عندما قام الدكتور العالم كمال شداد رئيس الاتحاد الرياضي السوداني السابق بالغاء دوري الشباب لم يتخذ قراره هذا عبطاً أو مزاجية ولكن وفقاً لمعطيات وقراءة عميقة لواقعنا الكروي المعاصر ، وقد ظل هذا القرار يجد معارضة كبيرة ، ونسب اليه كل فشل حققته منتخباتنا وأنديتنا في المحافل الخارجية بجانب السبب الآخر الذي ظل شماعة تلوكها الألسن وهو الموسم المقلوب. ذهب الدكتور كمال شداد مأسوفاً عليه ، وجاء ابناؤه بقيادة الدكتور معتصم جعفر ، وأول ما قاموا به لارضاء المعارضة ، وليس لتطوير الكرة اعادة دوري الشباب بين أندية الدوري الممتاز ، ولا نستبعد ان يقوموا بعد مواسم ببرمجة الموسم الرياضي وفقاً لما يهواه المعارضون للدكتور ، وليت ما قاموا به كان عن قناعة وبعد أن تأكدوا بأنه سيكون لمصلحة الكرة السودانية ولكننا نحسبه قراراً قصد به الابتعاد عن الصدامات التي لن يقوون عليها كما كان الدكتور ، الذي كان يلقم كل معارض لافكاره حجراً منطقياً في بعض الأحيان وفي أخرى لم يكن ليرد عليهم لأنهم ليسوا بصنو له ولأفكاره العبقرية. الغاء دوري الشباب جاء لأسباب كثيرة منطقية فالفكرة ليست بالسيئة ولكنها لا تتناسب مع ظروف السودان ، فهي مرهقة للأندية أولاً لأنها تحتاج الى ميزانيات خاصة ، فوق طاقة الأندية التي تعاني اصلاً من الصرف على الفريق الأول والذي يبتلع كل ميزانياتها ، بالطريقة التي لا تسمح لها بالاهتمام ببقية المناشط المهملة تماماً ، فالشباب يحتاجون الى جهاز فني متفرغ ، والى صرف على التدريبات والمباريات ، والزام الاندية بها لهذا السبب وحده يعتبر جريمة ، فاذا كانت الأندية تمتلك ميزانية لها ، فالأولى بها الألعاب الجماعية الأخرى مثل الطائرة واليد والسلة ، أو الفردية مثل الجودو والكراتيه ، فهي ايضاً يفترض ان توليها الأندية اهتمامها ، ولكننا على ثقة تامة ، ومن واقع معايشتنا لواقع الأندية ، التي نستثني منها الهلال والمريخ فكلها تعاني الأمرين من ضعف مواردها لتسيير أمور الفريق الأول للكرة ، وبالتالي فهي لن تقوى على تسيير فريق للشباب ليزيد من اعباء الصرف عليها ، وهذا وحده سيجعلها تهمل فرق الشباب ومنافستها التي لن تضيف لها شيئاً ونستطيع ان نراهن بأن الأندية لن تستفيد كثيراً من هذه التجربة ، بتصعيد لاعبين الى الفريق الأول ، وان حدث فسيكون للاعبين مميزين يكمل بهما الخمس خانات التي وضعت للشباب ، ولكنهم لن يشاركوا كأساسيين بالتأكيد في ظل اعتماد اندية الممتاز على اللاعب الجاهز. هذه جزئية ، وهناك أخرى مهمة جداً ، وهي أن الاتحاد العام باعادته لدوري الشباب في الأندية سيكون قد ساهم مساهمة مباشرة في الاضرار بمنافسات الدرجات الأخرى من الاولى للثانية للثالثة ، فأندية هذه الدرجات وخاصة الثالثة والثانية تعتمد اعتماداً كبيراً على هؤلاء الشباب والفائدة التي يتلقونها في منافساتها كبيرة والتجربة ثرة ، وعميقة ، فهناك يكون للتنافس معنى ، لأنه مرتبط بصعود وهبوط ، اما في دوري الشباب فالفائدة الوحيدة قد تكون في شكل التدريب ولكن اللاعب سيفتقد الى الدوافع في دوري الشباب ، وسيحرم من اكتساب خبرات أكبر . وجزئية الدرجات الصغرى تقودنا الى فهم آخر ليس ببعيد عنها ، فالاتحاد باصراره على دوري الشباب سيحرم هذه الأندية من المواهب التي يفترض ان تتدرج في المنافسة حتى تصل الى مرحلة اللعب للممتاز ، وهو بهذا سيكون قد الحق الضرر بالأندية واللاعبين ، وتسبب في وجود خلل في مسيرته التنافسية ، فالأندية ستضطر للجوء الى لاعبين كبار السن ومشاطيب ، اما اللاعبون فسيهيأ لهم أن الطريق الأقرب الى الدرجة الممتازة هو اللعب في دوري الشباب ، ولكنه بالتأكيد لن يكون طريقاً سهلاً أو مفروشاً بالحرير. مؤكد أن كل هذه الأفكار كانت في ذهن البروف شداد وكثير غيرها وهو يقف ضد فرق الشباب في الأندية ، ومؤكد أن قراره كان صائباً ، ولكن ابناءه لم يعرفوا كيف يحافظون عليه فتخبطوا لينجوا من سهام النقد المدمر الذي ما كان سيتوقف لو لم يتنازلوا عن الأفكار التي رباهم عليهم الدكتور، ولكن مؤكد أنه سيأتي يوم يتبينون فيه الصحيح ، والخوف أن يكون ضحى الغد.