يبدو أن الدكتور نافع علي نافع الرجل النافذ في الحزب الحاكم، قد أصبح السياسي الثاني في السودان بعد الدكتور حسن الترابي الذي يُعتدى عليه خارج السودان، بعد تلك المحاولة التي نفذها لاعب الكارتيه «بدر الدين» ضد د. الترابي في كندا، ووقتها أيضاً كان الترابي نافذاً في حكومة البشير، وتصفه وسائل الاعلام الخارجية بأنه عراب النظام في السودان. ومن المفارفات أن نافع كان يصف الترابي بأنه يعامل مساعديه كالتلاميذ، وهم الذين يديرون شؤون البلاد بعرضها وطولها، فلهذا اعتبر البعض أن مذكرة العشرة كان واحداً من اهدافها الحد من نفوذ الترابي الذي اصبح طاغيا على شيء. وبذات الطريقة بل وأصعب «شوية» يتعامل د. نافع مع القوى السياسية، ويطلق تحدياته وتهديداته، ومن ذات منطلق النفوذ الذي كان يظن نافع أن الترابي كان يتعامل به معهم في أيام الشرعية الثورية وما بعدها، فقد نقله نافع حرفياً ليتعامل به مع خصومه السياسيين. وما حدث في لندن في الندوة التي نظمتها السفارة السودانية وما تعرض له نافع، لم يحسبه البعض مماثلاً للذي فعله منتصر الزيدي في العراق عندما رمى الرئيس الامريكي بوش الابن وهو في نهاية ولايته بالحذاء، في ذلك المؤتمر الصحفي الشهير الذي عقده في بغداد في آخر زيارة له قبل أن يغادر البيت الابيض الامريكي الى مزرعته في تكساس. وما حدث في لندن مختلف تماماً عن ذلك، وإن كان شبيهاً بالذي فعله عادل محجوب في قاعة الصداقة في حضور الرئيس البشير، وهو يحاول أن يماثل فعل منتصر الزيدي مع اختلاف الزمان والمكان والمناسبة، ولكن السلطات تعاملت معه تعاملاً مختلفاً تقديراً لحالته الصحية كما جاء وقتها، بل أن السلطات تكفلت بعلاجه حسب وسائل الإعلام. واعتبر البعض أن الذي حدث في لندن، إشارة الى د. نافع، لتغيير طريقته في عهد الجمهورية الثانية، خاصة أن البلاد ستشهد انفتاحاً سياسياً اكبر من الذي كان، وذلك لإزالة الكثير من الاحتقان السياسي الذي ولدته تلك السياسات التي انتهجت بسبب الشعور الكاذب بامتلاك ناصية القوة السياسية، وإضعاف الخصم السياسي واحتقاره، الأمر الذي أفقد العملية السياسية الكثير من توازنها، الشيء الذي استدركته الحكومة أخيراً بعد أن أصبح انفصال الجنوب حقيقة واقعة. إن حادثة «كرسي لندن» لم تأخذ الحيز الكبير من الإعلام، رغم أن المواقع الاكترونية أعطتها مساحة جعلت الناطق الرسمي بالخارجية السفير العبيد مروح يصدر بياناً توضيحياً للحدث وبه مزيد من التفاصيل، ولكن اهتمام أهل السودان والإعلام العالمي كان مركزاً على الحدث الأهم وهو انفصال الجنوب وتأثيراته على المجالات المختلفة في النواحي الاقليمية والدولية والعلاقات الثنائية بين الشمال والجنوب، وإن كان حادث «الكرسي» جزءاً أصيلاً من العملية السياسية التي أدت في النهاية الى فصل الجنوب عن الشمال، وهي ذاتها قد تكون مؤشراً الى ما يحدث في مستقبل الأيام. وانسب طريقة مع المرحلة القادمة هي الطريقة التي ينتهجها أمين الإعلام في الحزب الحاكم البروفيسور إبراهيم غندور، فرسالته تصل الى القوى السياسية قوية وواضحة، ولكن دون تجريح أو استخفاف بالقيادات السياسية التي تكن له كل تقدير واحترام، وغندور مثل مدرب كرة القدم يعرف الخصم جيدا، ولكن يحترم أداءه داخل الملعب. إن المرحلة القادمة تتطلب المزيد من المرونة في الحراك السياسي، حتى نستطيع أن نضمن تقارباً بين القوى السياسية من أجل الحفاظ على بقية الوطن من مكر الاعداء والقوى المتربصة به. إن ما حدث في لندن هو نفس الذي حدث في القاهرة أيام الثورة المصرية، ففي القاهرة كان الاعتداء من الحزب الحاكم على المتظاهرين بالخيول والجمال، وسمَّى الاعلام المصري تلك الاعتداءات ب «موقعة الجمل»، في إشارة إلى تلك الموقعة التي وقعت في صدر الإسلام. وفي لندن حصل العكس، فقد تم الاعتداء على الحزب الحاكم، وظهرت علامة الضرب على نافع والعلامة في اللغة هي الآية، والحمد لله أن الإعلام في السودان مختلف تماماً عن مصر، فإذا كان الإعلام المصري سمَّى تلك الحادثة ب «موقعة الجمل» فإن الإعلام في السودان لم يسمِ حادثة نافع في لندن ب «آية الكرسي».