شد وجذب وحراك دبلوماسي عريض، بين الخرطوموواشنطن لم يثمر ولم تجن منه الاولى سوى وعود متجددة يشوبها التعقيد مع تطور الأوضاع المؤسفة في البلاد التى كتب عليها ان تنزف الى أجل غير مسمى «هدأت دارفور وسكت الرصاص في ابيى فصرخ بوم الخراب في جنوب كردفان» لتمتد آثار الحريق الى ملف التطبيع الشائك، خاصة بعد تهديدات الولاياتالمتحدة على لسان المتحدث باسم الخارجية مارك تونر التي قطع فيها بوقف عملية تطبيع العلاقات بين البلدين حال تصاعد أعمال العنف في جنوب كردفان، ما أثار شكوك الخرطوم المتزايدة حول نيات الولاياتالمتحدة الحقيقية تجاه السودان الذى قدم تنازلات وقرابين على طبق من النيات الحسنة بغية شطبه من الدول الراعية للإرهاب الا انها لم تفلح حتى الآن ما دعا برلمان الخرطوم الى إقرار مبدأ التعامل بالمثل في السياسة الخارجية مع واشنطن فى مقبل الأيام. مواقف متلاحقة من قبل الإدارة الأميركية بشأن تطبيع العلاقات مع السودان بدأت بالتشديد على إجراء إستفتاء آمن وامتدت لتطول تحسن الأوضاع فى جنوب كردفان، بعد تهديدات المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر بوقف مساعى التطبيع بين الخرطوموواشنطن إذا استمر تصاعد أعمال العنف في ولاية جنوب كردفان، وقال تونر « اذا اختار السودان مواصلة التصعيد وسعى إلى حل عسكري لقضيتي أبيي وجنوب كردفان، فإن الولاياتالمتحدة لن تتقدم وفق خريطة طريق التطبيع، وسيواجه السودان عزلة دولية متنامية»، فى وقت دعا فيه الرئيس باراك أوباما الجانبين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني للوفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاق السلام الشامل وحل خلافاتهما سلمياً، وشدد على وقف العمليات العسكرية في جنوب كردفان، وقال اوباما في رسالة صوتية لشبكة «صوت أمريكا» إنه لا يوجد حل عسكري وعلى قادة الشمال والجنوب أن يتحملوا مسؤولياتهم وعلى حكومة السودان منع حدوث مزيد من التصعيد ووقف الأعمال العدائية فوراً، بما في ذلك القصف الجوي والتهجير القسري وحملات المضايقة»، حسب قوله، ومن ثم السماح لعاملي الإغاثة بحرية نقل المواد فى المنطقة. وحمل خطاب الرئيس البشير صورة يائسة لمستقبل العلاقات السودانية الأميركية في كلمته التى ألقاها امام المؤتمر الدولي لمكافحة الأرهاب الذى استضافته طهران اول من امس، واستبعد البشير أي تطبيع في العلاقات بين السودان والولاياتالمتحدة الأميركية، وقال «نحن على قناعة أن أميركا لن تطبع علاقاتها معنا مهما فعلنا ومهما وقعنا من اتفاقيات وإذا انتهت كل المشكلات في السودان فسيخلقون مشكلات جديدة» وفى تصريحاته اتهم البشير جهات خارجية على رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، بتضخيم الخلافات التقليدية التي وصفها بالمحدودة على حسب قوله في دارفور، وقال «وجد أعداء البلاد في قضية دارفور فرصة مناسبة لإيذاء السودان والنيل منه، واوضح أن القوى الباطشة ذاتها أضحت تصوغ المصطلحات وتعيد صياغة المفاهيم بما يبرئ ساحتها ويجرِّم الآخرين ويصوِّرهم على أنهم هم الجلادون بينما هم الضحايا المقهورون، بعد ان اكد فى الوقت ذاته التزام السودان القاطع والصادق بأمن وسلامة العالم، ووصف البشير في تصريحات للتليفزيون الصين «سي سي تي في» التعاطي الغربي مع أزمة دارفور بأنه «تغطية» للفظائع التي تم ارتكابها في العراق وأفغانستان، وانتقد عدم ضغط المجتمع الدولي على الحركات المسلحة في دارفور لإجبارها على توقيع اتفاق سلام شامل لأزمة الإقليم، وقال «عندما وقعنا اتفاق أبوجا للسلام بشهادة كل المجتمع الدولي، جرى التأكيد على أن الاتفاقية نهائية وأن أي جهة لا توقع على الاتفاقية ستعاقب، ولكن بعد التوقيع تمت معاقبة الحكومة وليس الجهات الرافضة». ومن جانبه اكد المبعوث الأميركي الخاص للسودان برينستون ليمان في تصريحات صحفية لصحيفة «الشرق الأوسط» في رده على خطاب الرئيس البشير في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب بطهران ان اميركا جادة في تطبيع علاقاتها مع الخرطوم في حال إلتزام الأخيرة بتطبيق اتفاقية السلام الشامل، وأشار الى علمهم بشكاوى بعض المسؤولين في الخرطوم واعتبارهم لما يجرى في مضمار العلاقات بين البلدين بانه مراوغة من إدارة أوباما بفتح ملف جنوب كردفان ودارفور كعائق أمام تطبيع العلاقات، على الرغم من تعاون حكومة البشير في استفتاء جنوب السودان والإعداد لاستقلاله، وقال ليمان «هناك بعض من في الخرطوم مقتنعون بأننا لم نرد تطبيق التطبيع أساسا، وأننا نثير العراقيل الجديدة، ولكن إذا نظرتم إلى خارطة الطريق التي تقدمنا بها، فستجدون أنه ليس هناك جديد فيما نقوله، فقضية جنوب كردفان جزء من اتفاق السلام الشامل، وهناك تفاهم في الاتفاق على أن جنوب كردفان والنيل الأزرق لهما حق المشورة الشعبية المضمنة فى الاتفاقية « وتحدث ليمان عن عدم توازن في علاقات البلدين، وإمكانية تأثير ذلك على العلاقات وقال ليمان «إنه تحد مهم، فالعلاقات مختلفة تاريخيا، وإننا ما زلنا بحاجة إلى العمل مع الشمال، ليس فقط على اتفاق سلام شامل، بل على المشكلة المستمرة في دارفور وكل ذلك فيما يتعلق بالتطبيع» واضاف «أوضحنا أن ما نريد أن نراه دولتان قادرتان على العيش، لذلك نريد النجاح في العلاقة مع الشمال»، وشدد ليمان على رغبة واشنطن في تطبيع العلاقات مع السودان على الرغم من المشكلات التى حدثت خلال العقود الماضية، ووضع اسم الخرطوم على القائمة الأميركية ل»الدول الراعية للإرهاب» منذ أغسطس فى العام 1993 ومن ثم سحب السفير الأميركي من السودان فى العام 1998، وكشف ليمان عن التوجيهات التى حددت له من قبل الإدارة الاميركية وقال « كانت التوجيهات لى منذ منذ البداية اننا لا نريد حربا في السودان، هذا ما علينا تجنبه، وهذه قوة دفع أساسية بالنسبة لنا». واسفرت حالة الشد والجذب في العلاقات المأزومة بين البلدين بعد ان سيطر اليأس على حكومة الخرطوم في تحسن خطوات التطبيع إثر الصورة الضبابية للموقف الأميركي تجاه البلاد ما دعا البرلمان السوداني في جلسته أمس الى إعمال مبدأ التعامل بالمثل في السياسة الخارجية مع الولاياتالمتحدة الأميركية، وقال رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر ان سلوكيات الإدارة الأميركية تجاه السودان خلال العشرين عاماً الماضية كانت آثارها مدمرة على البلاد، خاصة بعد ان فرضت الإدارة الأميركية سلسلة من العقوبات وتطويق النشاط الاقتصادى. وما زاد الأوضاع تعقيداً سوء النيات الأميركية التي كشف عنها البرلمان امس بأن الكونغرس الاميركي، دعا لتشكيل قوات خاصة لاعتراض طائرة الرئيس عمر البشير في الاجواء وتوقيفه اثناء زيارته الى الصين، ما يؤكد حقيقة مواقف الولاياتالمتحدة العدائية تجاه السودان، وطالب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، مهدي ابراهيم، في تقرير لجنته امام المجلس باعادة النظر في العلاقات مع الكونغرس الاميركي والادارة الاميركية، ومراجعة الوقائع والسياسات كافة التي اتخذتها واشنطن تجاه السودان، وقال ان الكونغرس ظل يمارس افعالا عدائية تجاه السودان ويهيئ المسرح الاميركي لعداء واسع، واضاف ان هذه المؤسسة مختطفة ولا تمثل الشعب الاميركي، وكشف ابراهيم ان الكونغرس عقد اجتماعا يوم 16 يونيو الحالي بقيادة لجنة فرعية معنية بالشأن الافريقي برئاسة كرايس اثميث، بحثت اوضاع دولة الجنوب الوليدة الا ان الموضوع تحول جله الى الحديث حول شمال السودان وما يجري في ابيي وجنوب كردفان، اعتبرت ان ما يجري في منطقة ابيي يعد احتلالا عسكريا من قبل القوات المسلحة، وما يحدث في جنوب كردفان يعتبر محاولة من محاولات الابادة الجماعية. واوضح النائب البرلماني، مصطفى عثمان اسماعيل، ان سياسة اميركا الخارجية تجاه السودان، اتسمت بالعداء وعدم الوفاء بالعهود والنكوص وقال انها تحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء واتهم الادارة الاميركية بممارسة (النفاق) تارة باسم الديمقراطية، واخرى باسم حقوق الانسان، وشدد اسماعيل على اعمال مبدأ «المعاملة بالمثل» مع واشنطن وقال «نحن لن نقبل بالدنية»، فى اشارة واضحة لإنتهاج الندية فى التعامل، واعتبر اسماعيل دعوة اللجنة الفرعية بالكونغرس لفرض مزيد من العقوبات أنها لن تكون الاولى او الاخيرة. ومن جانبه قلل سفير الولاياتالمتحدة السابق في نيجيريا جون كامبل في تصريحات صحفية نشرتها صحيفة الاتحاد الامارتية أمس من تأثير الضغوط الأميركية على السودان وقال «إن الولاياتالمتحدة باتت تمتلك هامشاً أصغر للتأثير على البشير أو التقدم إلى الأمام بخصوص مسائل مثل شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب» لافتاً الى ان ممارسة الضغوط الأميركية ستحد من الجهود الدبلوماسية للمبعوثين الأميركيين في الوقت الذي تعمل فيه الولاياتالمتحدة بالترويج للسلام في السودان، ووصف كامبل سياسة «الجزرة والعصا» بأنها استراتيجية محدودة في ظل تأثير الصين القوي على الخرطوم اكثر من اميركا خاصة وان بكين لديها حوافز قوية للحفاظ على علاقات متينة مع كل من «الشمال» و»الجنوب» ومنعهما، إن أمكن من الانخراط في حرب تعرقل صادرات النفط. وفي حديثه ل «الصحافة» قال مسؤول ملف العلاقات السودانية الأميركية السابق الدكتور الرشيد ابوشامة ان تصريحات البشير بشأن العلاقات بين الخرطوموواشنطن تعكس بوضوح حالة من اليأس من قبل الحكومة السودانية خاصة بعد الوعود الكثيرة من قبل الولاياتالمتحدة بعد اتفاقية السلام وابوجا والواقع ان اميركا لم تلتزم ولم توف بأى من وعودها السابقة، واعتبر ابو شامة تصريحات ليمان انها لم تأت بجديد ووصفها ب «الكلام الفارغ» على حسب قوله وانها لا تعدو غير انها تجميل لنيات اميركا وتؤكد موقفها الثابت وعدم خروجها من مربع شروطها الذى لم تتجاوزه في شكل العلاقات بينها والخرطوم، واضاف ابو شامة ان تصريحات ليمان لا تمثل سوى حديث دبلوماسي فى مفهوم «العلاقات العامة»، ودعا الخرطوم الى التعبير عن شكل العلاقة بوضوح بينها واميركا بين الفينة والأخرى لابداء التقصير الواضح من واشنطن وإحراجها امام المجتمع الدولى بعدم إيفائها بإلتزاماتها ووعودها المتجددة.