في خطابه غداة مولد دولة جنوب السودان في 9 يوليو الماضي من عاصمتها مدينة جوبا، بحضور الامين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وسفيرة الولاياتالمتحدة الاميركية لدى الأممالمتحدة، سوزان رايس، ووزيري الخارجية البريطاني، وليم هيج، والألماني، جيلدو فلستله، و30 زعيماً افريقياً، وممثلين للجامعة العربية ومنظمات افريقية وعالمية وحضور واسع لأجهزة الاعلام العالمية، قال الرئيس عمر البشير ان من حق الشعب السوداني أن يدعو المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي للوفاء بالتزاماته التي قطعها وأكدها الرؤساء والمبعوثون والحرص علي التعاون معنا وندعوهم بذات القدر للتعاون مع دولة الجنوبالجديدة، وكذلك اننا ندعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يفي بالتزامه الذي أعلنه برفع العقوبات الأحادية عن السودان بما يفتح المجال لتطبيع علاقة بلاده بالسودان والتحلي بالمصداقية والشفافية في التعامل الدولي، فان السودان الذي حوصر وحورب ظل سعيه دائماً مع السلم والأمن الدوليين ولن يحيد ولو حاد الآخرون. وفي هذا الحضور اللافت، والزخم الاعلامي أراد الرئيس عمر البشير بحسب محللين أن يوجه رسالة واضحة للغرب ويضع الكرة في ملعبه للانفتاح على علاقات جديدة مع السودان، وفي ذات الوقت احراجه، لجهة عدم تنفيذه وعوده تجاه انفاذ حوافز السلام التي وُعدت بها الخرطوم- رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ورفعها من قائمة الدول الراعية للارهاب اذا ما استطاعت المضي قدماً في انفاذ وتحقيق السلام مع الجنوب وهو ماتم تحقيقه بكل شفافية كما تؤكد الخرطوم. وكان الكونغرس الأمريكي رفض رفع العقوبات الأمريكية عن الخرطوم وابعاده عن قائمة الدول الراعية للارهاب.. وهو ما قوبل بغضب شديد في السودان الى حد أن التأم المجلس الوطني وبحث عن آلية جديدة للتعامل مع أميركا ومعاملتها بالمثل. وفي المنحى يُرجع مراقبون غضب الخرطوم على خطوة الكونغرس الاميركي، كونها لم تقدر التنازلات، التي قدمتها مقابل تحقيق السلام، بدءاً من توقيع اتفاق ميشاكوس الاطاري مع الحركة الشعبية بكينيا عام 2002، وانتهاءً باعترافها باستقلال دولة جنوب السودان من الخرطوم في 8 يوليو وتأكيد هذا الاعتراف من جانب الرئيس عمر البشير في اليوم التالي في جوبا. ويشير مراقبون الى أن خطوة الكونغرس تأتي في سياق ضغوط مارستها دوائر محافظة ترى أن حكومة الخرطوم لم تنجز بعد سلاما شاملا وعادلا في دارفور، وقضية النزاع حول أبيي، وتطورات جنوب كردفان، ورفض الخرطوم التعامل مع محكمة الجنايات الدولية التي تتهم الرئيس عمر البشير ووالي جنوب كردفان أحمد هارون وآخرين بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وقضايا أخرى عالقة، بينما ترى الخرطوم أنها لم ترتكب أية جرائم في دارفور وأن ربط التطبيع معها بقضايا لم تكن من ضمن ما أشار اليه المجتمع الدولي والغرب ولا سيما الولاياتالمتحدة الأميركية ابان الجلوس للتفاوض مع الحركة الشعبية، ومن ثم التوقيع على اتفاقية نيفاشا، واجراء الاستفتاء الذي اختار بموجبه الجنوبيون الانفصال، انه من باب نقض العهود واضمار الشر للسودان وممارسة الخداع السياسي. بينما يرى مراقبون أن تصعيد الخرطوم لأمر رفع العقوبات عنها، وزيارة الرئيس البشير الى الصين، واستقلال الجنوب في 9 يوليو الماضي، كلها عوامل جعلت لهجة الغرب تجاه الخرطوم تشهد بعض التحسن، خاصة بعد توقيع الخرطوم اتفاقاً للسلام مع حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني السيسي في قطر، بمباركة الاممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة الأميركية، ومنظمات اقليمية ودولية، ومن ثم مغادرة الرئيس عمر البشير الى المملكة العربية السعودية، ولقائه في جدة مع العاهل السعودي الملك، عبد الله بن عبد العزيز، واطلاعه على تطورات الأوضاع في السودان، خصوصاً انفصال الجنوب، وتوقيع وثيقة سلام دارفور، واعتراف المملكة بدولة جنوب السودان، كل هذا بنظرهم يعد أقرب الى سياسة دبلوماسية جديدة تتبعها الخرطوم مع الغرب، وأشاروا الى امكانية مساهمة علاقة الصداقة التي تربط بين المملكة العربية السعودية وقطر مع الولاياتالمتحدة الأميركية، والدول الغربية عموماً في تحسين علاقات الخرطوم مع الغرب، خاصةً بعد زيارات قام بها مسؤولون سودانيون لأوروبا، منها زيارة، رئيس المجلس الوطني، أحمد ابراهيم الطاهر، الى الفاتيكان وتأكيده على علاقة حسن الجوار مع الدولة الوليدة في الجنوب وحل كافة القضايا العالقة معها، بالاضافة الى عدم المساس بغير المسلمين، ولا سيما المسيحيين، واتاحة حرية العبادة لهم والمحافظة على دور العبادة التي تخصهم، بجانب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية، علي كرتي، الى النمسا قبل يومين، وبحثه مع نظيره النمساوي، ميخائيل شبيندل، بفيينا تطورات الأوضاع في السودان بعد انفصال جنوب السودان، وتأكيد كرتي حرص السودان على صنع علاقات حسن جوار مع الدولة الوليدة، وأنهم على استعداد لتقديم كل ما يسهم في استقرار وتنمية دولة جنوب السودان، ويتطلعون الى أن يبدي الطرف الآخر نفس النوايا الحسنة. من جهته، أبدى شبيندل قلقه ازاء التطورات في منطقة جنوب كردفان، وتشديده على ضرورة تجنب أن تكون جنوب كردفان دارفور ثانية، وحث شبيندل حكومة الخرطوم على ضرورة احترام حقوق الانسان، وضمان حرية الأديان وحماية الأقليات الدينية. ويقول الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، العبيد أحمد مروح، بأن السودان أوفى بالتزاماته تجاه اتفاقية السلام الشامل، ويسير في اتجاه حل سلمي لقضية دارفور، بالاضافة الى انجازه تحولاً ديموقراطياً. ولفت المروح في حديثه «للصحافة» «أمس»، عبر الهاتف الى أن الدبلوماسية السودانية ظلت على مدى الأربعة أشهر الماضية تقوم بزيارات لدول الاتحاد الاوروبي لتبصير الحكومات الغربية هناك، من تأثير واقع العقوبات الاقتصادية على الشعب السوداني، وللمطالبة بحقوقه، وآخرها زيارة وزير الخارجية علي كرتي الى النمسا التي هو موجود بها حالياً ولقائه وزير خارجيتها، وربما يقوم بزيارات أخرى لدول الاتحاد الاوروبي، ويقول المروح «لمسنا استعداداً غربياً للتعامل مع السودان»، الا انه أشار الى ضغوط تمارسها منظمات على الحكومات الغربية للضغط على السودان. وحول زيارة الرئيس عمر البشير الى الصين وتأثيرها على العلاقات مع الغرب، قال المروح، ان زيارة الرئيس عمر البشير الى الصين تأتي في سياق مركز الصين الكبير في ميزان القوى، وعضويتها الدائمة في الأممالمتحدة، ولا علاقة لها بمسار علاقات السودان مع الغرب. ويشير مراقبون، الى أن العلاقة بين حكومة الخرطوم الحالية والغرب الأكثر توتراً في المنطقة، وصلت قمة العداء والقطيعة ابان توجه الخرطوم الاسلامي المتشدد مطلع تسعينات القرن المنصرم، وعلاقاتها مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الى ما قبل أواسط التسعينات واستضافته في السودان، والفنزويلي كارلوس، مضافاً اليه اتهام الخرطوم بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في اديس 1995م، ويقول محللون، ان فترة ما بعد انقسام الحركة الاسلامية في العام 1999، وخروج تيار حسن الترابي من حكومة الخرطوم والانفتاح بعض الشيء على مصر، وتعاون الخرطوم مع الولاياتالمتحدة الأميركية بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي قادت بعدها الولاياتالمتحدة ما عُرفت ب»الحرب على الارهاب»، وتقسيمها للجميع اما مع أو ضد، شهدت بعض التحسن لا سيما انجاز انفصال الجنوب السلمي، ويشيرون الى أنه ربما ينتظر الغرب وصول مد الثورات العربية الى السودان وضمان قيام نظام جديد، لافتين في الوقت نفسه، الى أن الغرب سيتعامل وفقاً للواقع، واشاروا الى أن مقبل الأيام سيكشف مسار العلاقة بين الخرطوم والغرب خاصةً في حال حدوث اختراقات في الملفات الاكثر حساسية بينهما. ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ام درمان الاسلامية، بروفيسور، صلاح الدين الدومة، ان أي تطبيع مع الغرب يحتاج الى الاستجابة الى شروط محددة، ويقول الدومة في حديثه ل «الصحافة» عبر الهاتف امس ،ان الحكومة السودانية لن تقبل بتلك الشروط، أو على الأقل لن تستطيع تنفيذها لجهة التخبط وعدم المؤسسية في اتخاذ القرار اضافة الى انها اصيبت بالارتباك، وتسير نحو المزيد منه، لافتاً الى ضعف الدبلوماسية السودانية، وخصوصاً الوزير الحالي، علي كرتي، مشيراً الى أفضلية الدبلوماسية السودانية في عهود سبقته، وقال ان العقوبات الغربية تمس الحكومة مثلما تمس الشعب السوداني، واستبعد الدومة تطبيع الغرب علاقاته مع الخرطوم، وقال ان المشكلة تكمن في النظام السياسي، وتطبيع العلاقات لديه معايير كثيرة لدى الغرب، أولها الحكم الراشد واحترام حقوق الانسان والشفافية، وهذه الصفات حالياً لاتتوفر في حكومة المؤتمرالوطني.