فرض التاسع من يوليو واقعا جديدا علي السودان قضي بذهاب ثلثي مساحته وثلث سكانه ونصف ثراوته كما اشعل تحديات أمنية بين الشمال والجنوب في الحدود الى جانب تعقيدات تصدير البترول والعملة وصراعات جديدة في أبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق وزاد نسبة الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة ، فكيف سيكون مستقبل السودان بعد التاسع من يوليو في هذه الفترة التي اطلق عليها الانقاذيون اصطلاحا الجمهورية الثانية، في الوقت الذي اسمتها المعارضة مربع الانقاذ الاول وهل سيكون الاحتقان والتوتر هو سيد الموقف ام سيتواضع السودانيون علي نظام حكم يستوعب الجميع. الحكومة رسمت خارطة طريق لقيام الجمهورية الثانية استندت علي سبعة مبادئ اعلنها رئيس الجمهورية عمر البشير في الهيئة التشريعية وهي الالتزام بسيادة حكم القانون وبسط العدل وبث روح الوطنية وضمان حقوق المواطنة واتباع الشفافية في اتخاذ القرارات والنزاهة في تصريف المال العام، والمحاسبة، واعتماد معايير الكفاءة، وطمأن البشير البرلمان ببناء علاقة جوار متميزة ومراعاة المصالح المشتركة والمحافظة على الروابط النفسية والوجدانية والاجتماعية الراسخة بين الشمال والجنوب، وقال بأن الانفصال لا يعني الانقطاع عن الجنوب بل سيشكل دافعا للحرص على إقامة علاقات جيدة مع الدولة الجديدة بحكم التماس الجغرافي والاجتماعي والوجداني، خاصة وأن دولة الجنوب ستكون الأطول حدوداً والأكثر تداخلاً ثقافياً وسكانياً ، متعهدا بأن يكون قوام العلاقة احترام العهود، والسعي الجاد لتعزيز الاستقرار، واوصد البشير الباب امام أية دعوة الي قيام دولة مدنية ، مؤكدا ان الدولة في الشمال ستكون دولة شريعة، معتبرا الدعوة الي المدنية هي دعوة للعلمانية ،واشار البشير الى أن السودان بحدوده الجديدة سيكون أكثر قدرة على حسن الإدارة والدفاع، وتقديم الخدمات واستكشاف الثروات وابتدار فرص الاستثمار وتحقيق النهضة، معتبرا ان الجنوب كان عبئا علي الشمال . وكشف عن سعي حكومة الجمهورية الثانية لحل المعضلات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد فضلاً عن إجراء المشورة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، كما كشف عن شروع الحكومة في تعديل قانون المشورة الشعبية لتمديد القيد الزمني رغبة منها في إتاحة وقت كاف لأبناء الولايتين في إجراء المزيد من التشاور، وأعلن البشير عن تشكيل لجنة قومية واسعة لإعداد وثيقة دستور دائم للبلاد و طرحه في استفتاء شعبي بعد إجازته من البرلمان، مجددا دعوته الي المعارضة بفتح باب الحوار الوطني لتحقيق توافق وطني حول رؤية استراتيجية جامعة، مؤكداً استمرار الحوار السياسي لتشكيل تفاهمات تشمل الحكم وآلياته وهياكله. الا ان موجة هذا التفاؤل تواجه بتعقيدات وتحديات كبيرة تجعل الحكومة تغرد خارج السرب حسب اراء المراقبين فثمة تحديات أمنية متوقعة، في الشمال حيث أزمة دارفور لا تزال قائمة، رغم سريان العمل باتفاقية الدوحة ودعوة الجنائية الدولية، واستمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام منذ عشرين عاما، وإصرار امريكا على عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهشاشة الجبهة الداخلية، ونزوع القوى السياسية لتقزيم دور المؤتمر الوطني من خلال إعادة صياغة دستور جديد تشرف عليه لجنة تحظى بتوافق وطني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة تتولى إدارة الفترة الانتقالية حتى إجراء انتخابات عامة، وإثارة جدل واسع حول شرعية رأس النظام بعد التاسع من يوليو الجاري، وتفاقم الأزمة الاقتصادية على نحو مزري منذ عشية الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان في نهاية العام الماضي. وتوقع استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم دكتور الطيب زين العابدين عدم استقرار الاوضاع بين الشمال والجنوب بسبب الاختلاف على ترسيم الحدود في منطقة وعدم الاتفاق على حلِّ قضايا ما بعد الانفصال التي نصّ عليها قانون الاستفتاء: الجنسية، العملة، الخدمة العامة، الوحدات المدمجة والأمن الوطنيّ والمخابرات، الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأصول والديون، حقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، العقود والبيئة في حقول النفط، المياه. ويري زين العابدين ان احتماليَّة الحرب كبيرة، وفقا لتقارير الدوائر الغربية التي اوضحت أنَّ سنوات الهدنة الخمس الماضية، تمَّ استغلالُها بشكل ملفت للانتباه، في تسليح الجنوب، وتأهيل ما يُسمى الجيش الجنوبي، ،و إنشاء قوات جوية وبحرية وبرية وقواعد عسكرية، بلغت تكاليفها بحدود 2,5 مليار بدعوى تحديث قوات الجنوب. وتوقع زين العابدين أن تسري عدوى الانفصال من الجنوب إلى حركات التمرد في دارفور إذا لم تحل المشكلة جذريا ولم يستبعد اندلاع ُ عنف قبليٌّ في الجنوب أكثر مما هو واقع حالياً وتحمله الحركة الشعبية للشمال ومن ثم تجد العذر لدعم أي تمرد يقع في الشمال خاصة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.واكد زين العابدين ان المرحلة القادمة ستشهد ارتفاع الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة، واشتعال الاضطرابات في مناطق ، هذا بجانب تحديات اقتصادية نتيجة خروج نصيب حكومة السودان من عائدات بترول الجنوب، والتي تساوي حالياً حوالي 80% من كل عائدات البترول «تبلغ عائدات البترول بصورة عامة حوالي 60% من موازنة الدولة الاتحادية، خروج أكثر من نصف هذه النسبة من الموازنة العامة بعد 2011م»، وهذا نقصٌ كبير سيتسبب في كثير من المشاكل الاقتصادية لشمال السودان. المعارضة السودانية المؤلفة من قوي الاجماع الوطني تتراوح مواقفها ما بين التقارب مع النظام والمطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة تتولى إدارة الفترة الانتقالية حتى إجراء انتخابات عامة، وإثارة جدل واسع حول شرعية رأس النظام بعد التاسع من يوليو . ويري القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الدكتور علي السيد ان انفصال الجنوب سيدخل السودان في نفق مظلم ، واصفا من يعتقد بغير ذلك بالواهم وتوقع السيد ان تمر البلاد بمنعرجات خطيرة تؤدي الي مزيد من التفتت بجانب ضائقة مالية وسنين عجاف علي المواطنين . وعلي الصعيد السياسي كشف السيد عن مواجهة البلاد لست أزمات جديدة تحتاج الي فترة زمنية لمعالجتها علي رأسها أزمة دارفور والنيل الازرق وأبيي واحتلال حلايب والدستور والديمقراطية والنظام الشمولي والصراع حول كيفية الحكم . واتهم السيد المؤتمر الوطني بعدم رغبته في الدخول في حوار جاد وفتح قنوات للحوار والاستماع للرأي الاخر ، ودلل السيد علي ذلك بالاتفاقات التي يبرمها الاخير مع القوي السياسية لالغاء دورها ومحوها من الساحة السياسية او التنصل عن تلك الاتفاقات كما حدث مع اتفاق اديس ابابا مع الحركة الشعبية بالشمال، وتوقع السيد ان تتنصل الحكومة عن اتفاق الدوحة الاخير، واعتبر السيد ان المؤتمر الوطني بهذه التصرفات يقود ما تبقي من البلاد الي التهلكة. وعن متطلبات المرحلة القادمة، دعا السيد الي وحدة القوي المعارضة، مطالبا اياها بترك خلافاتها جانبا والاجتماع علي قلب رجل واحد والوقوف ضد المؤتمر الوطني وحسم القضايا القومية والعالقة وتخيير نظام الانقاذ مابين الالتزام بموجهات القوي السياسية او الذهاب غير ماسوف عليه. من جانبه، كشف القيادي بقوي الاجماع الوطني والحزب الشيوعي صديق يوسف عن اتفاق قوي الاجماع الوطني علي برنامج للاعلان عن عدم شرعية الحكومة بعد التاسع من يوليو بدعوي الفراغ الدستوري، واكد صديق اجازة الورقة الأساسية المقدمة من اللجنة والتي من المقرر ان تطرح في اجتماع رؤساء الأحزاب المزمع عقده في 30 يوليو الجاري حول مخرج ديمقراطي لأزمة الوطن لما بعد التاسع من يوليو، كما أقرت ملامح أجندة التغيير الديمقراطي، ونفي صديق الانباء التي تتحدث عن فشل التحالف المعارض في التوصل الي اتفاق لاعلان ينادي بعدم شرعية الحكومة .