٭ يأتي الرُحل في المرتبة الثانية في دارفور من حيث التعداد السكاني الاخير ويشكلون عنصراً مهماً من مكونات المجتمع الدارفوري سواء كان ذلك اجتماعياً او اقتصادياً ويبرز ذلك في الثروة الحيوانية الهائلة التي يمتلكونها ، فضلاً عن دورهم الكبير في الحراك الاجتماعي الدارفوري. لقد أنشاء أول كيان يجمع رُحل دارفور في مطلع الثمانينات تحت مسمى مجلس ريفي الرُحل ومقره مدينة كتم، حيث كانوا يدارون في السابق عن طريق الإدارات الاهلية ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه الاسطر لم يغير التاريخ شيئاً في حياتهم وبدلاً من أن ينقلهم المجلس الى الامام اصبح مصدراً لتعاستهم. وعلى الرغم من ان تلك الفترة وحتى بداية التسعينيات تعتبر الذهبية في حياتهم حيث كانت تجمع ضريبة القطعان والزكاة الامر الذي جعل المحلية من اغلى محليات الولاية. بدأ هذا القطاع في التدهور حينما شهد الجزء الشمالي من الولاية موجة من الجفاف وشح المياه، الامر الذي ادى بكثير منهم من للاستقرار في ولاية جنوب دارفور، ومن هنا بدأت المحلية في الانهيار، ومن العوامل التي ادت الى الانهيار والتراجع ضعف الكادر الإداري- تسييس الإدارة الاهلية. فمند إنشاء المحلية وحتى اللحظة لا يزال مؤسسوها يمسكون مفاصل أمرها ولم يسمحوا للجيل الجديد من خريجي الجامعات المساهمة في نهضة المحلية، اضافة الى خلافات واختلافات زعماء الإدارة الاهلية ، كل ذلك شكل احد عوامل التراجع والتدهور. وفي هذه الفترة لم تستطع المحلية تقديم شيء في مجال التعليم والصحة والخدمات الاخرى حيث تبلغ نسبة المتعلمين في المحلية 05% فقط ثابتة لا تزيد ولا تنقص. وفي امتحانات العالم السابق 1102م (مرحلة الاساس) جلس 041 تلميذا وتلميذة فقط من جملة عدد السكان المقدر بأكثر من 230 ألف نسمة بحسب الإحصائيات. نجح منهم ما يزيد عن المائة بقليل ورسب الباقون مقارنة بالاعوام السابقة. أما الطلاب بالجامعات والمعاهد العليا فلا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة. وعن الوضع الصحي فحدث ولا حرج حيث يعتمد الرُحل في علاجهم على معاونين صحيين ينقصهم التأهيل والتدريب الكافي وهذا في بعض المناطق الاكثر حظاً اما في المناطق الاخرى فنجدهم يتعالجون بنفس الادوية التي يعالجون بها حيواناتهم الافوميك، والمجموع، والانترسايت وغيرها من الادوية البيطرية ولا مجال للرعاية الصحية الاولية وصحة الامومة والطفولة في حياتهم، فاذا ما جاء المخاض على المرأة الراحلة ما عليها إلا التشبثت بأقرب جزع شجرة لوضع مولودها علماً بإنها قد شهدت ابشع صور العادات الضارة في حياتها (ختان الاناث، الزواج المبكر) التي كثيراً ما ساهمت في زيادة عدد حالات وفيات الامهات، وللداية ام حبل الكعب العالي في مجتمعات الرُحل المختلفة تمارس الابتزاز تارة ولعبت دور الداية القانونية تارة أخرى نسبة لغياب المجتمع التام عن الحقيقة. ولقد افرزت قضية دارفور منعطفاً جديداً في حياة الرُحل حيث كانوا في السابق يعيشون حياة مستقرة مع بقية المجتمعات والى حد ما يشوبها التشاكس والتنافر وربما التخاشن أحياناً بسبب إفرازات الحروب وجيوب النهب المسلحة وبعض الممارسات التي تحدث بين هؤلاء واولئك، والتي دائماً ما تحدث بسبب الزراعة والرعي، فالمزارع في بعض الاحيات يتوسع على حساب المرحال، أما الراعي فتضيق المساحة أمامه مع الزيادة في ثرواته حيث يتعمد بعضهم الدخول الي المزارع وهنا تحدث الاحتكاكات. وبعد تفجر قضية دارفور تطور الامر واصبح اكثر تعقيداً حيث لا مجال لقبول الآخر على الاقل في راهن الوضع فتمايزت الصفوف بعد ظهور منفستو الحركات المسلحة الذي يرى الرُحل انه لا يتماشى مع مصالحهم وسالت انهار من دماء الطرفين وتهتك الرتق الاجتماعي وبرزت مسميات ومصطلحات كثيرة (زرقة، عرب، جنجويد، تورابورا)، وسمى أشخاص بمسميات ونعت آخرون بصفات ولو ان هنالك بريق أمل يوحي بأن المستقبل ربما يشهد عودة العلاقات الى سابقها يتمثل في الرجوع الى الاعراف والتقاليد المتبعة سابقاً في حل المشاكل وفض النزاعات. تجدر الاشارة هنا الى ان للحكومة دورا مهما في تعقيد الأزمة من خلال تقسيم المجتمع وتحالفها مع كيانات دون الاخرى مما ساهم في استمرار الأزمة وجرها للتدويل وهذه تعتبر من الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها الحكومة. نسبة لتطور قضية دارفور والحالة الاستثنائية التي يعيشها مجتمع الرُحل أنشأت الحكومة للرحل كياناً يجمعهم (محلية الواحة) وعينت على رأسه ابناءها لقيادته ولكن الشيء الذي يدعو للاسف ان تلك القيادات لم تقدم شيئاً لهذا المجتمع بل كان همهم الاول والاخير تحقيق المكاسب الشخصية مما افقدهم ثقة المجتمع. وكنتيجة لإهمال الشريحة المهمة من الشباب تفشت ظاهرة المخدرات وانتشرت بصورة مخيفة وراجت تجارتها في اوساطهم نسبة لإنعدام الرعاية والتوعية والحدود المفتوحة مع دول الجوار مما ساهم في تفكك وتحلل المجتمع وتدمير عقول الشباب. وبعد توقيع اتفاقية ابوجا في العام 6002م وكمكأفاة للرُحل لوقفتهم بجانب الحكومة انشأ مجلس تنمية وتطوير الرُحل كجسم موازي لمؤسسات السلطة الانتقالية وعين على رأسه أحد أبناء المحلية بدرجة وكيل وزارة وهو من الذين لا يحظون بالقبول ولم يشهد لهم التاريخ بأى انجاز يذكر ومع استبشار البسطاء من الرحل خيراً بتكوين المجلس بأن يعمل على تغيير اوضاعهم إلا أنهم تفاجأوا بانحراف المجلس عن أهدافه الاساسية. فأداء المجلس الذي رصدت له الكثير من المبالغ المالية يشوبه الغموض وتحوم حوله شبهة الفساد، وحتى هذه اللحظة لم يتم هيكلة المجلس حتى يستفيد أبناء المحلية المتعلمين من وظائفه وإنما حاول رئيسه تعيين اعضائه وكوادره بمن ينقصهم التأهيل والخبرة الكافية على مزاجه الشخصي وصاروا جواسيس وعسس لزائريهم وفيما بينهم واصبحوا جوقة من المطبلين والذين كلما هتفوا وصفقوا له انتفخ كالطبل الاجوف يتملكه الشيطان وقاده من حطامه، مما خلق منه شخصية وهمية، واصبح رئيس المجلس يتعامل بسياسة الغموض وعدم الشفافية والقمع والترهيب وبخاصة شريحة الطلاب والشباب حتى صارت بينه وبينهم قطيعة وفجوة يصعب عليه ردمها. وصار من واجب النيرين من أبناء الرُحل القيام بثورة تصحيحية لاجتثاث هذه الطحالب واستئصالها حتى يعود المجلس لتحقيق أهدافه التي انشيء من اجلها ومجلس تنمية وتطوير الرُحل كما يسمى (تدمير الرُحل) بدلاً من الارتقاء بهذا المجتمع المتخلف ومحو الآثار السيئة والسالبة التي اقعدته عدداً من السنين وانصرف لتقديم أشياء لا تمت للرُحل ومجتمعاتهم بصلة ويضرب على نفسه بسياج من الكتمان وإدمانه للفشل. فبدل ان يضيع المجلس وقته بما لا يفيد ويعتبر ان ما يقوم به يعد تنمية للرُحل فإننا نعتقد ان المدخل الحقيقي لتنمية الرحل يكمن في التوطين والاستقرار فلا توجد تنمية حقيقية بدون استقرار ولقد فشلت كل المحاولات السابقة لتنميتهم وهم على ظهور دوابهم. فمثلاً فكرة إنشاء المدارس المتنقلة والتي اثبتت فشلها بنسبة 001% وافرزت إنصاف متعلمين، واصبحوا عالة على المجتمع وجزءا من مسببات مشكلاته. ويبرز سؤال بريء ويتطلب الاجابة عليه بكل شفافية ووضوح، ماهو حجم ميزانية هذا المجلس؟ وما هى اولويات صرفه؟! وهل يخضع للمراجعة؟ وهل يعرف العضوية الداخل والخارج للمجلس؟ أم انهم يعرفون فقط مخصصاتهم ولا خصائص الرُحل. وهذه الاسئلة الاجابة عليها تتطلب شفافية ووضوحا وهى بديهية وحق للراعي القادم من مضارب دارفور. إن على المجلس ومنظماته (المسار) أن يبدأ عصراً جديداً شعاره ستر العورات ولا يأتي ذلك إلا بترك النافر والعمل للوحدة التي تجمع آمال ناشديها وتساعدهم على التخلص من سيطرة الفرد الواحد وإحداث التغييرات المطلوب والتقرب من القاعدة. فكل ما ابتعد المجلس ومنظماته ( المسار) عن واقعهم وقاعدتهم كلما استبد بهم الامر ونبتت في اراضيهم أشواك الغطرسة والفشل والانحراف عن الطريق والوقوع في مهابط الضعف. * طالب دراسات عليا