(1) ٭ عندما عز الناصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وقل فيها السند والرفقة وتكاثرت عليه عداءات قريش وهو يكابد المحن والحزن، في تلك الأيام العصيبة نزل قوله تعالى (فاصبر صبراً جميلاً..) ويذكرنا القرآن الكريم سيرة سيدنا يعقوب عليه السلام في محنته وهو يلوذ بالصبر (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (يوسف 81). وذلك ان الصبر إيمان راسخ بالله سبحانه وتعالى وأقداره الماضية، وكانت دعوة سيدنا موسى عليه السلام (اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان). (2) ٭ قال رجل لسهل (دخل لص بيتي وأخذ متاعي)، فقال له سهل: أشكر الله تعالى (لو دخل الشيطان قلبك فأفسد توحيدك ماذا كنت تصنع؟). ٭ وعزى أعرابي ابن عباس في وفاة أبيه العباس وأنشد قائلاً: اصبر نكن بك صابرين ٭ فإنما صبر الرعية بعد صبر الرأس خير من العباس أجرك بعده ٭ والله خير منك للعباس فقال ابن عباس: ما عزاني أحد أحسن من تعزيته. وكان لأحد الصالحين ابن مريض ويشفق عليه وأصابه الحزن، وحين توفى ابنه خاف عليه أصحابه ولكنهم لم يجدوه جزعاً واستفسروا منه، فقال: لقد كان بين يدي وأشفق عليه، والآن بين يدي ربه وهو أرحم عليه وأشفق مني. (3) ٭ قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لتكون له الدرجة عند الله تعالى لا يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك)، فالمراتب تتطلب اختباراً للإرادة والعزم وثباتاً في المبدأ لا تهزه الحوادث والابتلاءات، حتى يتحقق لهم غاية المنى، قال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) البقرة (214). ٭ وحين يرضى الإنسان بذلك الامتحان ويجتازه برضى وطمأنينة تتنزل عليه البركات وينعم برضوان الله الواسع وعفوه الجميل، (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر (10). ٭ قال عمر رضى الله عنه: ما بليت بلاء إلا كان لله تعالى علي فيه أربع نعم: إذ لم يكن في ديني، وإذ لم يكن أعظم منه، وإذ لم أحرم الرضا به، وإذ أرجو الثواب عليه. (4) ٭ وما أجمل أن تتسامى أرواح المؤمنين لله سبحانه وتعالى، ترد الأمر كله لله، وترجو الفرج من الله، وتلوذ به حيث لا ملجأ من الله إلا إليه، وتلك لذة الإيمان وتمام العبودية، كان عمر بن الخطاب يقرأ في صلاة الفجر (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) ويبكي، فقد سمت الأشواق لله فلا شكوى لغيره ولا نجوى غيره، وما أجمل أن نصبر على أقدار الله، لأن توالي النعم مع الغفلة قد يكون استدراجاً (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) الانعام (2)، وتلك حال المعرضين عن ذكر الله. ٭ اللهم لك الحمد ولك الثناء، عافنا وأعفو عننا وكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وعافيتك أحب إليَّ).