تابعت باهتمام كبير السجال الذى دار بين للهيئة القومية للغابات وإدارة السدود حول غابة الرواشدة.. وبالرغم من أن المعترك شأن عام لجهتين نكن لهما كل التقدير، فقد بدأ الامر ذا جدال عريض.. فالاخوة فى ادارة السدود بمقاماتهم الفتية وثقافتهم الهندسية والانشائية البحتة، لا يرون فى الوجود شيئا جميلا غير منجزاتهم .. وهذه احدى المشكلات التى نواجهها مع الاخوة المهندسين عموما، فالحياة عندهم وما يمتهنون، اما البيئة حولهم فلا بواكي لها ولا حسبان لها، مع أن هنالك إدارة للبيئة بادارة السدود برئاسة الدكتور الكارورى. وتم حجز غابة الرواشدة وود كابو وشاشينا والتومات والعتبات في عام 1960م بوصفها غابات طبيعية تكسوها اشجار الطلح والهشاب، استباقا لحركة الزراعة الآلية التي بدأت في الخمسينيات بمنطقة ود الحوري والقدمبلية وأم شرابة والقبوب .. وقد تداعى عشرات المزارعين من الولاية الشمالية لقيادة اعمال الزراعة الآلية. ومع توسع الزراعة الآلية بقيت الغابات المحجوزة بمنطقة القضارف وقلع النحل هي المساحات الباقية المكسوة بالأشجار من ملايين الافدنة المقطوعة لاغراض التوسع في انتاج المحاصيل المطرية.. فضلا عن غابات السنط بنهر الرهد وخور العطشان المغمورة بالمياه سنويا.. وجلي ان الاهداف العامة لحجز غابات الضهرة بولاية القضارف هي وقاية التربة من الانجراف وحماية مصادر المياه وحفظ التنوع الحيوي للسلالات النباتية والشجرية والكائنات الحية الاخرى، فضلا عن توفير احتياجات السكان المحليين من المرعى ومنتجات الغابات واستقبال البعثات الجامعية العلمية في قياسات الاشجار والايكولوجيا النباتية، ووضع خطة العمل للادارة المستدامة للغابات. ولاهمية هذه الغابة بالذات افردت منظمة الاغذية والزراعة العالمية «الفاو» برنامجا للادارة المستدامة، ووضعت خطة عمل باشراف الخبير الاجنبي المستر «فنك» عامي 1986 1987م، وتم اشراك الاهالي والرعاة في ادارة هذه الغابة، واستمر تمويل البرنامج حتى نهاية مشروع تنمية حطب الحريق حوالي عام 1990م، فهذه الغابة يجتمع بها ملم الرعاة سنويا من اهلنا اللحويين، الضباينة، الحمران، الشكرية، البادراب، ورعاة الابقار من البني عامر والهدندوة وفلاتة امبررو وابالة الرشايدة.. وتشرب هذه المراحيل طيلة فترة الخريف والدرت بهذه الغابة. ولك أن تتخيل أعداد الطيور العابرة والتنوع الحيوي حسب المواسم. دعاني الى كتابة هذا المقال مقال قراته بصحيفة «السوداني» بتاريخ 23 مايو 2011م بقلم الدكتور عبد العظيم ميرغني، وبعنوان «أصغر منك ما تدوسو» .. في اشارة واضحة لتجاوز اخوتنا في ادارة السدود للاجراءات القانونية التي يوجب قانون الغابات لعام 2002م اتباعها لفك الحجز عن المساحة المحجوزة باعتبارها غابة.. مع كل الاحترام للقرار الجمهوري الصادر لفك الحجز عن مساحة 428 فداناً من الناحية الشمالية الشرقية للغابة، الا ان ذلك القرار من الطبيعي ان ينص على انه «على الجهات المختصة وضع هذا القرار موضع التنفيذ». والجهات المختصة في هذا الشأن هي الهيئة القومية للغابات «صاحبة الامتياز» وادارة السدود «الجهة المستفيدة»، بالاضافة الى سلطات الاراضي والمساحة والطيران المدني «جهات فنية» .. وكنا نتوقع أن تجلس هذه الجهات للتفاكر في كيفية تطبيقه بطريقة لا تسبب ضررا لاي طرف. ولكن يبدو ان الاخوة في السدود وترفعا في التعامل مع الآخرين والفوقية التي يمارسون بها خدماتهم، قد استباحوا الغابة واشجارها استنادا إلى القرار الجمهوري المستند اصلا إلى المادة من قانون الغابات التي تمنح السيد الرئيس سلطة حصرية في فك الحجز. وهنا اود ان أشكر الأخ رئيس الجمهورية الذي اصدر أمرا بحجز اكثر من خمسة ملايين فدان للغابات «وبجرة قلم».. فنحن قوم لا ننسى ونحفظ لقادة الانقاذ وقفتهم التاريخية وانحياذهم الكامل لاهل الغابات.. وبجرة قلم ايضا تم حجز 130الف فدان غابة محجوزة لمحمية النقعة والمصورات والبجراوية بولاية نهر النيل عام 2002م، وهذه اكبر غابة بالسودان، فالود الذي تحفظه الهيئة القومية للغابات ينعكس في برامج التشجير التي يرعاها السيد رئيس الجمهورية شخصيا ونائبه الاستاذ علي عثمان، وقد وثقوا لذلك في سجلات المتحف القومي للغابات اثناء انعقاد دورة مجلس الوزراء بالهيئة. وكان موقف حكومة ولاية القضارف سالباً في كلياته.. وبالرغم من جهدهم المبذول في تنفيذ الاحزمة الشجرية في المساحات الشاسعة التي دمرتها الزراعة الآلية، إلا أن موقفهم كان سالباً بيئياً مما يقتضي بذل الجهد في رفع الوعي البيئي لمتخذي القرار في تلك الولاية، وخاصة وزارة شؤون المياه التي تربطها بالغابات علاقة التضامن البيئي اللامحدود لقد كان قدر الغابات منذ ان كانت مصلحة للغابات والاحراش في عام 1902م، ومرورا بقوانينها المعدلة في«1908، 1917، 1932، 1974، 1989 و2002م» ان تتحمل تبعات التطور الخدمي والاداري في البلاد. وان تدفع ثمنا غاليا من مواردها في دعم الحكم الاقليمي في الثمانينات والحكم الفدرالي في التسعينيات، وتقتسم الايرادات المتحصلة من العوائد الجليلة التي فرضت بامر ملكي في 1939م، لتقليل قطع وازالة الاشجار عل قلتها، وأن تقتسمها معها الولايات بنسبة 40% دون أن تقوم باي تمويل لبرامج الغابات.. تحملت الغابات عبئاً ثقيلاً في تنفيذ الحكم الفدرالي وترهلاته القبلية وترضياته ولا أحد يعترف لها بهذا الدور .. ووزارة المالية لا تمول أية برامج لاعادة التشجير منذ قيام الهيئة 1990 وإلى الآن، اذا استثنينا بعض المكونات المحلية لمشروعات العون الاجنبي. وظلت الهيئة القومية للغابات تنادي منذ وقت طويل بدعم جهودها في الاستزراع دون جدوى.. وأحسب أن الموقف المشرف الذي وقفه الاخ المدير العام للهيئة بتقديم استقالته كان حاسما ونبيلا بوصفه موقفا مبدئياً لكي تكون الهيئة او لا تكون. واود ان اؤكد للاخ مدير عام الهيئة القومية للغابات بأنه الاكبر/ الاكثر تراثا وثقافة ومهنة وفائدة للمجتمعات المحلية وقيادة التنمية المستدامة.. وقد قامت على إرثك البيئي النهضة السودانية منذ عهد قاطرات البخار والسفن النهرية ومدخلات السكك الحديدية والصمغ العربي واحتياجات السكان المحليين من اعمدة مبانٍ وحطب حريق والفحم النباتي في عصور ما قبل البترول. ان تقديم استقالة مثل هذه في مقام كهذا درس جديد لشاغلي الوظائف العامة في الدولة السودانية.. فما رأينا موقفا كهذا لمسؤول دفاعا عن شجرة او غابة قط. ورب ضارة نافعة.. فقد علمنا أن الاخ نائب الرئيس قد تفهم الموقف العام للغابات، ووجه بدعم برامجها للفصل الثاني لعدة سنوات، وإنشاء صندوق للحجز والاستزراع دعماً للتوازن البيئي.. ونحن من هنا ننادي بإيقاف نسبة ال 40% التي تدفع للولايات من عوائد الغابات تمكيناً لعمليات التشجير القومي واثراءً للغطاء الشجري، علماً بأن العلاقة بين الإزالة والاستزراع مازالت علاقة عكسية.. ونأمل أن تظل العلاقة بين الهيئة القومية للغابات وإدارة السدود موصولة وتشاورية، فهذان المنشطان مكملان لبعضهما البعض في الإزالة والاستزراع وتوفير الطاقة. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. الجمعية السودانية لحماية البيئة فرع الدامر