اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    مناوي: أهل دارفور يستعدون لتحرير الإقليم بأكمله وليس الفاشر فقط    آمال ليفربول في اللقب تتضاءل عند محطة وست هام    شاهد بالفيديو.. في أول حفل لها بعد عقد قرانها.. الفنانة مروة الدولية تغني لزوجها الضابط وتتغزل فيه: (منو ما بنجأ ضابط شايل الطبنجة)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    محمد وداعة يكتب: المسيرات .. حرب دعائية    إسقاط مسيرتين فوق سماء مدينة مروي    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    هل فشل مشروع السوباط..!؟    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيارة نقل النفايات.. يا ستهم!!
نشر في الصحافة يوم 23 - 06 - 2011

صباح اول ايام الاسبوع الثاني بمدينة حلفاية الملوك، وذات المناظر تحيط بالمكان. يبدو ان الوقت لا يتحرك، فهنالك اكياس للنفايات لا تزال قابعة في مكانها منذ ايام طويلة مضت. لا اكاد اذكر آخر يوم تغير فيه منظر النفايات. العفو، الحقيقة قد تغير المنظر بعض الشيء، فلقد ازدادت الأكياس و)تكومت( أمام بعض المنازل وصارت تجلس راكنة في مكانها هادئة لا تتحرك إلا بفعل انياب الكلاب او (خربشات( القطط لتصبح بعدها الأكياس مجرد كائنات تتحرك بصورة حرة طليقة في الهواء. اما ذاك الذي كان بجوفها، فتنتشر رائحته خلال ساعات قليلة بفضل الحرارة في سماء المكان وتضيق بها الأنوف والصدور. ولا نكتفي هنا بالرائحة، فيجب ان تكون الخدمة كاملة متكاملة، فيجد الذباب طريقه إلى المأدبة العامرة التي تنتظره فيتجمع ويتجمهر ويقيم حفلا رائعا على نغمات اجنحته الخفاقة. ويرقص الذباب هنالك ويمرح مع زميلته الناموسة التي تأتي إلى الحفل ذاته وتروّح عن نفسها قليلا قبيل ان تذهب من (دربها) ذاك لتحلي بدم احد السكان فتصيبه بمرض قد يشفى منه او يرتحل بسببه مباشرة صوب الآخرة الصغرى.
وبدأت اسأل الجيران واهالي المنطقة من حولي عن الأيام والوقت الذي من المفترض ان تمر فيه سيارة جمع النفايات. واخطرتني اولى جاراتي (تغريد مزمل)، من ساكنات الحي السابع بحلفاية الملوك، ان موعد نقل النفايات كان بداية يتم في يوميّ الأحد والأربعاء، لكن كانوا يخرجون نفايات منزلهم في يوم الأحد ولا تمر العربة لكي تحمله، لكنها تأتي في يوم الإثنين فتحمل نفاياتهم وتمضي. ثم يأتي يوم الأربعاء ويخرجون النفايات ولكن لا تأتي العربة إلا يوم الخميس وتمضي. وفهم اهالي المنطقة ان موعد نقل النفايات قد تغير (بقدرة قادر) وبدلا عن يوميّ الأحد والأربعاء صارت النفايات تنقل يوميّ الإثنين والخميس، ودام الحال على هذا المنوال لفترة. لكن بما ان دوام الحال من المحال، فلقد قامت عربة نقل النفايات بالظهور في يوم الإثنين لكنها لم تحضر يوم الخميس، ومر الجمعة ثم السبت والأحد لتأتي العربة يوم الإثنين. وتكرر الأمر ذاته، في الاسبوع الذي يليه والذي تلاه ايضا. ومرة اخرى فهم اهالي المنطقة ان عربة نقل النفايات قد غيرت من ايامها، فبدلا عن يومين في الاسبوع صارت اليوم العربة تنقل النفايات يوما واحدا فقط. وليت الأمر توقف هنا، لكن بدلا عن ان تحضر العربة يوم الإثنين من كل اسبوع صارت تأتي في الوقت الذي يحلو لها، ربما يوم ثلاثاء او جمعة او حتى سبت. ألم اقل لكم انها (ستهم) تأتي متى ما يحلو لها وتترك الحيّ متى ما لم ترد!! ثم تغير الوضع ايضا لتصبح، كما اضافت لي جارتي، لا تأتي ابدا. فلقد تقرر ان تأتي العربة هذا الاسبوع لكنها تختفي الاسبوع الذي يليه، ثم تقرر ان تأتي في اسبوع آخر. واصبح هناك بالتالي نتيجة هذا التذبذب تخبط في فهم اهالي المنطقة للجدول الذي من المفترض ان تلتزم به العربة، فيخرج اهالي المنطقة نفاياتهم متى ما (تكومت) امام باب المنزل ويصبح امام كل بيت مجموعة لا بأس بها من الأكياس بصورتها التي وصفتها في اول المقال. اما إذا ما كانت هنالك مناسبة في المنطقة، فحدث ولا حرج. فتبقى كل نفايات منزل المناسبة امام المنزل في انتظار عطف و(حنية) سيارة النفايات حتى تأتي لتريحهم وتريح اهل المنطقة من التجمع ال(نفاياتي) الذي يزين المنطقة ويرصعها بمجموعة من الأكياس السود.
وبدأت اسأل اكثر في الأمر، من هو المسؤول عن رفع النفايات من امام بوابة منزلي؟ ولماذا ليس هنالك جدول ثابت او برنامج متكامل يضمن لأهالي المنطقة وينظم لهم عملية نقل النفايات؟ وعلمت ان مشاريع نظافة ولاية الخرطوم تقع تحت سيطرة وزارة البيئة التابعة مباشرة لوالي الخرطوم. وهنالك سبعة مشاريع تابعة لوزارة البيئة من المفترض ان تعمل بكل جهد وبدون كلل او ملل لضمان نظافة الخرطوم. ووجدت ان الحلفاية تقع تحت هيئة نظافة بحري التي تقبع ستة قطاعات تحت مظلتها، فهي مكلفة بنظافة وجمع نفايات كل من (الحلفاية، الدروشاب، الريفي، الشرقي، الغربي، ثم الأوسط). وبالتالي كانت اولى زياراتي لمكتب هيئة محلية نظافة بحري قطاع الحلفاية لأسأل عن اسباب تجمع النفايات امام بوابات المنازل.
وبدأت أسأل عن مكان مكتب جمع النفايات واحاول جاهدة معرفة مكانه الذي فشلت فيه بمفردي فشلا ذريعا. وعدت لتصحبني في الزيارة الأستاذة زينب مصطفى من قاطنات الحي الرابع بحلفاية الملوك والذي يعاني من النقص ذاته في خدمات جمع النفايات. وما ان اوقفتني زينب امام باب المكتب حتى علمت السبب الذي دعاني لكي افشل في معرفة المكان. المكتب عبارة عن باب منزل (عادي) جدا. فليس هنالك امام المنزل اي لافتة تحمل اسم المكتب او تعبر عن شعار الهيئة. ووجدتني أسألها بحيرة إن كانت متأكدة ان المنزل الذي نقف امامه هو المكتب الحكومي ذاته الذي نقصده وسحبت رجليّ من خلفها وانا اتساءل إن كان قد اختلط عليها الأمر. لكنها كانت محقة، فلقد كان جميع الموظفين جالسين في (اوضة) بعدما ظلت (البرندة) بمكاتبها البسيطة مهجورة.
والتقينا منذ بداية الزيارة بمشرف التحصيل (محمد ابوبكر) الذي صحبنا حتى نهاية جلستنا في المكتب. سألنا بداية عن الضابط الإداري المسؤول عن نقل النفايات بالأحياء التي نقطنها انا وزينب لنجده قد تم نقله واستلم من بعده الأستاذ وليد محمد يوسف منذ اشهر قليلة فقط. وسألنا، (طيب) كيف يمكن لنا ان نلتقي بالأستاذ وليد؟ فوجدنا ان هنالك شكوى مقدمة من مكتب الوالي (شخصيا) بخصوص الحي الخامس وذهب الأستاذ وليد لكي يرقب المنظر. إذن هنالك المزيد من الأحياء التي تتقدم بالشكاوى وتحاول ان تسمع صرختها لكي يسمعها احد ويخلصها من النفايات التي صارت تقلق مضجعها.. فالقضية باتت منذ بداياتها ظاهرة (وكأنها كانت غائبة) لكن ثبت ان المشكلة عامة وان احياء الحلفاية المختلفة تعاني من المعضلة ذاتها. وبعد عدد من محاولات الاتصال بضابط الصحة والضابط الإداري والمشرف علمنا بان الأستاذ وليد في طريقه إلى المكتب وجلست وزينب ننتظر حضوره حتى نتناقش وإياه في امر جمع النفايات.
المكتب الذي جلسنا ننتظر فيه كان غرفة بسيطة، تحتوي على ثلاثة مكاتب. يجلس في واحد منها مشرف التحصيل بينما تجلس موظفتان على كل من المكتبين الآخرين تتحدث واحدة مع زميل يجلس بكرسي يجاور المكتب بينما تستمع اخرى إلى اشياء لا ادري كهنها عبر سماعة تضعها في اذنها موصولة بهاتفها المحمول. ولاحظت ان المكاتب تخلو من اجهزة الكمبيوتر وتكاد تنعدم حتى الأوراق التي قد تنم عن ان هنالك عملا يتم فيه. فلم يكن هنالك سوى ملفين ازرقين بمكتبين تعلوهما ذرات التراب. ولم يتأخر الضابط الإداري الذي رد علينا التحية بافضل منها، وبدأنا الحديث معه ومشرف التحصيل عن الأسباب التي تجعل جمع النفايات امرا صعبا بمنطقة الحلفاية. لماذا ليس هنالك يوم محدد يعرفه السكان لجمع النفايات؟ لماذا تتراخى العربة عن زيارة المنطقة يوما وتتركها اياما أخر؟ ولماذا باتت تتباعد فترة جمع النفايات من مرتين في الاسبوع لمرتين في الشهر؟ وحتى متى تتواصل هذه المعاناة؟ وما هو السبيل إلى حل جذري يستأصل المشكلة بكاملها؟
وعلمت ان الاسطول الذي يعمل بمنطقة الحلفاية والدروشاب يحتوي على 11 عربة نقل للنفايات. وهنالك في البداية مشكلتان، اولاهما ان الاسطول نفسه قد اصابه القدم فعمره قد قارب الاحد عشر عاما وهنالك زيادة في نسبة الحاجة إلى سيارات. فالحاجة الآن مقسمة إلى 6 عربات ضاغطة لتغطي منطقة الحلفاية بينما تحتاج منطقة الدروشاب إلى 8 عربات ضاغطة لكي تخدم ال(43) حيا الذي تتكون منه المنطقتان. إذن هنالك حاجة لحوالى (14) سيارة، ولكن قد يظن القارئ ان الفرق ليس بعيدا فالمحلية تمتلك احدى عشرة سيارة لكن هنالك حسابات اخرى. إن هنالك سيارتين تكونان مكلفتين بالطرق الرئيسة والأسواق، وهنالك سيارات تصاب بالأعطال. فمثلا في خلال اليوم الذي زرنا فيه المكتب (صباح الخميس 16 يونيو 2011)، كانت هنالك سيارتان من قطاع الحلفاية بهما خلل واقتصر الاسطول على اربع سيارات بدلا عن الست هذا بالإضافة إلى واحدة لتغطية الطريق الرئيس نجد ان هنالك نصف العدد المطلوب فقط هو الذي يحاول ان يقوم بخدمة المنطقة.
ولم تقتصر المشكلة على اسطول عربات الضغط، بل يتعدى الأثر لما يسمى بال (محطة الوسيطة). والمحطة الوسيطة هي المنطقة التي تقوم عربات جمع النفايات بتفريغ عبوتها فيها حتى تتمكن من جمع المزيد من النفايات. ثم تقوم جرارات كبيرة تتحمل عبوة عدد من العربات الضاغطة بتحميل النفايات وتذهب لتفريغ حمولتها هذه في (حطاب) التي تبعد اكثر من 30 كيلو عن منطقة الحلفاية. وبعدما تمتلئ احيانا عربات النفايات وتذهب لتفريغ حمولتها بالمحطة الوسيطة نجد ان الجرارات هنالك لا تعمل. فيوميا من المفترض ان تعمل حوالى السبعة جرارات لكن في اليوم ذاته الذي زرنا فيه مكتب الحلفاية (واعقبناه بالمحطة الوسيطة نفسها، التفاصيل في اجزاء مقبلة من المقال) كان هنالك جرار واحد فقط يعمل. ولكي يذهب هذا الجرار لتفريغ حمولته فهو يحتاج إلى ساعتين كاملتين.. يخرج الجرار الساعة الثامنة والنصف صباحا ليعود العاشرة والنصف. فلك ان تتخيل ال(عطلة) التي قد يتسبب فيها هذا الأمر. اقلها ان تقوم المكاتب إما بتوجيه عربات النفايات للذهاب هي نفسها إلى (حطاب) وهذه مشكلتها ان ساعتين تقريبا من الوقت تضيعان في مشوار تفريغ الحمولة من ناحية، ومن ناحية اخرى الطريق إلى (حطاب) طويل وغير معبد فتصيب السيارات اعطال بسببه وهذا يؤدي بالتالي إلى تقليل الاسطول. ومثال حقيقي، ان ارسل المكتب إحدى عربات الاسطول التابع لمنطقة الدروشاب إلى حطاب فانكسرت ال(ريشة) بسبب الطريق. الحل الثاني الذي يمكن ان يقوم به المكتب هو تقديم التوجيه لعرباته بالا تحمل باطنها بمزيد من النفايات وهذا يؤدي إلى المشكلة التي نعاني منها، تجمع النفايات امام ابواب المنازل وممارسة اهالي المناطقة لرياضة الصبر الطويل الجميل.
وكانت اهم اسئلتي للضابط الإداري ومشرف التحصيل عما إذا كانت هنالك توصيات رسمية تم رفعها لمدير هيئة نظافة بحري. في هذه التوصيات كنت انتظر، واتوقع، ان يقوم المكتب بإخطار إدارة الهيئة رسميا بالعجر في اسطول عرباته وأن نتيجة هذا العجز هو إهمال في العناية باحتياجات المواطن. وعلمت انه قد كانت هنالك توصيات رفعت في فترات سابقة لكن لم اتمكن من الحصول على نسخة من هذه التوصيات. وبعدما شكرت كلا من الأستاذين وليد ومحمد على وقتهما الثمين، والحق يقال انهما قد جلسا يتحدثان ويناقشان بصدق وبدون تذمر، قررت التحرك مباشرة لرئاسة محلية نظافة بحري ومقابلة مديرها السنوسي سليمان.
وما ان دلفت إلى رئاسة الهيئة حتى تمنيت ان لو كان بيدي كاميرا فيديو وإن كنت استطيع ان انقل الصورة حية إلى القراء. لقد كان الهدوء يعم المكان.. وتساءلت مرة اخرى، هل هذا هو مكان المحطة الوسيطة؟ لقد ظننت ان المحطة الوسيطة ستعمل كخلية النحل، سيارات (داخلة) واخرى خارجة وهي تفرغ النفايات وتذهب لكي تحمل اخرى. هذه هي المحطة الوسيطة التي من المفترض ان تكون عربات ستة قطاعات كاملة تزورها فظننت انني لن اجد لرجلي موضعا لكن العكس تماما هو الذي كان يحدث. لم تكن هنالك سيارة، ولو واحدة، داخلة او خارجة. وتذكرت ان هنالك جرارا واحدا فقط هو الذي يعمل فربما كان لا يزال في طريقه عائدا او ذاهبا إلى (حطاب) وبالتالي، ربما تكون هنالك سيارات اخرى في طريقها إلى (حطاب) او ربما توقفت عربات جمع النفايات عن عملها وهذا بالتالي يعني ان اظل انا، واهالي المنطقة، نتأمل منظر النفايات ليوم آخر جديد.
ومع دخولنا إلى مبنى الرئاسة سألنا عن مكتب المدير الذي عرفنا انه يقبع في الدور الثاني. وهنالك سألت الأستاذة امل سكرتيرة المدير عن إمكانية مقابلته فاخطرتنا انه في زيارة ميدانية. وسألت عن إمكانية الحديث معه عبر الهاتف حتى نتمكن من تقييم الوضع، هل ننتظره بالمكتب ام نذهب لنأتي (بكرة)؟ وسألتنا الأستاذة السكرتيرة بان نكتب خطابا للمدير نوضح فيه اسباب الزيارة، وقد كان. كتبت خطابا بخط اليد، ذكرت فيه اسمي والأستاذة زينب والأحياء التي ننتمي لها في الحلفاية. ايضا كتبت ان الهدف من الزيارة هو مناقشة وضع جمع النفايات بالمنطقة وتركت بالخطاب ارقام الهواتف الخاصة بكل مني وزينب قبيل تسليمه للسكرتيرة في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الخميس 16 يونيو 2011، كان الهدف من زيارتي للمدير ليس هو الشكوى من وضع النفايات فقط، لكنني كنت ارغب في معرفة التوصيات التي رفعت له من قبل المكتب، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، كنت اريد اعرف إذا ما كانت التوصيات قد نوقشت وهل هنالك عمل على حل جذري للمعضلة التي اراها امامي معايشة من قبل اهالي المنطقة.
وقبيل مضي بضع ساعات هاتفني مشكورا الأستاذ السنوسي سليمان مدير عام هيئة نظافة بحري، وبدأت في اجراء مقابلة هاتفية معه. ملخص الحوار ان الأستاذ السنوسي يرى ان هنالك بضع قضايا، اولها ان الهيئة تعطي اولوية للطرقات التي يجب ان تنظف، فالطرقات التي ترسم صورة عن هيئة المدينة عامة هي التي تنظف وجميع الطرق الرئيسة. وهذا بالتالي يعني ان الذين يقطنون في الشوارع الداخلية، مثلي، عليهم ان (ياكلوا) نارهم ويقرضوا الصبر في انتظار عربة النفايات.
الأمر الثاني الذي يدركه المدير هو ان المحطة الوسيطة تعاني من مشكلات كبيرة في الجرارات وزيادتها هو الحل المباشر لمشكلة النفايات التي تقصم ظهرنا في المنطقة. والسبب في حكم الأستاذ السنوسي هو ان عربة النفايات تستطيع ان تقوم بحوالي ثلاث نقلات في اليوم للمحطة الوسيطة، لكن بعد زيادة عدد الجرارات يمكن للعربة ان تقوم بخمس نقلات وهذا بالتالي يؤدي إلى زيادة في معدل نقل النفايات عن اهالي المنطقة. وأضاف السنوسي ان وزارة البيئة تنتظر حوالى العشرين جرارا لمنطقة الخرطوم الكبرى وسيكون نصيب هيئة بحري اربعة جرارات. ولدى سؤال المدير عن المدة التي سيستغرقها استيراد هذه الجرارات اضاف ان الجرارات موجودة وانها في انتظار اجراءات تخليصها من الجمارك فقط.
واجدني حقيقة اشك في ان زيادة عدد الجرارات سيكون هو الحل. فالقطاعات التابعة لهيئة بحري وخصوصا الحلفاية والدروشاب يعملان بحوالى نصف الاسطول، فتكون الزيادة في اعداد الجرارات في المحطة الوسيطة هي السبب المباشر لزيادة معدل جمع النفايات. إن الحل الأساسي هو ان يكون هنالك اسطول كامل متكامل تحت سيطرة الضابط والمشرف الإداري للقطاع ويتعين ان تكون هنالك ايضا ايام ثابتة يعرفها ويتفق عليها جميع اهل الحي لنقل النفايات حتى نضمن استمرار الحركة. وكذلك انتظار إجراءات تخليص السيارات يجعل المواطن ضحية للحكومة التي تأبى إلا ان تجعله هو ينتظر بدلا من ان تتحمل هي المسؤولية، سواء بتأجير جرارات او زيادة عدد الورديات التي تعمل في جمع النفايات.
وليس هذا فحسب، بل انه يرى ان المواطن (ذات نفسه) جزء من هذه المشكلة، فهو يلقي بنفاياته خارج المنزل في غير ايام نقل النفايات الرسمية وهذا يؤدي إلى تكاثر النفايات في الطرقات ويؤذي الشكل العام للمكان ويؤدي إلى الأمراض وغيرها من المشكلات المعروفة المتداولة. لكن ان نلقي باللوم على المواطن كجزء من المشكلة امر غير سليم، وذلك لأسباب عديدة. اهم هذه الأسباب ان المواطن لا يدري اصلا متى ستحضر عربة نقل النفايات فربما تحضر الإثنين او الخميس، من يدري ومن يتمكن من ان يضمن لهم. وربما لا تحضر السيارة لاسبوع كامل، بل وربما لاسبوعين كاملين كما في وضع الحي الرابع الذي حتى كتابة هذه الأسطر كانت (اكوام) النفايات لا تزال راكنة امام ابواب المنازل.
وليست المشكلة، في تقديري، مقصورة على الامكانيات المادية فقط، فالهيئة تعاني ايضا من مشكلات إدارية. فالعامل اليوم حتى بعدما تحضر سيارة نقل النفايات يتخير اي قمامة يلتقط وأياها في مكانها يترك. وربما تمر بالمكان وتظن ان سيارة نقل النفايات لم تمر اصلا لأن المكان لا يصبح نظيفا بعد نقل النفايات. بل ان هنالك منازل وربما طرقات تظل نفاياتها امام بوابة المنازل تنتظر إحسانا آخر من الهيئة. وبسؤال المدير علمت ان الهيئة ليست لديها الوسيلة لتقييم الجودة التي يمارس بها عامل النظافة مهنته. فإذا ترك عامل (شارعا) بدون نظافة، (فبالعقل)، لن يخبر هو رؤساءه ولن يدركوا هم اي خطأ قام به العامل. وليست للهيئة، كما علمت، اي برامج لتدريب عمال النظافة فكل ما عليهم هو ان يخرجوا لالتقاط اكياس النفايات وعليهم تغطية عدد من المنازل في خلال فترة محدودة. وحينما (تتكوم) هذه النفايات يصبح من الصعب على العامل تجميعها بسرعة بالإضافة إلى ان معظم (الأكياس) تكون انياب الكلاب والقطط قد قامت بواجبها تجاهها.
ووجدتني واقفة حائرة، فالكل يقسم انه يقوم بعمله. انا قمت بعملي كمواطنة من ناحيتين، اولاهما انني دفعت التكلفة الشهرية التي طلبتها مني الهيئة وانتظر ان تقوم بواجبها تجاهي. وقمت بواجبي كذلك حينما رفعت شكوى للإدارة بعدما تضررت من منظر النفايات في المنطقة. في مكتب قطاع الحلفاية، في هذه الحالة، هم يقومون بما يستطيعون. فلقد رفعوا توصياتهم لمدير هيئة بحري ويعملون اليوم كله لضمان انتظام حركة سيارة نقل النفايات. اما بالنسبة لرئاسة هيئة بحري، فهم يرفعون تقارير شهرية لوزارة البيئة عن الوضع الذي تعاني منه المنطقة. ولكن نجد ان الجميع ينتظر ولا ادري اين السقف الذي وقف لديه الحل والكل يحاول ان يرميه (كالكرة) في مرمى الآخر. وحتى نجد الحل الاساسي لمشكلة نقل النفايات، لن نيأس وسنظل نكتب ونزور ونشكو ونرفع مطالب المنطقة العادلة حتى نضمن اوقاتا معروفة تأتي فيها سيارة نقل النفايات ولا نجدها (تسرح) وتمرح في المكان فقط متى ما يحلو لها!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.