عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى ينهض السودانيون بمسئولياتهم؟ ومتى يكون السودان مرحبا بأهله؟
نشر في الصحافة يوم 21 - 07 - 2011

في العاشر من يوليو الجاري وبالتزامن مع فاجعة بتر أوصال الوطن نعى لنا الناعي خبر مصرع الشاب الخلوق الذي لا نجهل أصله وفصله وطيب معدنه وان كنا نحجم عن ذكر الأسماء بسبب الألم الذي قد يسببه مثل هذا الطرق لعشيرته والجرح بعد نازف وألمهم ألمنا و«جِلدهم جِلدنا ».
أتانا خبر الفقيد صريعا على الحدود المصرية الاسرائيلية بيد شرطة الحدودالمصرية فيما كان هو ومن معه يحاولون العبور للدولة العبرية. وأكثر الألم مبعثه ادراكنا أن هذا الشاب لم يكن من الذين يسر غيابهم أو لا يهم فقدهم ،فقد كان مكدا مجتهدا وقد بذل جهد استطاعته للخروج من دائرة الفقر المغلقة وفي ظل غياب كثير من الأساسيات استطاع مواصلة تعليمه حتى التخرج بنجاح ولم يقف مكتوف الأيدي عندما تعذر العمل في مجال تخصصه فعمل سائقا لكي تتوفر له اللقمة الحلال ..وأعمق الجرح بسبب أن استهانة أمثاله بخطورة وفداحة الاستجارة بدولة اسرائيل وما قد يسببه ذلك من خروق أمنية وخسائر لوطنه وعقيدته مع علو حسه الوطني والتزامه الديني يأخذنا الى نتائج جد مريعة :أننا دولة بلا حماية من تربية وطنية ولا دروع تقينا من امكانية اختراق أصحاب الأجندة الاستعمارية. ومع فداحة تلك النتائج ، تقصر مدارك المعنيين ممن يمسكون بتلابيب الوطن عن أخذ الأمر بالجدية اللازمة وقد وصلت الأزمة ميسها.
فما الذي يجعل مثل من فقدنا يترك الأهل والعشيرة خلف ظهره والمثل والقيم التي نشأ عليها ،ثم لا يلوي على شيء و يستجير بناراسرائيل حتى يصرع على حدودها ،ان لم تكن رمضاء الوطن أشد لظيا.
والخبر الذي أفاض كأسنا المترع أصلا بالآلام هو خبر صاعق على كل المستويات الوطني منها والشخصي. ولكنه ولمزيد من الأسف ليس الأول فقد ظلت الصحف ووكالات الأنباء العالمية تتناقل أخبار السودانيين اللاجئين لاسرائيل منذ سنوات خلون وتحديدا منذ 2005 وهو العام الذي تم فيه توقيع اتفاقية نيفاشا بين حكومة السودان «المؤتمر الوطني» والحركة الشعبية ما يمكننا اضافته لعوجات اتفاقية نيفاشا المرصودة، بضمير مرتاح. وذلك أن نتائج نيفاشا التي حصدها الآخرون ولكن خلا منها الواقع على الأرض كانت قد خلصت بسببها السلطات المختصة في مصر الى: أن على السودانيين اللاجئين لمصر الرجوع الى السودان وقد صار آمنا خاصة ومصر لا تنقصها المشاكل حيث يفيض ساكنوها عن مساحتها الضيقة و تضيق سبل العيش فيها على مواطنيها. كما أن سودانيي مصر جفت عنهم الموارد التي كانت توفرها مفوضية شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في مصر على قلتها، بذات الاستنتاج غير المدرك لما هو على الأرض من حقائق . وبسبب الأوضاع المريعة التي واجهتهم «من عطالة وسكن غير آمن وضيق فرص الخدمات مثل التعليم والصحة اضافة للتفرقة العنصرية» اعتصم السودانيون في ميدان المهندسين في ديسمبر 2005 الأمر الذي واجهته مصر الرسمية بالعنف المفرط وقتل 27 لاجئا سودانيا وتم توقيف المئات في القاهرة. وهو الحدث الذي خدش جبين الانسانية ولكن ليس دولتهم التي لم تعبأ بالأمر بل دار الحديث عن تواطؤ السفارة السودانية مع أجهزة الأمن المصرية لأنها تصنف المعتصمين ضمن المعارضين الشيء الذي تسقط به انسانيتهم بفهم دولة يونيو التي رزينا بها.
والحسرة تغمر الأنفس لأن ليس لمن فقدنا وصحبه بواكيا من رسميي وطنه الحاكمين والدولة عقد بين الحكومة ومواطنيها ترعى حقوقهم وتوفر ما يطلبون في مقابل واجبات لهم تجاهها أسقطتها الانقاذ جملة واحدة بتمزيقها للعهود. والشاهد أن حكومة وطنهم لم تبذل أي جهد لحماية أمثاله: بتقليل عوامل الطرد من الوطن لدرجة الخيارات اليائسة بتوفير الحريات والاهتمام بما يجب أن تهتم برعايته الدول لكي تستحق الاسم. والتكلف بتحميل مسؤولية قتل السودانيين للحكومة المصرية والمطالبة بتحقيق يكشف ما حدث حتى لا يكون قتل السوداني لا يكلف سوى ثمن الرصاصة التي ترديه قتيلا !
لكننا نعلم يقينا أن تلك المطالبات وأمثالها لن تُسمع حيا، خاصة عندما نرى تصريحات حكامنا المدهشة للبعيد، قبل أصحاب الشأن والمصلحة مثل ذلك التصريح الذي نعى به وزير الخارجية السوداني آنذاك الدولة السودانية وشيعها «في نظرنا»، حيث صرح السيد «مصطفى عثمان اسماعيل» لدى مشاركته في الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بقوله في 2005: «ان الأحداث التي شهدتها منطقة المهندسين شأن مصري داخلي» وأضاف «لا علاقة لنا بهذه الأحداث والحكومة المصرية لم تقصر معهم وسمحت لهم بالتجمع والتفاوض مع المنظمات الدولية لكن الأمر طال» فهل هناك ضوء أخضر أوضح من مثل هذه التصريحات غير المسؤولة لكي يبطش بالسودانيين من يريد؟ وكيف نطلب من الآخرين الرأفة والكرم ان كان الأقربون هم من سامنا العذاب وهم من يتولى الكيد لنا قبل الجميع؟
ومنذ ذلك التاريخ صار السودانيون الموجودون في مصر «والتي أتوها للعمل أو كمعبر الى الغرب ،امريكا أواستراليا» يرون المستحيل خيارا و بعبارة قالها لاجيء سوداني في اسرائيل : اذا كان الموت وراءك والممنوع أمامك فماذا تختار؟
ولكنه لم يكن محض ممنوع بل ممنوع محفوف وحافل بالأخطار وبين عامي 2008 2009 قتل 30 سودانيا على الحدود المصرية الاسرائيلية وقبل ذلك فالرحلة التي يقطعها اللاجيء باتجاه اسرائيل في غاية الخطورة فهم بعد أن يأخذوا وسيلة مواصلات توصلهم الى أقرب المدن المصرية على الحدود مع الدولة العبرية يقطعون ما تبقى من مسافة الصحراء مشيا على الأقدام استعانة بأدلاء من البدو نظير مبالغ مالية باهظة بالنظر لظروفهم وامكاناتهم الشحيحة «من 100 الى300 دولار»، ثم قد لا ينجون! فقد رصدت حالات عديدة لابتزازهم من قبل البدو لأخذ كل ما لديهم من مال، بل وقد يتعرضون للتعذيب والاساءات. ثم بعد الوصول للحدود مع اسرائيل قد تنتاشهم رصاصات شرطة حراسة الحدود من المصريين عند العبور. وان أفلتوا من الرحلة المحفوفة بالمخاطر فبانتظارهم مصير مجهول في اسرائيل: في البداية كانوا يستقبلون من قبل مفوضية اللاجئين في اسرائيل حيث يتم استقبالهم في قرى تعاونية أو في السجون وقد يتم ارجاعهم لمصر لأن السودان دولة عدوة لا تسمح اتفاقية حقوق اللاجئين باعادتهم اليها وقد كان هذا عاملا اضافيا في تزايد الهجرة السودانية لاسرائيل إذ يضمنون أنهم لن يُعادوا للسودان، لكن منذ 3 أغسطس 2007 صوت 63 من أعضاء الكنيست الاسرائيلي على استرحام يوقف ارجاع السودانيين لمصر، كما يدعي الذين أمضوا الاسترحام من أعضاء الكنيست ،أن تاريخ اليهود مع الاضطهاد، يلزمهم بتعامل كريم مع المضطهدين اضافة لادعاءات احترام قيم الديمقراطية وحقوق الانسان. لكننا نظن أن الحقيقة هي أن فرصة تنفيذ أهداف الدولة العبرية قد أتت لاسرائيل عند بابها فكيف لا تغتنمها وهي التي تدرك بقرون استشعارها اليقظة أن تفكيك الدول العربية هو مهر بقائها «محاضرة آفيريختر وزير الأمن الاسرائيلي في 2009 بوجوب تفتيت الدول العربية».
كما أمرت المحكمة العليا في اسرائيل بعدم سجن طالبي اللجوء.
تقول صحيفة النيويورك تايمز في عدد 1832007 أنه: قبل 40 سنة لم يظن أحد أن اسرائيل ستكون قبلة الهجرة بسبب الثقافة الاحادية، أما بالنسبة للسودانيين فلم يكن أحد يظن أن الدولة العبرية ستكون مقصدا وقبلة لأي سوداني قبل 20 عاما هي عمر ديكتاتورية الانقاذ الحالية. ذلك أن سبب هذا التحريم لم يكن بالنسبة للسودانيين فقط لموانع دولة المقر «أحادية الثقافة» التي رأتها الصحيفة المذكورة أو عنصريتها كما نرى بل لأن السودانيين عموما قبل ذلك التاريخ الأسود ما كانوا يرون لوطنهم بديلا وما كانوا يرون لهم بين الأمم مثيلا.. كيف لا؟ والسودان قد انفرد بميزات عزت على غيره: فهو أرض المليون ميل مربع التي تزخر بموارد هائلة أهمها البشر الممتازون بالشجاعة وصد الدخيل وقيم التكافل قيم :«ما في وسطنا واحدا ما انكرب زنده والبقع بيناتنا بنسنده» وقد تهيأ لهم بقيادة المهدية النصر العزيز المؤزر على الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ما أضفى على الشخصية السودانية ثقة في النفس ووهجا وأسباب الخصوصية السودانية التي تغنى بها عشاقها كثيرة وسماتها عديدة منها التسامح والأنفة والنفوس الكبار التي تتعب في مرادها الأجسام.
والسودانيون يحبون وطنهم رغم أن غالبيتهم رعاة والرعاة التقليديون يترحلون تبعا للماء والكلأ وربما حسِب المراقب خطأ أن التعلق بالأرض التي ليست بمقر دائم ليس بذات عمق تعلق الزراع بأرضهم. فللسوداني تعلق بوطنه يعرفه المبعوثون السودانيون في الخمسينات وحتى الثمانينات وقد كانت أسباب السفر للخارج تنحصر في طلب العلاج، السياحة، العمل لفترة محددة لتحقيق أهداف محددة ، وطلب العلم. ولكن منذ التسعينات و تزامنا مع «يونيو الأسود» حدث تغيير حاد في عادات تسفار السودانيين وشهد الوطن الهجرات الجماعية بتذاكر «اتجاه واحد» ما يعد من الظواهر الانقاذية حصريا. كانت السودانيات مثلما أخبرتني الوالدة الحبيبة انعام الامام عبدالرحمن المهدي يعدن من الغربة للوضوع في السودان وأنها وقد كانت بصحبة زوجها بروفسر الشيخ محجوب في انجلترا لغرض الدراسة قد عادت لتضع حملها في السودان. وقد كانت من تجبرهن الضرورة للولادة خارج السودان يرفضن ويرفض أزواجهن كذلك خيار اعطاء جنسية تلك البلدان لأبنائهم ، اعتزازا وتمسكا بالجنسية السودانية !ربما وجد أبناء هذا الجيل المهرولون لطلب الروتاري في أمريكا أو سواها من الدول الأخرى ذلك غريبا حيث تحرص في زماننا هذا كل ذات حمل تجد فرصة على وضع حملها في «بلد المعاني الحرة» أو سواها من بلاد ترعى حقوق الانسان لذلك قد يجدون ما نقول أمرالا يصدق ولكنها الحقيقة: إذ كان السوداني يعتز بسودانيته وهذا هو الدرس الأول في الوطنية وبناء اللبنة القومية.
أما بلد «الليروح ما يرجعشي» والاشارة لاسرائيل بحسب المسلسل المصري رأفت الهجان، فلم تكن اسرائيل أبدا من ضمن الدول التي يقصدها السودانيون وهم الأكثر التزاما ببرنامج الجامعة العربية لمقاطعة اسرائيل وقد كانت الخرطوم بلد قمة اللاءات الثلاث: في 29 أغسطس 1967 لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي قبل أن يعود الحق لأصحابه. وقد كانت الجوازات السودانية تصدر حتى وقت قريب باستثناء اسرائيل من الدول التي يسري فيها الجواز السوداني «ذكر اللواء آدم دليل أن ازالة الاستثناء كان لأسباب اجرائية بسبب صغر مساحة الجواز الالكتروني منذ ابريل 2010!»
وقد ظل الوجدان السوداني محصنا ضد التطبيع مع اسرائيل ويراه ضمن خانة العيب حتى بعد التطبيع العربي الواسع بعد كامب ديفيد وكان من ضمن أسباب الحنق على مايو عدم التزامها بالمقاطعة الاقتصادية للشركات المتعاملة مع اسرائيل والسماح برفع الحظر عن الكوكاكولا وقد أجرم نظام نميري أيضا بنظر السودانيين لسماحه بتهريب اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل في نوفمبر 1984 و6 مارس 1985 نظير أموال ورشاوى.
والصدمة التي تلقينا بها خبر من فقدنا تزداد كيلا عندما نعرف عن أعداد السودانيين باسرئيل فالعدد يتراوح بين 8.700 حسب صحيفة اسرائيل اليوم «الوطن 1572011» بينما تذكر «روسيا اليوم» في 1122011 أن العدد هو 20.000 لاجيء اضافة لعدد 2.200 في السجون الاسرائيلية!
ونحن لا نملك احصاءات دقيقة بسبب أن الملفات المشابهة تعامل بسرية لتشابكها مع ملفات المخابرات ولكننا نصدم بحقائق الأرقام على عدم دقتها. فنحن نتحدث عن 8.700 «حسب اسرائيل اليوم» وهو التقدير الأدنى وتذكر ذات الصحيفة أن 1.600 منهم من الجنوب .«وأنا ما بجيب سيرة الجنوب» كما قال القدال وقد صار دولة أخرى لكن مع ذلك فالغالبية المتسللة من دارفور أي 7.100 حسب ذلك التقدير الأدنى. والمزعج حقا أن هذا العدد يتزايد باضطراد فقد كان في 2007 بحسب ما جاء في مقال نعومي شنايدرمان أن عدد السودانيين في اسرائيل هو 5000 سوداني منهم 3000 جنوبي وبقية ال2000 هم من أبناء دارفور.
ومنذ 15/اغسطس/2007 تم انشاء منظمة أبناء دارفور في اسرائيل! دارفور التي أسست في التاريخ السوداني مملكة دارفور الاسلامية والتي استعصت على الحكم الثنائي حتى 1916، دارفور التي كانت تسير سنويا محملها الى مكة وكسوة الكعبة المشرفة والتي حفر سلطانها علي دينار آبار علي الموجودة حاليا في مكة. دارفور أصهار الامام المهدي وأهل أم ولده الأنفع عبدالرحمن الذي حفظ الدعوة وحرر السودان: كيف حدث هذا كيف يؤتى السودان من دارفور وهي مأمنه العمر كله؟
ذكر د. الطيب زين العابدين للجزيرة نت في 15 يوليو 2007 أن الضيق هو دافع الهجرة السودانية لاسرائيل بدليل أن المتسللين هم من مناطق النزاعات من مناطق الجنوب، دارفور، جبال النوبة، ويقول أن غالب المتسللين من أصول غير عربية لذلك يرجح وجود أياد يهودية.
ومع موافقتنا د. الطيب على أنه لا يمكن استبعاد الأيادي الاسرائيلية من مترتبات مشكلة دارفور ولا نلومها فهي دولة تعمل لمصلحة شعبها بما تراه من سياسات تقتات على العزف على وتر النعرات العنصرية والفروقات الاثنية ولا يهم وصمنا لها بالعنصرية أو المعتدية فهذا معروف سلفا لكن الأهم من أين أتتنا اسرائيل ألم تجد بيئتنا مهيئة لكي تعشعش فيها الطفيليات والخبائث وقد سبقناها بالعزف على نفس الوتر الذي تقيم عليه سياساتها وفرقنا ناس دارفور بل كل ناس السودان الى عرب وزرقة وزرعنا الفتنة بالأيادي التي زعمت الوضوء والألسنة التي زعمت الاستغفار ثم اني أرى أن الكارثة الحقيقية لأي مشتغل بالهم الاسلامي يجب أن تعطى لأن أعداد السودانيين في اسرائيل مما يعد بالآلاف اليائسين من الوطن هم من المسلمين..
لا بد أن نحسن تشخيص المرض سبقا لأي علاج. يجب أن نضع على الطاولة بوضوح أن تعالى النعرات العنصرية في السودان في دولة الوطن هو الخلفية التي أزكت جميع الصراعات حتى تحولت دولة الوطن الى: دولة الحزب الواحد، دولة العنصر الواحد، دولة الدين الواحد والتي نستطيع أن نشير لها بالحروف «م ام» بل لن تكتمل للشخص مواصفات المواطن درجة أولى حتى تعرف قبيلته ! هذا هو الواقع الطارد في سودان اليوم وهو الذي جعل الجنوب يختار الانفصال بنسبة صاعقة للشعور القومي وهو الذي جعل الآلاف من أبناء دارفور يهجرون الوطن قصدا لبلاد أخرى فان سدت عليهم منافذ مصر والبلدان الأخرى فلتكن دولة المقر اسرائيل لطالبي اللجوء إذ لا يضير الشاة سلخها بعد الذبح كما أن أكل الميتة مما يباح لحفظ النفس.
لا يجب أن تطال اتهامات التخوين هؤلاء الضحايا فما أجبرهم على المر الا الأمر منه ورغم عدم استبعادي لوجود مستثمرين سودانيين في جراح الوطن تم تجنيدهم لخدمة الأجندة الخارجية لكني أرى أن الغالبية انما ذهبت تبحث عن متنفس بعد أن عزّ الهواء في الوطن.
يجب على شعب السودان النهوض بمسؤوليته لحماية أبنائه من ضيق الحال والخيارات اليائسة فقد نكصت الدولة الغاصبة عن تحمل تلك المسؤولية منذ أن مزقت عهدها مع الشعب ليلة انقضت عليه غدرا في الليلة السوداء التي غاب قمرها وادلهمت مصائبها.
اللهم لا نسألك رد القضاء لكن اللطف فيه.
وسلمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.