تقرير أممي: 2,041 انتهاكاً جسيماً ضد الأطفال في النزاعات المسلحة بالسودان    خامنئي يسمي 3 شخصيات لخلافته في حال اغتياله    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على الناشطة الشهيرة "ماما كوكي": (كنتي خادمة وبتجي تشيلي الحلاوة لأمي)    الحركة الشعبية تقصف مدينة الدلنج بالمدفعية الثقيلة    مجلس المريخ يعبر عن تقديره لمصالحة ود اليأس وفتحي    الهروب الكبير.. وشماعة "الترزي"!    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على الناشطة الشهيرة "ماما كوكي": (كنتي خادمة وبتجي تشيلي الحلاوة لأمي)    اكتشاف فلكي مذهل.. كواكب جديدة فى مرحلة التكوين    سَامِر الحَي الذي يطْرِب    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    شاهد بالفيديو.. أشهر مصنع سوداني يستأنف العمل بالخرطوم في حضور صاحبه    شاهد بالصورة.. وسط ضجة إسفيرية واسعة افتتاح محل "بلبن" بمدينة ود مدني بالسودان    مواعيد مباريات كأس العالم الأندية اليوم السبت 21 يونيو 2025    العدل والمساواة: المشتركة قدمت أرتال من الشهداء والجرحى والمصابين    يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني    عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    الجيش السوداني يعلّق على الهجوم الكبير    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    السودان والحرب    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى ينهض السودانيون بمسئولياتهم؟ ومتى يكون السودان مرحبا بأهله؟
نشر في الصحافة يوم 21 - 07 - 2011

في العاشر من يوليو الجاري وبالتزامن مع فاجعة بتر أوصال الوطن نعى لنا الناعي خبر مصرع الشاب الخلوق الذي لا نجهل أصله وفصله وطيب معدنه وان كنا نحجم عن ذكر الأسماء بسبب الألم الذي قد يسببه مثل هذا الطرق لعشيرته والجرح بعد نازف وألمهم ألمنا و«جِلدهم جِلدنا ».
أتانا خبر الفقيد صريعا على الحدود المصرية الاسرائيلية بيد شرطة الحدودالمصرية فيما كان هو ومن معه يحاولون العبور للدولة العبرية. وأكثر الألم مبعثه ادراكنا أن هذا الشاب لم يكن من الذين يسر غيابهم أو لا يهم فقدهم ،فقد كان مكدا مجتهدا وقد بذل جهد استطاعته للخروج من دائرة الفقر المغلقة وفي ظل غياب كثير من الأساسيات استطاع مواصلة تعليمه حتى التخرج بنجاح ولم يقف مكتوف الأيدي عندما تعذر العمل في مجال تخصصه فعمل سائقا لكي تتوفر له اللقمة الحلال ..وأعمق الجرح بسبب أن استهانة أمثاله بخطورة وفداحة الاستجارة بدولة اسرائيل وما قد يسببه ذلك من خروق أمنية وخسائر لوطنه وعقيدته مع علو حسه الوطني والتزامه الديني يأخذنا الى نتائج جد مريعة :أننا دولة بلا حماية من تربية وطنية ولا دروع تقينا من امكانية اختراق أصحاب الأجندة الاستعمارية. ومع فداحة تلك النتائج ، تقصر مدارك المعنيين ممن يمسكون بتلابيب الوطن عن أخذ الأمر بالجدية اللازمة وقد وصلت الأزمة ميسها.
فما الذي يجعل مثل من فقدنا يترك الأهل والعشيرة خلف ظهره والمثل والقيم التي نشأ عليها ،ثم لا يلوي على شيء و يستجير بناراسرائيل حتى يصرع على حدودها ،ان لم تكن رمضاء الوطن أشد لظيا.
والخبر الذي أفاض كأسنا المترع أصلا بالآلام هو خبر صاعق على كل المستويات الوطني منها والشخصي. ولكنه ولمزيد من الأسف ليس الأول فقد ظلت الصحف ووكالات الأنباء العالمية تتناقل أخبار السودانيين اللاجئين لاسرائيل منذ سنوات خلون وتحديدا منذ 2005 وهو العام الذي تم فيه توقيع اتفاقية نيفاشا بين حكومة السودان «المؤتمر الوطني» والحركة الشعبية ما يمكننا اضافته لعوجات اتفاقية نيفاشا المرصودة، بضمير مرتاح. وذلك أن نتائج نيفاشا التي حصدها الآخرون ولكن خلا منها الواقع على الأرض كانت قد خلصت بسببها السلطات المختصة في مصر الى: أن على السودانيين اللاجئين لمصر الرجوع الى السودان وقد صار آمنا خاصة ومصر لا تنقصها المشاكل حيث يفيض ساكنوها عن مساحتها الضيقة و تضيق سبل العيش فيها على مواطنيها. كما أن سودانيي مصر جفت عنهم الموارد التي كانت توفرها مفوضية شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في مصر على قلتها، بذات الاستنتاج غير المدرك لما هو على الأرض من حقائق . وبسبب الأوضاع المريعة التي واجهتهم «من عطالة وسكن غير آمن وضيق فرص الخدمات مثل التعليم والصحة اضافة للتفرقة العنصرية» اعتصم السودانيون في ميدان المهندسين في ديسمبر 2005 الأمر الذي واجهته مصر الرسمية بالعنف المفرط وقتل 27 لاجئا سودانيا وتم توقيف المئات في القاهرة. وهو الحدث الذي خدش جبين الانسانية ولكن ليس دولتهم التي لم تعبأ بالأمر بل دار الحديث عن تواطؤ السفارة السودانية مع أجهزة الأمن المصرية لأنها تصنف المعتصمين ضمن المعارضين الشيء الذي تسقط به انسانيتهم بفهم دولة يونيو التي رزينا بها.
والحسرة تغمر الأنفس لأن ليس لمن فقدنا وصحبه بواكيا من رسميي وطنه الحاكمين والدولة عقد بين الحكومة ومواطنيها ترعى حقوقهم وتوفر ما يطلبون في مقابل واجبات لهم تجاهها أسقطتها الانقاذ جملة واحدة بتمزيقها للعهود. والشاهد أن حكومة وطنهم لم تبذل أي جهد لحماية أمثاله: بتقليل عوامل الطرد من الوطن لدرجة الخيارات اليائسة بتوفير الحريات والاهتمام بما يجب أن تهتم برعايته الدول لكي تستحق الاسم. والتكلف بتحميل مسؤولية قتل السودانيين للحكومة المصرية والمطالبة بتحقيق يكشف ما حدث حتى لا يكون قتل السوداني لا يكلف سوى ثمن الرصاصة التي ترديه قتيلا !
لكننا نعلم يقينا أن تلك المطالبات وأمثالها لن تُسمع حيا، خاصة عندما نرى تصريحات حكامنا المدهشة للبعيد، قبل أصحاب الشأن والمصلحة مثل ذلك التصريح الذي نعى به وزير الخارجية السوداني آنذاك الدولة السودانية وشيعها «في نظرنا»، حيث صرح السيد «مصطفى عثمان اسماعيل» لدى مشاركته في الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بقوله في 2005: «ان الأحداث التي شهدتها منطقة المهندسين شأن مصري داخلي» وأضاف «لا علاقة لنا بهذه الأحداث والحكومة المصرية لم تقصر معهم وسمحت لهم بالتجمع والتفاوض مع المنظمات الدولية لكن الأمر طال» فهل هناك ضوء أخضر أوضح من مثل هذه التصريحات غير المسؤولة لكي يبطش بالسودانيين من يريد؟ وكيف نطلب من الآخرين الرأفة والكرم ان كان الأقربون هم من سامنا العذاب وهم من يتولى الكيد لنا قبل الجميع؟
ومنذ ذلك التاريخ صار السودانيون الموجودون في مصر «والتي أتوها للعمل أو كمعبر الى الغرب ،امريكا أواستراليا» يرون المستحيل خيارا و بعبارة قالها لاجيء سوداني في اسرائيل : اذا كان الموت وراءك والممنوع أمامك فماذا تختار؟
ولكنه لم يكن محض ممنوع بل ممنوع محفوف وحافل بالأخطار وبين عامي 2008 2009 قتل 30 سودانيا على الحدود المصرية الاسرائيلية وقبل ذلك فالرحلة التي يقطعها اللاجيء باتجاه اسرائيل في غاية الخطورة فهم بعد أن يأخذوا وسيلة مواصلات توصلهم الى أقرب المدن المصرية على الحدود مع الدولة العبرية يقطعون ما تبقى من مسافة الصحراء مشيا على الأقدام استعانة بأدلاء من البدو نظير مبالغ مالية باهظة بالنظر لظروفهم وامكاناتهم الشحيحة «من 100 الى300 دولار»، ثم قد لا ينجون! فقد رصدت حالات عديدة لابتزازهم من قبل البدو لأخذ كل ما لديهم من مال، بل وقد يتعرضون للتعذيب والاساءات. ثم بعد الوصول للحدود مع اسرائيل قد تنتاشهم رصاصات شرطة حراسة الحدود من المصريين عند العبور. وان أفلتوا من الرحلة المحفوفة بالمخاطر فبانتظارهم مصير مجهول في اسرائيل: في البداية كانوا يستقبلون من قبل مفوضية اللاجئين في اسرائيل حيث يتم استقبالهم في قرى تعاونية أو في السجون وقد يتم ارجاعهم لمصر لأن السودان دولة عدوة لا تسمح اتفاقية حقوق اللاجئين باعادتهم اليها وقد كان هذا عاملا اضافيا في تزايد الهجرة السودانية لاسرائيل إذ يضمنون أنهم لن يُعادوا للسودان، لكن منذ 3 أغسطس 2007 صوت 63 من أعضاء الكنيست الاسرائيلي على استرحام يوقف ارجاع السودانيين لمصر، كما يدعي الذين أمضوا الاسترحام من أعضاء الكنيست ،أن تاريخ اليهود مع الاضطهاد، يلزمهم بتعامل كريم مع المضطهدين اضافة لادعاءات احترام قيم الديمقراطية وحقوق الانسان. لكننا نظن أن الحقيقة هي أن فرصة تنفيذ أهداف الدولة العبرية قد أتت لاسرائيل عند بابها فكيف لا تغتنمها وهي التي تدرك بقرون استشعارها اليقظة أن تفكيك الدول العربية هو مهر بقائها «محاضرة آفيريختر وزير الأمن الاسرائيلي في 2009 بوجوب تفتيت الدول العربية».
كما أمرت المحكمة العليا في اسرائيل بعدم سجن طالبي اللجوء.
تقول صحيفة النيويورك تايمز في عدد 1832007 أنه: قبل 40 سنة لم يظن أحد أن اسرائيل ستكون قبلة الهجرة بسبب الثقافة الاحادية، أما بالنسبة للسودانيين فلم يكن أحد يظن أن الدولة العبرية ستكون مقصدا وقبلة لأي سوداني قبل 20 عاما هي عمر ديكتاتورية الانقاذ الحالية. ذلك أن سبب هذا التحريم لم يكن بالنسبة للسودانيين فقط لموانع دولة المقر «أحادية الثقافة» التي رأتها الصحيفة المذكورة أو عنصريتها كما نرى بل لأن السودانيين عموما قبل ذلك التاريخ الأسود ما كانوا يرون لوطنهم بديلا وما كانوا يرون لهم بين الأمم مثيلا.. كيف لا؟ والسودان قد انفرد بميزات عزت على غيره: فهو أرض المليون ميل مربع التي تزخر بموارد هائلة أهمها البشر الممتازون بالشجاعة وصد الدخيل وقيم التكافل قيم :«ما في وسطنا واحدا ما انكرب زنده والبقع بيناتنا بنسنده» وقد تهيأ لهم بقيادة المهدية النصر العزيز المؤزر على الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ما أضفى على الشخصية السودانية ثقة في النفس ووهجا وأسباب الخصوصية السودانية التي تغنى بها عشاقها كثيرة وسماتها عديدة منها التسامح والأنفة والنفوس الكبار التي تتعب في مرادها الأجسام.
والسودانيون يحبون وطنهم رغم أن غالبيتهم رعاة والرعاة التقليديون يترحلون تبعا للماء والكلأ وربما حسِب المراقب خطأ أن التعلق بالأرض التي ليست بمقر دائم ليس بذات عمق تعلق الزراع بأرضهم. فللسوداني تعلق بوطنه يعرفه المبعوثون السودانيون في الخمسينات وحتى الثمانينات وقد كانت أسباب السفر للخارج تنحصر في طلب العلاج، السياحة، العمل لفترة محددة لتحقيق أهداف محددة ، وطلب العلم. ولكن منذ التسعينات و تزامنا مع «يونيو الأسود» حدث تغيير حاد في عادات تسفار السودانيين وشهد الوطن الهجرات الجماعية بتذاكر «اتجاه واحد» ما يعد من الظواهر الانقاذية حصريا. كانت السودانيات مثلما أخبرتني الوالدة الحبيبة انعام الامام عبدالرحمن المهدي يعدن من الغربة للوضوع في السودان وأنها وقد كانت بصحبة زوجها بروفسر الشيخ محجوب في انجلترا لغرض الدراسة قد عادت لتضع حملها في السودان. وقد كانت من تجبرهن الضرورة للولادة خارج السودان يرفضن ويرفض أزواجهن كذلك خيار اعطاء جنسية تلك البلدان لأبنائهم ، اعتزازا وتمسكا بالجنسية السودانية !ربما وجد أبناء هذا الجيل المهرولون لطلب الروتاري في أمريكا أو سواها من الدول الأخرى ذلك غريبا حيث تحرص في زماننا هذا كل ذات حمل تجد فرصة على وضع حملها في «بلد المعاني الحرة» أو سواها من بلاد ترعى حقوق الانسان لذلك قد يجدون ما نقول أمرالا يصدق ولكنها الحقيقة: إذ كان السوداني يعتز بسودانيته وهذا هو الدرس الأول في الوطنية وبناء اللبنة القومية.
أما بلد «الليروح ما يرجعشي» والاشارة لاسرائيل بحسب المسلسل المصري رأفت الهجان، فلم تكن اسرائيل أبدا من ضمن الدول التي يقصدها السودانيون وهم الأكثر التزاما ببرنامج الجامعة العربية لمقاطعة اسرائيل وقد كانت الخرطوم بلد قمة اللاءات الثلاث: في 29 أغسطس 1967 لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي قبل أن يعود الحق لأصحابه. وقد كانت الجوازات السودانية تصدر حتى وقت قريب باستثناء اسرائيل من الدول التي يسري فيها الجواز السوداني «ذكر اللواء آدم دليل أن ازالة الاستثناء كان لأسباب اجرائية بسبب صغر مساحة الجواز الالكتروني منذ ابريل 2010!»
وقد ظل الوجدان السوداني محصنا ضد التطبيع مع اسرائيل ويراه ضمن خانة العيب حتى بعد التطبيع العربي الواسع بعد كامب ديفيد وكان من ضمن أسباب الحنق على مايو عدم التزامها بالمقاطعة الاقتصادية للشركات المتعاملة مع اسرائيل والسماح برفع الحظر عن الكوكاكولا وقد أجرم نظام نميري أيضا بنظر السودانيين لسماحه بتهريب اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل في نوفمبر 1984 و6 مارس 1985 نظير أموال ورشاوى.
والصدمة التي تلقينا بها خبر من فقدنا تزداد كيلا عندما نعرف عن أعداد السودانيين باسرئيل فالعدد يتراوح بين 8.700 حسب صحيفة اسرائيل اليوم «الوطن 1572011» بينما تذكر «روسيا اليوم» في 1122011 أن العدد هو 20.000 لاجيء اضافة لعدد 2.200 في السجون الاسرائيلية!
ونحن لا نملك احصاءات دقيقة بسبب أن الملفات المشابهة تعامل بسرية لتشابكها مع ملفات المخابرات ولكننا نصدم بحقائق الأرقام على عدم دقتها. فنحن نتحدث عن 8.700 «حسب اسرائيل اليوم» وهو التقدير الأدنى وتذكر ذات الصحيفة أن 1.600 منهم من الجنوب .«وأنا ما بجيب سيرة الجنوب» كما قال القدال وقد صار دولة أخرى لكن مع ذلك فالغالبية المتسللة من دارفور أي 7.100 حسب ذلك التقدير الأدنى. والمزعج حقا أن هذا العدد يتزايد باضطراد فقد كان في 2007 بحسب ما جاء في مقال نعومي شنايدرمان أن عدد السودانيين في اسرائيل هو 5000 سوداني منهم 3000 جنوبي وبقية ال2000 هم من أبناء دارفور.
ومنذ 15/اغسطس/2007 تم انشاء منظمة أبناء دارفور في اسرائيل! دارفور التي أسست في التاريخ السوداني مملكة دارفور الاسلامية والتي استعصت على الحكم الثنائي حتى 1916، دارفور التي كانت تسير سنويا محملها الى مكة وكسوة الكعبة المشرفة والتي حفر سلطانها علي دينار آبار علي الموجودة حاليا في مكة. دارفور أصهار الامام المهدي وأهل أم ولده الأنفع عبدالرحمن الذي حفظ الدعوة وحرر السودان: كيف حدث هذا كيف يؤتى السودان من دارفور وهي مأمنه العمر كله؟
ذكر د. الطيب زين العابدين للجزيرة نت في 15 يوليو 2007 أن الضيق هو دافع الهجرة السودانية لاسرائيل بدليل أن المتسللين هم من مناطق النزاعات من مناطق الجنوب، دارفور، جبال النوبة، ويقول أن غالب المتسللين من أصول غير عربية لذلك يرجح وجود أياد يهودية.
ومع موافقتنا د. الطيب على أنه لا يمكن استبعاد الأيادي الاسرائيلية من مترتبات مشكلة دارفور ولا نلومها فهي دولة تعمل لمصلحة شعبها بما تراه من سياسات تقتات على العزف على وتر النعرات العنصرية والفروقات الاثنية ولا يهم وصمنا لها بالعنصرية أو المعتدية فهذا معروف سلفا لكن الأهم من أين أتتنا اسرائيل ألم تجد بيئتنا مهيئة لكي تعشعش فيها الطفيليات والخبائث وقد سبقناها بالعزف على نفس الوتر الذي تقيم عليه سياساتها وفرقنا ناس دارفور بل كل ناس السودان الى عرب وزرقة وزرعنا الفتنة بالأيادي التي زعمت الوضوء والألسنة التي زعمت الاستغفار ثم اني أرى أن الكارثة الحقيقية لأي مشتغل بالهم الاسلامي يجب أن تعطى لأن أعداد السودانيين في اسرائيل مما يعد بالآلاف اليائسين من الوطن هم من المسلمين..
لا بد أن نحسن تشخيص المرض سبقا لأي علاج. يجب أن نضع على الطاولة بوضوح أن تعالى النعرات العنصرية في السودان في دولة الوطن هو الخلفية التي أزكت جميع الصراعات حتى تحولت دولة الوطن الى: دولة الحزب الواحد، دولة العنصر الواحد، دولة الدين الواحد والتي نستطيع أن نشير لها بالحروف «م ام» بل لن تكتمل للشخص مواصفات المواطن درجة أولى حتى تعرف قبيلته ! هذا هو الواقع الطارد في سودان اليوم وهو الذي جعل الجنوب يختار الانفصال بنسبة صاعقة للشعور القومي وهو الذي جعل الآلاف من أبناء دارفور يهجرون الوطن قصدا لبلاد أخرى فان سدت عليهم منافذ مصر والبلدان الأخرى فلتكن دولة المقر اسرائيل لطالبي اللجوء إذ لا يضير الشاة سلخها بعد الذبح كما أن أكل الميتة مما يباح لحفظ النفس.
لا يجب أن تطال اتهامات التخوين هؤلاء الضحايا فما أجبرهم على المر الا الأمر منه ورغم عدم استبعادي لوجود مستثمرين سودانيين في جراح الوطن تم تجنيدهم لخدمة الأجندة الخارجية لكني أرى أن الغالبية انما ذهبت تبحث عن متنفس بعد أن عزّ الهواء في الوطن.
يجب على شعب السودان النهوض بمسؤوليته لحماية أبنائه من ضيق الحال والخيارات اليائسة فقد نكصت الدولة الغاصبة عن تحمل تلك المسؤولية منذ أن مزقت عهدها مع الشعب ليلة انقضت عليه غدرا في الليلة السوداء التي غاب قمرها وادلهمت مصائبها.
اللهم لا نسألك رد القضاء لكن اللطف فيه.
وسلمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.