نافذ ومتنفذ متواضع وغشيم، سأل رفيقه الآخر الخبير والضليع: كيف تدخلون بروميد البوتاسيوم إلى البلد وهناك قرار بتحريمه ومنعه وتجريمه، النافذ «التفتيحة» عدّل من وضع عمامته الترباسية- نسبة إلى الفنان كمال ترباس- بأن «تركشها» أي جعلها تميل الى الامام قليلاً كناية عن الفخر والاعتداد بالنفس، ثم مسح بكف يده اليسرى على كرشه الممدود كذا مرة ثم تنحنح و«تمطق» وكأنما كان يتلمظ المفردات قبل إطلاقها، ثم أجاب: ألم تسمع بالمثل الاريتري «قنزب كلي سما منقدلي» ومعناه من يملك المال يخفس إلى السماء، خجل «التميسيح» الصغير أن يرد عليه صراحة فتمتم في سره: هذا إنخساف إلى القيعان وليس قدلة إلى السماء ثم أردف سائلاً ألا تعلم أنه يسبب السرطان، أجاب التمساح «الكلفاح اللفاح» بلاّع التماسيح بثقة عمياء وابتسامة صفراء، أي نعم أعلم ولكن أفضل أن يموتوا بالسرطان ونربح نحنا من يموتوا ساكت...... وعلى هذا المنوال والنهج مضت سياسات النحر الاقتصادي المسماة دلعاً وتلطفاً بالتحرير الاقتصادي المستوردة والمستوحاة من الغرب الصليبي الكافر النجس، ولكنهم للغرابة والمفارقة عندما إستوردوها أفسدوها وعندما طبقوها، طبقوها بصورة صيّرتهم أشد كفراً وصليبية من الغرب الصليبي الذي طالما لعنوه وسبوه ودعوا عليه مع أن تطبيقاته لهذه السياسة كانت أكثر رحمة ورأفة بما لا يقارن مع تطبيقاتهم الوحشية التي أشاعت إقتصاديات التوحش من كل ناحية أتيتها، فقد تجاهلت هذه السياسات الصرف على الاولويات الاجتماعية والخدمات الأساسية بينما توسعت وتطورت في مجال الجبايات والاتاوات والرسوم والمكوس جنباً إلى جنب تضخم الانفاق الحكومي في مجالات الصرف السياسي والسيادي والاداري والأمني والبذخي في مقابل تقزم وتضاؤل الصرف على التعليم والصحة وقطاع الخدمات عموماً الامر الذي استحقت معه عن جدارة اسم سياسات النحر الاقتصادي وليس التحرير الاقتصادي.. إن سياسات النحر هذه وبالوحشية والسادية التي هي عليها والتي لا ترحم فقيراً ولا تراعي حالة معدم تبقى المتهم الاول والرئيسي في كل حالات الشروع في الانتحار التي يقدم عليها البعض حين تعز عليهم لقمة العيش أو جرعة الدواء أو رسم المدرسة، وحقيقة الامر أن أمثال هؤلاء الغلابى المغلوبين على أمرهم حين يفكرون في الانتحار أو يشرعون فيه إنما يقدمون عليه وهم أصلاً منحورون سلفاً بفعل سياسات النحر هذه، فليس بالسكاكين وحدها ينتحرون أو بالسيوف أو الفؤوس أو إلقاء النفس من الاعالي أو بتجرع السموم، أو ... أو ... إلى آخر أي أداة أو وسيلة يمكن أن يلجأ اليها من يحاول التخلص من مأساته ومعاناته بوضع حد لحياته التعيسة، ولهذا كان الأولى بتوجيه الاتهام الصريح ب «النحر» هو الحكومة وسياساتها الاقتصادية الناحرة وليس ذلك المواطن الغلبان المسكين الذي حاول لفت الانتباه لمحنته ومعاناة طفله الصغير المريض الذي حالت مائة جنيه فقط دون تلقيه العلاج باعتلاء قمة صهريج الماء والتهديد بالقاء نفسه إلى الارض بعد أن عزّ عليه الحصول على هذا المبلغ التافه الذي جعلته الحكومة مقابلاً لحياة طفله العزيز...