار القوات الاثيوبية فورا في أبيي بوصفها القوة المؤقتة التي تمت الموافقة عليها تحت رعاية الاممالمتحدة وبناء على جدول زمني اتفق عليه الطرفان. إذاً فان القوات الأثيوبية المنتظرة ،ستهبط في أرض أبيى بعد أيام قلائل ،تحت مظلة الاممالمتحدة ،حسبما أكد على ذلك ممثل الاممالمتحدة في السودان هايلي منقريوس ،مشيراً إلى أن بعثته ستكون مستعدة للمساعدة على انتشار سريع لهذه القوات،وهو ذات الأمر ،الذي مضى إليه مراقبون ،مشيرين إلى أنه ومنذ أن وافقت الخرطوم على إستقبال قوات أثيوبيا ،فان السيناريو حينها كان أمريكياً ،خاصة بعد لقاء وفدي التفاوض في أديس أبابا بوزيرة الخارجية الامريكية ،مشيرين إلى أن القوات الاثيوبية ولو أتت تحت أي مظلة فانها رهن إشارة الامريكيين ،الذين سبق وأن قاتلت بالوكالة عنهم في الصومال وعدة دول أفريقية ،متوقعين أن تأتي القوة الاثيوبية إلى أبيى بقرار من مجلس الامن .كما أنه لايمكن إغفال الدور المحوري للامريكان في هذا الامر بحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي المعروف الدكتور خالد التيجاني النور ،والذي يرجع في مقال له بالصحافة الاسبوع قبل الماضي تعقيدات الاوضاع في أبيى إلى مايسميه بمحورية الدور الامريكي في المسألة و ومسؤولية الولاياتالمتحدة المباشرة عن تداعياتها الراهنة المنذرة بإفشال عملية السلام برمتها، والوقوف على حافة العودة الى الحرب بين الشمال والجنوب، مشيراً إلى أنه لايمكن تبرئة الاطراف المحلية من المسؤولية تماماً ، إلا أن الإحاطة بخلفية مقترح التسوية حسب التيجاني تشير الى حقيقة اساسية وهى أن البون الشاسع بين موقفي الشمال والجنوب حيال الموقف من حل قضية أبيي كان ولا يزال امراً جلياً ومعلوماً، ولذلك احتكما الى الدور الامريكي وقبلا رعايته لمقترح التسوية، وعولا عليه في لعب دور نزيه للوصول الى حل يحظى بالقبول مع الاخذ في الاعتبار التعقيدات العميقة المحيطة بالقضية الى درجة جعلتها تتميز بهذه الوضعية الخاصة في اتفاقية السلام ،ويتوقع كثيرون أن تؤثر الولاياتالمتحدة على المجتمع الدولي في أن تأتي القوات الاثيوبية بقرار من مجلس الأمن الدولي .لكن الاتفاق الذي وقعه الشريكان ذاته ينص على عدم تدخل مجلس الامن الدولي ،حسبما مضى لذلك مسؤول ملف أبيي في الحكومة السودانية الدرديري محمد احمد،مشيراً في تصريحات صحفية أمس الأول ،إلى أن الاتفاقية تنص على الانسحاب المتزامن للقوتين (القوات المسلحة) و (الجيش الشعبي)، بالاضافة الى نشر قوات اثيوبية باتفاق منفصل مع الاممالمتحدة وبتفويض خاص يستند على الاتفاقية، على الا يتدخل مجلس الامن في الاتفاقية بالرغم من انها تمول من الاممالمتحدة،قبل أن يعرب عن ترحيبه بما تم التوصل له ،معتبراً إياه خطوة لاحلال السلام في المنطقة،مبيناً أن النقاط التي حددتها الحكومة قد اوفيت وتمت الاستجابة لها. وإن بدا موقف الخرطوم مرتبكاً ،إزاء المظلة التي ستهبط بها القوة الاثيوبية المرتقبة في أبيى ،فهي تحت مظلة الأممالمتحدة ولاعلاقة لمجلس أمنها بها ،فان موقف جوبا يبدو واضحاً ،حيث طالبت حكومة جنوب السودان الاممالمتحدة بنشر القوات الاثيوبية فوراً وتحت راية المنظمة الدولية ،وفقما أكد على ذلك نائب رئيس حكومة الجنوب، رياك مشار،داعياً في حديثه من نيويورك ،التي وصلها لحضور جلسة الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن جنوب السودان ، إلى الاسراع في تنفيذ الامر قبل التاسع من يوليو. مع أن مجلس الامن سيتباحث في أمر القوات الاثيوبية المرسلة لأبيى ،في الايام القادمة ،إلا أنها ستأتي إلى أبيى برضا الحكومة أو بدونه ،ولن تحل المشكلة المتفاقمة هناك بحسب مراقبين ،يشيرون إلى أنها ستولد نزاعاً إقليمياً في المنطقة بأسرها ،بين إرتريا والسودان ،الذي سيسمح لاديس أبابا بان تلعب دوراً محورياً في الأزمة السودانية ،مبينين أن القوات الأثيوبية لن تتمكن من المحافظة على علاقة سلسة بين شمال السودان وجنوبه . [email protected]