تلّوح للمارين بصفقها (العراض) الاخضر اليانع و قد أسدلت أغصانها لتستر بها جمال ساقها الدائرى الممتلئ ومع ذلك فقد أبقت منه جزءً كاشفاً يكفى ليفتن الناظرين فكان ذلك قمة الاغراء للدخول فى عالم ما تحت شجرة (اللبخ) ، فظلها ديوان كبير من مكيف و البارد بفعل (الاكسجين) الذى تزفره الشجره الكريمه أثناء إستنشاقها (لثانى أكسيد الكربون) من الجو أو الذى يزفره من يجلسون فى ضيافتها وهم يجلسون متقاربين او متباعدين حسب أسبقيتهم فى الحضور ودرجة سرية مواضيعهم ، (زينب) ست الشاى تعتبر شجرة (اللبخ) هى أنسب الاماكن التى تؤمن فيها قوت عيالها الأربعه و يضمن لها سداد سهمها اليومى فى (الصندوق) تمثل (صرفتها) فيه كل مدخرات زينب فى الحياة ، زينب التى فارقها زوجها وترك لها ذريةً ضعافاً هى أول الحاضرين وتقوم بتنظيف المكان وتوزع الكراسى على إمتداد الظل ليجلس عليها (الكييفين) من شاربى (البن و الشاى) أو الذين نفد صبرهم فى انتظار الخلاص من أمر يتعلق بإجراءات ومعاملات رسمية محفوفة بال(جرجرة) و التباطؤ ولا يخلو المجلس من شاب وشابه يجلسان مقتربين من بعضيهما دون التصاق يتحدثان بصوت خافت جداً لكن تعابير وجه كل منهما يحكى نهاية قصة (حب) إحتضنتها أسوار الجامعة وبعد التخرج وجد (هو) العطالة وحدها من ترحب به أما (هى) فقد طرق باب بيتهم (ابن عمها) عريساً و الرجل ليس فيه عيباً تبرر به رفضها إذا أرادت الرفض ، فغير صلة القرابه فهو مؤدب والاهم من ذلك محترم (الدخل) ، وقد تداعى (الحبيبان) تحت (اللبخة) لتنعى (هى) له تلك العلاقة التى ظل يخططان لها طويلاً حتى تنتهى بهم فى بيت (العدل) لكنه (هو) لم يعى ماذا يفعل فالحياة لم تكتفِ أن يوصم فيها بالعطاله فقد جازته ب(لكمة) أقوى وهى ضياع (حبيبته) التى طالما حلم بها (أما) لعياله وبإختصار كان ينتظر فى هذه الدنيا نبأ (وظيفة) وليس (شاكوشاً)، و ربما كان هناك من يرقبه من بعض أصحاب (الخبره) ويقول فى نفسه (الصقر إن وقع كترة البتابت عيب) !! وليس ذلك كل ماتحويه شجرة العجائب فإلى الخلف قليلاً وعلى محادة آخر الظل يجلس ثلاثة رجال يبدو من خلال هيبتهم واحترامهم للمكان و إصطفاف الاقلام على جيوب قمصانهم وكأنها تقف تحيه لمن يحملها وبقليل من التفرس تدرك أنهم من بقايا القبيلة (المنقرضه) وهم الموظفون الذين تعلموا وتشربوا قوانين الخدمة المدنية من أسلافهم وكأنهم ينتقدون سلوك أحد الموظفين وتخطيه للوائح أساسية و تقاربه (المشبوه) من المدير و كأن فى الامر (إن) وكل أخواتها ، فالموظف الشاب الذى لاتؤهله خبرته ولا درجته الوظيفيه ظل مسؤولاً عن ملفات منعت عنهم برغم سبقهم له فى العمل سنين عدداً وكانت شبه محظوره على غير المدير وكأنه يقول ويحذر (ممنوع هناك اللمس) لكن المدير فتح لذلك الشاب (النشيط) الطريق و أصبح يده اليمنى فى كل شئ و أغدق عليه المأموريات والنثريات والحوافز وخصصت له عربه ، وبالتالى تغير وضع الشاب مأكلاً وملبساً ، (سرح) رجال الخدمه المدنيه ثلاثتهم فى سيل من التحليلات والاستنتاجات ، فمنهم من يقول ربما يمد هذا الشاب لسياسى نافذ بصلة قرابه و سياسة المدير تجاه الموظف تؤمن له عمراً مديداً على هذا الكرسى (الطاعم) فتقارير (البيت) لها سحرها الخاص وقدسيتها المعتبره ، بينما يذهب آخر الى أن منهج (كسير التلج) هو المسؤول من تقدم الموظف (المنافق) لكن ثالثهم يرجح أن مصلحةً ما تجعل المدير يعهد للشاب بأعمال لايمكن أن يقوم بها (شخصياً) ولا يأمن شخصاً آخر على (حقو) فى تلك الانشطه غير هذا الشاب (المفتح) ، لكن إن كان هنالك متابعاً للموضوع فسيقول قد تصح إستنتاجاتهم مجتمعين فى هذا الزمن الذى أصبح كل شئ فيه جائزاً . ومثل ما تظل شجرة اللبخ كل هذه الهموم والمآسى يشمل ظلها الافراح أيضاً فحلقة كراسى (زينب) تنتهى بمقعدين يجلس عليهما مهندسان مدنيان حديثا التخرج قذفت بهما إحدى كليات الهندسة ولم يكتفيا بتوزيع الشهادات على الشركات بل قاما بالسعى فى سوق (الله أكبر) ليحظيا بأول (مقاوله) وهى بمثابة إنتصار معنوى أكثر منه مادى وبذلك عقدا صلحاً مع الآمال والاحلام بمستقبل مشرق ، الحقيبه التى يحملان ظلت فاتحه طوال فترة جلوسهما و الاوراق والخرط فى حركة دؤبه منها واليها وبعض المصطلحات الهندسية تتخلل الحديث مثل (الاتوكاد الكروكى رسم مقطعى) وغيره ، وانتهت جلستهم بتلفون كان رد أحدهم عليه : الو.. (نحن فى المكتب) .. سنكون فى الموقع بعد نصف ساعه ، بعدها انصرفا وربما نجدهم لاحقاً وقد (كبرت معاهم) .. وأصبحا يمتلكان مكتباً غير شجرة (اللبخ) التى تستعد للعب الدور نفسه مع آخرين . لقد أظلتنا شجرة (اللبخ) لمايزيد عن المئة عام فكانت مغسلةً لهمومنا وبكينا تحتها من آلامنا و شكينا ظلمنا لبعضنا تحت ظلها المديد مثلما فرحنا و حلمنا ونجحنا و فشلنا وضارينا تحتها خيباتنا وخساراتنا مثلما احتسينا تحت ظلها الشاى والقهوة .. فكيف جازيناها .. لم نقم بغرس المزيد منها لتستظل تحتها الاجيال القادمة كما فعل معنا المستعمر قبل ما يزيد عن القرن من الزمان .. فمنهجنا فى الزراعة هو ذاته منهجنا فى السياسة (رزق اليوم.. باليوم)