يعيش السودان هذه الايام ظروفا استثنائية بالغة التعقيد ، فهي العشر الاواخر من عمر الدولة الاكبر بافريقيا والعالم العربي فبعد اقل من اسبوعين سيعلن جنوب السودان دولته الاحدث في العالم ، لكن ثمة ملاحظة لافتة للغاية فمدينة جوبا التي ستكون عاصمة الدولة الوليدة تعج هذه الايام بنشاط وحراك عال للتجهيز للاحتفالات تقابلها الخرطوم صمتا مطبقا، قبل عشرة ايام من اعلان الانشطار لكن ما يلفت هو غياب مظاهر الاحتفالات التي درجت على اقامتها حكومة المؤتمر الوطني منذ انقلابها على الحكم الديمقراطي المتعثر في الثلاثين من يونيو 1989م، وهو غياب فتح ابواب التساؤلات وسط قطاعات واسعة. لكن يبدو ان ظلال الانفصال واحباطاته حجبت احتفالات الاسلاميين بنظامهم في عامه الاثنين والعشرين، غير ان مجموعات بعدد من المنتديات على الشبكة الالكترونية ارجعت الاسباب لقيام الثورات العربية بالمنطقة ونجاحها في التغيير هو ما دعا الحزب الحاكم ليغض النظر عن الاحتفال او يقلل من الترويج واقتصار الامر على المستوى الحزبي الداخلي، فالثلاثون من يونيو ومنذ العام الاول لاستلام العقيد حينها، المشير عمر البشير الحكم والاطاحة بحكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي اضحى عطلة رسمية عن العمل واحتفال يوازي حتى زخم اعياد الاستقلال في الاول من يناير مطلع كل عام، الا ان الخرطوم في هذا العام غابت حتى من جدرانها عبارات التهانئ المتكررة والشعارات التي كانت توزع في الطرقات، فالسؤال اي الاسباب التي جعلت احتفالات الاسلاميين تغيب هذا العام؟، فالموقع الالكتروني للحزب الحاكم لم يحمل في داخله اشارة واحدة للثلاثين من يونيو لكن وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان رجح في حديثه ل «الصحافة» ان تكون ترتيبات ما بعد انفصال الجنوب في التاسع من يوليو وراء الامر وقال «يبدو ان ترتيبات ما بعد الانفصال ألهت الحكومة عن الاحتفال بذكرى الانقاذ، حيث يمم البشير وجهه صوب الصين لبحث ترتيبات ما بعد الانفصال، لكن الخرطوم ايضا التي تستقبل صباح الثلاثين من يونيو اليوم يغيب عنها قيادات الصف الاول بالحزب الحاكم ولم يتوقف الغياب على البشير وطه ونافع، فقط بل امتد لطاقم الوزراء الذين اصطحبهم الرئيس الى بكين وهم وزير الخارجية علي كرتي، وزير رئاسة الجمهورية الفريق اول بكري حسن صالح، وزير المالية علي محمود، وزير الزراعه عبدالحليم المتعافي، وزير الكهرباء اسامه عبدالله، ووزير التعدين عبدالباقي الجيلاني، بجانب مدير جهاز الامن الفريق محمد عطا وهناك عدد آخر من الوزراء في الدوحة ينتظرون توقيع وثيقة سلام دارفور، واشار رحمة الى احتمال ان لا تنعقد جلسة مجلس الوزراء الدورية اليوم نسبة لتغيب الرئيس ونائبه ومعظم الوزراء وهي المرة الاولى التي يمر فيها ذكرى انقلاب الانقاذ والرئيس خارج البلاد، الامر الذي يعتبره المحلل السياسي مستشار وزارة الاعلام دكتور ربيع عبد العاطي في افاداته ل»الصحافة» امس وهو في طريقه من مطار الاسكندرية الى القاهرة اعتبر ان الاحتفالات التقليدية اصبحت لا معنى لها ولابد من الاحتفال بالانجازات والارقام وليس الاشكال الاحتفالية رافضا الاحتمالات التي ذهب لها المراقبون والمواطنون حول اسباب غياب احتفالات هذا العام وقال «كل ذلك لا يعبر عن الحقيقة» لافتا الى ان الحكم على الانقاذ يجب ان يكون وفق انجازاتها ومحاسبتها على فشلها، واردف لا نستطيع القول ان الفشل والانجاز متساويا لكن مع مقارنة بالحكومات السابقة فان الانقاذ قد انجزت على حد قوله وتابع ربيع الثورات وغيرها تنبني على ما يحسه الناس وشدد قائلا انها الآن في ارض الكنانة والثورة في مصر كانت لها مبرراتها التي لا توجد بالسودان فزواج رأس المال والسلطة الذي عم مصر بجانب الطغيان هم ما اقام الثورة معتبرا ان السودان متدرج، وحول احباطات الانفصال قال انه جاء نتيجة لاتفاق سلام والمنطقية تقول ان الانقاذ لم ترد ان تفرض الامر الواقع بل التزمت بالمواثيق وهذا يحسب اليها، لكن القيادي بالحزب الاتحادي علي السيد استبعد انفصال الجنوب والثورات العربية وقال ل»الصحافة» لا علاقة لغياب الاحتفال بالامرين وتابع منذ نيفاشا قلت مظاهر الاحتفال اقتصرت بالخطابات لكنه عاد وقال ان الامر له علاقة بالضائقة الاقتصادية ايضا بسبب كلفة الاحتفالات لافتا الى ان الحكومة مشغولة بالبحث مع الدول الغربية عن معينات اقتصادية حتى تعطيها شهرا شهرين، واضاف مع ذلك يفكرون في الحرب ولا يملكون ميزانيتها بسبب اضطراب الاقتصاد وشدد لذا هم موزعون في العالم هذه الايام لجلب الاموال وعاد السيد قائلا ايضا النيل الازرق وجنوب كردفان و ابيي تربك الحكومة وتوقع ان لا يستمر اتفاق اديس حولها الى نهاياته مشددا على ان المؤتمر الوطني رتب اوضاعه مع الحركة الشعبية بالجنوب حول المسائل العالقة. اثنان وعشرون عاما على حكم الانقاذ، لكن عامها هذا الذي تمر ذكراه اليوم هو الاخير لسودان مليون ميل بعد ان يذهب الجنوب ، لكن ابرز ما فيه غياب البشير واحتجاب الاحتفالات.